خطبة مكتوبة «مشكولة» عن الحج.. زَادُ أَخْلاقٍ وَتَقْوى

خطبة مكتوبة «مشكولة» عن الحج.. زَادُ أَخْلاقٍ وَتَقْوى

مقدمة الخطبة

الحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ حَجَّ بَيْتِهِ الأَمِينِ شَعِيرَةً مِنْ شَعَائِرِ الدِّينِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، القَائِلُ فِي كِتَابِهِ المُبِينِ: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، خَيْرُ مَنْ طَافَ بِالبَيْتِ الحَرَامِ، وَأَدَّى الشَّعَائِرَ العِظَامَ، وَنَشَرَ لِوَاءَ العَدْلِ وَالسَّلامِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الكِرَامِ، وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ القِيَامِ.

الخطبة الأولى

أَمَّا بَعْدُ، فَـ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾، وَاعْلَمُوا –رَحِمَكُمُ اللهُ– أَنَّ الْمُسْلِمينَ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ يَتَرَقَّبُونَ هِلالَ شَهْرِ الحَجِّ الأَعْظَمِ، وَنُفُوسُهُمْ تَسْتَشْعِرُ مَعَانِيَ الحَجِّ وَحِكَمَهُ وَأَسْرَارَهُ، فَالحَجُّ مُؤْتَمَرٌ تَرْبَوِيٌّ تُنِيرُ مَعَالِمُهُ الإِيمَانِيَّةُ جَمِيعَ أَفْرَادِ الأُمَّةِ الإِسْلامِيَّةِ، ذَلِكَ أنَّ الإِسْلامَ جَاءَ لِيُنْشِئَ مُجْتَمَعًا مَتِينًا، وَيَبْنِيَ شَخْصِيَّةً مُتَكَامِلَةً فِي كُلِّ أُمُورِهَا، لِذَلِكَ جَاءَتْ جَمِيعُ تَعَالِيمِهِ وَشَعَائِرِهِ لِتَبْعَثَ جَذْوَةَ الإِيمَانِ فِي نُفُوسِ البَشَرِ، وَتَنْشُرَ النُّورَ الإِلَهِيَّ فِي جَمِيعِ جَنَبَاتِ الأَرْضِ، وَكَانَ مِنْ بَيْنِ تِلْكَ الشَّعَائِرِ شَعِيرَةُ الحَجِّ المُبَارَكَةُ.

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: إنَّ شَعِيرَةَ الحَجِّ لَتَغْرِسُ فِي حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ الأخْلَاقَ الرَّفِيعَةَ؛ لِذَا يَنْبَغِي لِلْحَاجِّ أَنْ يَكُونَ عَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ، طَاهِرَ البَاطِنِ وَالظَّاهِرِ، مُتَجَرِّدًا مِنْ دَنَايَا الأَخْلاقِ وَنَزَعَاتِ الهَوَى، قَدْ نَحَّى عَنْ نَفْسِهِ جَمِيعَ الفَوَارِقِ وَالمُمَيِّزَاتِ، لا يَسْتَعْلِي عَلَى إِخْوَانِهِ بِنَسَبٍ أَوْ حَسَبٍ أَوْ جَاهٍ أَوْ مَنْصِبٍ أَوْ مَالٍ، أَوْ لَوْنٍ أَوْ لُغَةٍ، وَإِنَّمَا هَمُّهُ وَجْهُ اللهِ وَالدَّارُ الآخِرَةُ، جَاءَ لِيَغْسِلَ ذُنُوبَهُ، وَيَسْأَلَ مَوْلاهُ سَتْرَ عُيُوبِهِ، لِذَلِكَ تَرَاهُ هَيِّنًا لَيِّنًا، سَهْلًا قَرِيبًا، عَطُوفًا رَحِيمًا، زَانَهُ حِلْمُهُ، وَرَفَعَهُ جَلالُهُ وَوَقَارُهُ، صَادِقَ القَوْلِ، مُخْلِصَ العَمَلِ، طَهَّرَ عَلائِقَ نَفْسِهِ مِنْ أَدْرَانِهَا، فَذَاكَ هُوَ مَنْ أَرَادَ الحَجَّ حَقًّا وَصِدْقًا؛ لأَنَّهُ عَظَّمَ شَعَائِرَ اللهِ، ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾.

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: لا بُدَّ أَنْ يَحْرِصَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا عَلَى تَقْدِيمِ عِبَادَاتِهِ، وَمِنْ بَيْنِهَا الحَجُّ، فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، وَفِي أَتَمِّ الهَيْئَاتِ، فَإِنَّهَا تُقَدَّمُ إِلى نَاقِدٍ بَصِيرٍ عَلِيمٍ خَبِيرٍ، وَالحَجُّ مِنَ العِبَادَاتِ المُهِمَّةِ الَّتِي مَدَارُ قَبُولِهَا الإِخْلاصُ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، يَقُولُ ﷻ: ﴿وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾، أَيْ: أَتِمّوهُما خَالِصَيْنِ لِوَجْهِهِ الكَرِيمِ سُبْحَانَهُ.

وَعَلَى قَاصِدِ الحَجِّ التَّوْبَةُ إِلَى اللهِ ﷻ وَرَدُّ الحُقُوقِ إِلَى أَصْحَابِهَا، وَتَحَرِّي الخُرُوجِ بِالمَالِ الطَّيِّبِ الحَلالِ، ثُمَّ لا بُدَّ مِنْ فِقْهٍ بِأدَاءِ المَنَاسِكِ، فَعَلَى المُسْلِمِ أَنْ يَتَعَرَّفَ أَحْكَامَ هَذِهِ الشَّعِيرَةِ قَبْلَ سَفَرِهِ لِلْقِيَامِ بِهَا، وَإِذَا مَا عَزَمَ عَلَيْهَا فَلْيَصْطَحِبِ الأَخْلاقَ العَالِيَةَ، وَالخِلالَ الحَمِيدَةَ، فَبِذَلِكَ تَزْكُو عِبَادَتُهُ، وَيَنَالُ مِنْ حَجِّهِ أَوْ عُمْرَتِهِ الْمَنَافِعَ كَامِلَةً، ثُمَّ لِيُرَاعِ سَعَةَ النَّفَقَةِ؛ فَإِنَّ سَعَةَ نَفَقَتِهِ مِمَّا يُعِينُ عَلَى سَعَةِ خُلُقِهِ، وَلا يَجْعَلْ نَفْسَهُ كَلًّا عَلَى الآخَرِينَ، بَلْ لِيَكُنْ حَامِلًا لِسِوَاهُ لا مَحْمُولًا، فَاليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى، وَخَيْرُ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ.

وَيُرْوَى أَنَّهُ جِيءَ إِلى عُمَرَ –رَضِيَ اللهُ عَنْهُ– بِقَوْمٍ خَرَجُوا إِلى الْحَجِّ وَلا نَفَقَةَ لَدَيْهِمْ، ثُمَّ أَخَذُوا يَسْتَعْطِفُونَ النَّاسَ، فَسَأَلَهُمْ عُمَرُ –رَضِيَ اللهُ عَنْهُ– فَقالوا: «نَحْنُ المُتَوَكِّلُونَ»، فَقَالَ لَهُمْ: «لَسْتُمُ المُتَوَكِّلِينَ، بَلْ أَنْتُمُ المُتَوَاكِلُونَ».

فَاتَّقُوا اللهَ –عِبَادَ اللهِ–، وَاحْرِصُوا عَلَى تَعْظِيمِ شَعَائِرِ اللهِ، وَاجْعَلُوا مِنْ مَنَاسِكِ الحَجِّ دَلِيلًا عَلَى مَبَادِئِكُمْ وَأَخْلاقِكُمْ، وَاقْتَفُوا فِي ذَلِكَ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ ؛ تُفْلِحُوا فِي دُنْيَاكُمْ وَتَسْعَدُوا فِي آخِرَتِكُمْ.

أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.

⬛️ وهنا نجِد خطبة: الحج رسائل وحكم «كاملة – مكتوبة جاهزة»

الخطبة الثانية

الحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ البَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، صِدْقًا وَعَدْلًا، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، نَبِيُّ الهُدَى، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اهتَدَى.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: مَا أَكْثَرَ مَا جَعَلَ اللهُ ﷻ فِي شَعِيرَةِ الحَجِّ مِنَ المَنَافِعِ، الَّتِي مِنْهَا مَنَافِعُ خَاصَّةٌ بِنَفْسِ القَائِمِ بِالحَجِّ، وَمِنْهَا عَامَّةٌ تَتَّسِعُ دَائِرَتُهَا لِتَشْمَلَ الأُمَّةَ بِأَسْرِهَا، يَقُولُ سُبْحَانَهُ: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾، فَمِنَ المَنَافِعِ الخَاصَّةِ أَدَاءُ المَرْءِ مَا افْتَرَضَهُ اللهُ ﷻ عَلَيْهِ، وَاسْتِشْعَارُهُ بَرَكَاتِ الحَجِّ عَلَى نَفْسِهِ، بِرَبْطِهَا بِخَاتَمِ المُرْسَلِينَ، وَوُقُوفِهِ عَلَى مَعَالِمِ عَهْدِ هَذِهِ الأُمَّةِ الزَّاهِرِ، وَالتِقَائِهِ بِإِخْوَانِهِ المُسْلِمِينَ، وَتَزَوُّدِهِ بِمَا يَتَزَوَّدُهُ مِنْهَا مِنْ حَاجَاتٍ مَادِّيَّةٍ أَوْ مَعْنَوِيَّةٍ، وَأَمَّا المَنَافِعُ العَامَّةُ فَهِيَ فِي التِقَاءِ جُمُوعِ الحُجَّاجِ عَلى صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَفِي مَوْقِفٍ مَهِيبٍ؛ إِذْ تَظْهَرُ الوَحْدَةُ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَتَتَنَاسَقُ آمَالُهُمْ وَطُمُوحَاتُهُمْ، فَمَظْهَرُهُمْ وَالتِقَاؤُهُمْ يَدُلُّ عَلَى تَعْظِيمِ مَا اجْتَمَعُوا لأَجْلِهِ ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ﴾.

فَاتَّقُوا اللهَ –عِبَادَ اللهِ–، وَلْيَكُنْ لَكُمْ فِي مَوَاقِفِ الحَجِّ وَمَشَاهِدِهِ عِبْرَةٌ وَذِكْرَى، وَتَأَمُّلٌ وَتَفَكُّرٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ إِلّا تَرْبِيَةً لِنُفُوسِكُمْ، وَتَهْذِيبًا لِسُلُوكِكُمْ، وَرُقِيًّا بِأَفْكَارِكُمْ.

هذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ الأَمِينِ، فَقَدْ أَمَرَكُمْ رَبُّكُمْ بِذَلكَ حِينَ قَالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّم عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلَّمتَ عَلَى نَبِيِّنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ نَبِيِّنَا إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى نَبِيِّنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ نَبِيِّنَا إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وعَنْ جَمْعِنَا هَذَا بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

أضف تعليق

error: