خطبة جمعة مكتوبة عن جبر الخواطر وتطييب النفوس.. من أخلاق الإسلام العظيمة

خطبة جمعة مكتوبة عن جبر الخواطر وتطييب النفوس.. من أخلاق الإسلام العظيمة

عناصر الخطبة

  • إن من القربات المباركات التي يتقرب بها العبد لينال الثواب عند لله ﷻ “جبر خواطر الناس وتطييب نفوسهم” فهي من العبادات العظيمة التي يؤديها المسلم، وهي من الأخلاق الكريمة التي حث الإسلام عليها، لما فيها من تجسيد لروح المحبة والتآلف والتعاون بين أبناء المجتمع الواحد، والمجتمع المدني الأول خير مثال يحتذى به في التعاون على البر والتقوى.
  • من أسماء الله ﷻ “الجبار” ومن معانيه الكريمة، أنه ﷻ يجبر قلوب المؤمنين ويصلح بالهم، ويفرج عنهم الهموم والكربات ويطيب نفوسهم لتزكيتها (قد أفلح من زكاها).
  • صور “جبر الخواطر” في الإسلام كثيرة جداً، فالكلمة الطيبة واللمسة الحانية والشعور الصادق كلها تطيب النفوس وتنشر المحبة بين الناس، وتزيل الخصومات، وتجمع كل الفئات في طاعة ربهم ﷻ.
  • إن قصة سيدنا يونس عليه الصلاة والسلام، ترشدنا الأسلوب الطيب فقد كان نداؤه ودعاؤه لربه خير مثال لجبر خاطره عليه السلام بقوله ﴿لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ مما كان سبباً بنجاته من ظلمات ثلاث، فلنكثر من هذا الدعاء عند كرب ومحنة.

الخطبة الأولى

من عظمة الإسلام أنه جاء ليرتقي بالإنسان، ويوجد مجتمعاً منسجماً تسود فيه أجواء التراحم والتعاطف والمودة والتفاؤل، لذلك دعا الإسلام إلى تلمس حاجات الآخرين وتفقد أحوالهم، وتطييب نفوس المهمومين وجبر خواطر المكروبين، فقال ﷺ: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إن اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمى» ← متفق عليه.

فالمسلمون في المجتمع جسد واحد، وتعاطف أفراده وتراحمهم انعكاس وتجسيد لروح المحبة والتعاون التي أمر بها الإسلام، ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ الحجرات: 10 فإن الأخوة في الآية معناها قصر المؤمنين على الأخوة والمحبة والابتعاد عن التقاطع والتشاحن؛ لأنها ليست من سمات المؤمنين الصادقين.

ولذلك كان من أعظم العبادات والأخلاق التي دعا إليها الإسلام وحث عليها جبر خواطر الناس وتطييب نفوسهم لما له من أثر طيب كبير، ومعنى عميق في نفس الإنسان، فربما كان الإنسان على حافة اليأس وفقدان الأمل، ثم تُفتح له نوافذ الأمل على شكل كلمات طيبة تجبر خاطره من أخ له، وربما عانى الإنسان من مرارة الحياة وقساوتها، ثم يأتيه التثبت وبثّ الحياة في روحه من جديد بكلمات صادقة تحمل معاني المحبة والتعاطف من إخوانه، وبذلك ينال الإنسان بهذه العبادة الأجر العظيم من الله ﷻ.

لذلك؛ قيل: “من سار بين الناس جابراً للخواطر، أدركته عناية الله وإن كان في جوف المخاطر”.

ويقول النبي ﷺ: «مَن نفَّس عن مؤمنٍ كربةً من كُرَب الدنيا، نفَّس الله عنه كربةً من كُرَب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسرٍ، يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، واللهُ في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» ← رواه مسلم.

وفي جبر خواطر الناس وتطييب نفوسهم تعبير صادق من المسلم عن الاهتمام بإخوانه، قال الله ﷻ ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ الحشر: 23، ومن معاني اسم الجبار، أنه سبحانه هو الذي يجبر قلوب المنكسرين، ويداوي جراحهم ويطيب نفوسهم، ويكفيهم أمور دنياهم.

يقول الإمام الطبري: “الجبار يعني المصلح أمور خلقه، المُصَرِّفهم فيما فيه صلاحهم”.

لذلك كان من دعاء النبي ﷺ في صلاته: «اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني واهدني وعافني وارزقني» ← رواه الترمذي.

وجبر الخاطر عبادة سهلة ميسورة، وأجرها عظيم من الله ﷻ، فالزكاة والصدقات تجبر خواطر الفقراء وتطيب نفوسهم: قال ﷻ: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾ الإنسان: 8-9، وقال ﷻ ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ البقرة: 262، فرب كلمة واحدة تجبر بها خاطر مهموم يعادل ثوابها ثواب الصدقة أو خيراً منها، قال ﷻ ﴿قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ﴾ البقرة: 263.

ويقول النبي صلى الله عليه «َالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صدقة» ← متفق عليه.

ورُبّ موقف يلقى به المسلم أخاه بوجه طلق فيدخل السرور على قلبه ويجبر خاطره يكون له به الأجر العظيم عند الله، قال ﷺ: «لا تحقرن من المعروف شيئا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق» ← صحيح مسلم.

وكما قال المتنبي:

لا خَيْلَ عِندَكَ تُهْديهَا وَلا مال
فَليُسْعِدِ النُّطْقُ إنْ لم تُسعِدِ الحالُ

ومن المواقف العظيمة للنبي ﷺ أنه دخل المسجد ذات يوم، فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة، فقال: «يا أبا أمامة ما لي أراك جالساً في المسجد في غير وقت الصلاة؟ قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، قال: أفلا أعلمك كلاماً إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى عنك دينك؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، قال: ففعلت ذلك فأذهب الله عز وجل همي، وقضي عني ديني» ← رواه أبو داود.

وقد ضرب الأنصار رضي الله ﷻ عنهم أروع الأمثلة في جبر خاطر إخوانهم من المهاجرين، حين استقبلوهم في ديارهم وطيبوا نفوسهم، ومدّوا لهم يد العون والمساعدة، بعد أن خرجوا من ديارهم وأموالهم في مكة المكرمة، فقام مجتمع مبني على الأخوة والمحبة والأُلفة بين أبنائه.

⬛️ أيضًا؛ هنا: خطبة عن جبر الخواطر | مكتوبة & بالعناصر وأجمل القصص المعبرة

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾، وبعد:

نهى الله ﷻ عن كسر خواطر الضعفاء والمحتاجين، فقال الله ﷻ: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ، وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ﴾ الضحى: 9-10، وقد قيل: “احذر كسر الخواطر، فإنها ليست عظماً يُجبر، ولكنها روحٌ تُقهر”.

والمسلم الحق في كل وقت وحين يطلب من الله ﷻ أن يجبر خاطره، وأن يفرج همه وغمه، وفي الدعاء مفتاح لجبر الخواطر وتفريج الكربات فهذا سيدنا يونس عليه السلام يطلب النجاة في الدنيا والآخرة بدعائه عليه الصلاة والسلام: ﴿أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ الأنبياء: 78، فكان هذا الدعاء سبباً بتفريج همومه وكرباته ونجاته ونجاة أمته.

والحمد لله رب العالمين..

أضف تعليق

error: