خطبة مكتوبة عن العلم والعمل.. مفاتيح الفلاح

خطبة مكتوبة عن العلم والعمل.. مفاتيح الفلاح

عناصر الخطبة

  • جعل الإسلام طلب العلم فريضة على كل مسلم ليكون العمل ناتجاً عن علمٍ وبصيرةٍ وهذا هو العمل الذي ترتقي به المجتمعات والأمم.
  • العلم والعمل أصلان عظيمان، وهما كالجناحين للطائر، بهما يطير في آفاق السماء.
  • الصحابة رضي الله عنهم ملكوا مفاتيح الفلاح بالعلم والعمل.
  • الجمع بين العلم والعمل توفيق من الله ﷻ، ونعمة سابغة من نِعمه سبحانه.
  • دعاء سيدنا يونس عليه السلام (لا إله إلاّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) فيه الفلاح والنجاح، والخلاص من ظلمات الجهل، ليعيش المسلم في نور العلم والعمل فيسعد في حياته، ويفوز في آخرته.

الخطبة الأولى

جعل الإسلام طلب العلم فريضة على كل مسلم ليكون العمل ناتجاً عن علمٍ وبصيرةٍ وهذا هو العمل الذي ترتقي به الأمم والمجتمعات فتتميز على غيرها في التقدم والبناء.

فأول ما نزل من القرآن الكريم جاء لهداية البشر وسعادتهم ورقيهم قال ﷻ (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) العلق: 1–5.

والعلم والعمل أصلان عظيمان، فيهما الخير العميم، وبهما يحقق المسلم سعادته، وهما كالجناحين للطائر، بهما يطير في آفاق السماء، والمسلم بالعلم والعمل تُفتحُ له أبواب الفلاح في الدنيا، فيعيش سعيداً، ويفوز بالجنة في الآخرة (والآخرة عند ربك للمتقين)، والتقوى هي ثمار العلم والعمل، وبهما ينال المتقون جائزة الفلاح التي هي ثمرة العلم والعمل (أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون)، هذه الآية جاءت خاتمة لآيات صفات المتقين في أوائل سورة البقرة، (ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون)، فإن الإيقان بالآخرة رفعهم لينالوا مرتبة الهداية من ربهم.

وقد حقق الصحابة رضي الله عنهم مفاتيح الفلاح في حياتهم بالعلم والعمل، جمعوا بين العلم بقراءة القرآن الكريم والعمل بآياته، مقتدين بالنبي ﷺ الذي (كان خُلقه القرآن) وعملوا بما علموا فارتقوا وصاروا جيلاً مثالياً عجزت الأمم أن تأتي بمثلهم. حملوا مفاتيح الفلاح لهداية الناس، جمعوا بين لسان المقال ولسان الحال فأحبهم العباد وفتحوا لهم البلاد. وكانت نياتهم خالصة لله ﷻ في حركاتهم وسكناتهم وجميع أحوالهم.

روى الإمام البخاري في صحيحه عن عمر رضي الله ﷻ عنه ان رسول اللَّهِ ﷻ قَالَ: «إنما الْأَعْمَالُ بالنيات، وإنما لكل امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» ← صحيح البخاري.

وقد دلت آية (واتقوا يوماً تُرجعون فيه إلى الله ثم توفّى كل نفس ما كسبت وهم لا يُظلمون) على وجوب التقوى في حياتنا، وأن مفاتيح الفوز والفلاح في الدارين لا يكون إلا بالعلم والعمل مع الإخلاص لله ﷻ في السر والعلن.

والحق أنَّ الجمع بين العلم والعمل إنما هو توفيق من الله ﷻ، ونعمة سابغة من نِعمه سبحانه، (وما بكم من نعمة فمن الله)، ومن هذه النعم العظيمة: الاجتهاد في الطاعات وعدم تضييع الأوقات فيما لا خير فيه، أو الاستسلام للعجز والكسل ووجوب الحرص على مصاحبة الصالحين وسماع أخبارهم فإن فيها نشاطاً لعمل الطاعات، وبذلك نفتح للناس أبواب الفلاح ونخرجهم من ظلمات الجهل إلى نور العلم (بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم)، والمبادرة بالأعمال الصالحة يسبقها العلم النافع، وبذلك نفوز فوزاً عظيماً، بطاعتنا لله ورسوله ﷺ (ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً).

ولا بد للمسلم أن يقرن ذلك كله بطلب العون من الله ﷻ واللجوء إليه والدعاء بأن يلهمه الرشد والصواب، وقد كان من دعاء النبي ﷺ: «اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها» ← صحيح مسلم.

ولذا فإن المسلم يحرص على الدعاء في كل أحيانه ولا يغفل عن طلب العون والسداد من الله ﷻ دائماً، كما قال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “إني لا أحمل همّ الإجابة، ولكن همّ الدعاء، فإذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه”.

على المسلم أن يجمع بين العلم والعمل والإخلاص ليكون مؤمناً قوياً يحبه الله ﷻ، وبمقدار تحقق العلم والعمل يرتقي المؤمن ويصبح قريباً من ربه ﷻ قال ﷺ: «المؤمن القوي، خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء، فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان» ← صحيح مسلم

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} آل عمران:102.

عباد الله: إننا نعيش في عصر التقنيات، وتسارع المعلومات في جميع الأقطار، وما وصلت الدول المتقدمة إلى هذه الدرجة إلاّ بالعلم، ونحن المسلمون أولى الناس بالعلم؛ لأننا الأمة التي نزل كتابها بكلمة (اقرأ) لنقرأ، ومع الأمر بالقراءة اقترن وجوب أن تكون القراءة باسم الله الخالق سبحانه.

لقد نالت أمتنا الدرجات العلى بجمعها بين العلم والعمل، وكان الإخلاص سر حياتها، فحملت مفاتيح الفلاح ولاح الصباح لكل راغب بالحياة السعيدة.

إنّ من الواجب علينا أن نعود إلى مفاتيح الفلاح والنجاح والتوفيق التي حملها أجدادنا لنجدد الصلة بهم من جهة، ونحقق مكانة مرموقة في زمن تتسارع فيه العلوم، لنفقه معنى قوله ﷻ (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)

إنهم لا يستوون لا في الدنيا ولا في الآخرة، فإن طلب العلم وتحقيق العمل هو مفتاح الفلاح، وسر النجاح. ولن تنقشع الفتن عن المسلمين إلاّ بالعلم النافع والعمل الصالح، وهو مما يجب الاعتناء به في حياتنا.

وإن المثابرة على دعاء سيدنا يونس عليه السلام (لا إله إلاّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) فيه الفلاح والنجاح، والخلاص من ظلمات الجهل، ليعيش المسلم في نور العلم والعمل فيسعد في حياته، ويفوز في آخرته.

والحمد لله رب العالمين..

أضف تعليق

error: