خطبة: حرمة النفس الإنسانية في الإسلام – مكتوبة

خطبة: حرمة النفس الإنسانية في الإسلام – مكتوبة

عناصر الخطبة

  • حفظ النفس الإنسانية من الاعتداء عليها من أهم مقاصد الشريعة التي جاءت لتحقق معاني الأخوة والمحبة والوئام بين أبناء المجتمع المسلم، لأجل ذلك وضعت التشريعات التي تحرم أذية الآخرين أو الاعتداء عليهم دون وجه حق.
  • الإنسان هو صنعة الله ﷻ، خلقه سبحانه ونفخ فيه من روحه، قال ﷻ: (ونفخت فيه من روحي) فالاعتداء على النفس هو هدم لبنيان الله ﷻ، لذلك استوجب مرتكب هذه الجريمة غضب الله ﷻ وعقابه.
  • آفة المسكرات والمخدرات التي تغيب العقل، وتطلق في النفس نوازع الشر تعد من أبرز الأسباب التي تؤدي إلى الاعتداء على النفس الإنسانية حين تنقاد النفس إلى شهواتها فترتكب الجرائم والمنكرات.
  • الإكثار من دعاء سيدنا يونس عليه السلام (لا إله إلاّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين).

الخطبة الأولى

جعل الإسلام حفظ النفس الإنسانية وصيانتها عن الاعتداء عليها بغير وجه حق من أهم مقاصد الشريعة، فالإنسان هو صنعة الله ﷻ، خلقه سبحانه ونفخ فيه من روحه وكرّمه فأسجد له الملائكة، وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا: (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن طِينٍ، فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ) ص:72.

والاعتداء على النفس بالأذية أو القتل هو هدم لبنيان الله ﷻ، لذلك استوجب مرتكب هذه الجريمة غضب الله ﷻ، يقول ﷻ: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً﴾ الأحزاب: 58، فالإسلام هو الدين الذي يجمع بين أبنائه على أساس الأخوة والوئام، والمسلم لا يؤذي الآخرين، ولا يعتدي عليهم، قلبه مليء بالرفق والرحمة ولين الجانب، يقول النبي ﷺ: «المسلمُ مَنْ سَلِم النّاسُ مِنْ لسانه ويده، والمؤمنُ مَن أَمِنَهُ النّاس على دمائهم وأموالهم» ← صحيح البخاري.

يقول أبو الدرداء رضي الله عنه: “خِيَارُكُمُ: الَّذِي يُرْجَى خَيْرُهُ، وَيُؤْمَنُ شَرُّهُ. وشِرَارُكُمْ: الَّذِي لَا يُرْجَى خَيْرُهُ، وَلَا يُؤْمَنُ شَرُّهُ”.

وقد عظّم الإسلام حرمة دم المؤمن وجعلها أعظم من زوال الدنيا، فقال ﷺ: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ سَفْكِ دَمِ مُسْلِمٍ» ← سنن ابن ماجه.

كما جرّم الإسلام القتل والأذيّة، ورتّب اللعنات والغضب على المعتدين، مع ما يناله من العذاب الأليم العظيم يوم القيامة، يقول الله ﷻ: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ النساء: 93.

بل جعل الله ﷻ قاتل النفس الواحدة في مقام من يقتل جميع الناس، لبشاعة جريمته، وقبح فعله، فقال سبحانه: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً﴾ المائدة: 32.

وعن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ قال: «لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار» ← سنن الترمذي.

وكان آخر ما وصى به النبي ﷺ أمته في حجة الوداع، مخاطباً الأمة الإسلامية بكلمات سطرها التاريخ بمداد من نور إلى يوم الدين: «إنَّ دِماءَكُم، وأمْوالَكم وأعْراضَكُم حرامٌ عَلَيْكُم كَحُرْمة يومِكُم هَذَا، في شهرِكُمْ هَذَا، في بلَدِكُم هَذَا، ألا هَلْ بلَّغْت» ← متفق عليه، وقال ﷺ: «لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضُكم رقاب بعضٍ» ← متفق عليه.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: فوالذي نفسي بيده، إنها لوصيته إلى أمته، فليبلغ الشاهد الغائب.

فهذه وصية نبي الرحمة إلى كل من يتجرأ على إراقة الدماء اليوم وقد غابت عنه هذه الآيات، وغفل حتى فاتته المواعظ والتذكيرات، وما ذلك إلا خذلان وخسران، فقتل النفس الإنسانية من أعظم الجرائم التي ترتكب على هذه الأرض.

بل إن النبي ﷺ حذر من ترويع الآمنين، وتهديد المسالمين، فقال ﷺ: «مَنْ أشَارَ إلَى أخِيهِ بِحَدِيدَةٍ، فَإنَّ المَلاَئِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى يَنْزعَ، وَإنْ كَانَ أخَاهُ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ» ← صحيح مسلم.

فكيف بمن تلوثت يداه بالاعتداء على حرمة النفس وانتهاكها بغير وجه حق، وقادته دوافع نفسه الأمارة بالسوء إلى جريمة سيلقى جزاءها خسراناً وندامة في موازين العدل عند الله ﷻ (يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار) غافر: 52.

يقول النبي ﷺ: «يأتي المقتولُ متعلِّقًا رأسُه بإحدى يديه، متلبِّبًا قاتلَه بيدِه الأخرى، تشخبُ أوداجُه دمًا، حتى يأتيَ به العرشَ، فيقول المقتولُ لربِّ العالمين: هذا قتلني فيقول اللهُ للقاتلِ: تعستَ، و يذهبُ به إلى النارِ» ← سنن الترمذي.

عباد الله: إن الاعتداء على النفس الإنسانية هي نتيجة لاستسلام النفس إلى شهواتها، وانقيادها إلى وساوس الشيطان وثورات الغضب، الذي يقود الإنسان إلى المهالك، وارتكاب الفواحش، ومن أخطرها في زماننا تعاطي المسكرات والمخدرات التي تغيب العقل، وتطلق في النفس نوازع الشر، حتى تسيطر على الإنسان غرائزه الحيوانية، فنراه فاقداً لعقله، مندفعاً للاعتداء على الآخرين، يقول الله ﷻ: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ) المائدة: 91.

والخمر هو كل ما خامر العقل، وحجبه عن التعقل والتفكير، ويشمل ذلك آفة المخدرات، وكافة المؤثرات العقلية التي تفتك بعقل الإنسان فإن الإنسان إذا غاب عقله تخلى عن طبيعته الإنسانية، وسيطرت عليه غرائزه التي لا تفرق بين حلال وحرام، وبين حسن وقبيح، فتختل عنده الموازين، وتنحرف البوصلة عن الوجهة الصحيحة، فيعيش الإنسان في جو من الأوهام الخاطئة، والأحلام القاتلة، التي تغري الشباب أو توقعهم في المعصية.

الخطبة الثانية

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ الأحزاب: 71.

عباد الله: إننا في بلدنا المبارك نعيش حياةٌ ملؤها الأمن والأمان، تسود فيه روح الأخوة والمحبة، ومن موجبات حفظ النعم، أن يؤدي المسلم شكر هذه النعم، قال ﷻ: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ إبراهيم:7. فشكر نعمة الأمن يكون بأن يتحصن المسلم بأخلاق النبي ﷺ وآدابه، فيحرص على كبح جماح العداوة في المجتمع وكل ما يؤدي إليها من قول أو فعل، وقد وجهنا الله ﷻ إلى أن أحسن ما يفعله المسلم إن انتابته موجة الغضب أن يكظم غيظه، وإن كان قادراً على إنفاذه؛ فقال ﷻ: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين﴾ آل عمران: 134.

والحمد لله ربّ العالمين..

أضف تعليق

error: