خطبة: اللغة العربية لغة القرآن الكريم ﴿إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون﴾

خطبة: اللغة العربية لغة القرآن الكريم ﴿إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون﴾

عناصر الخطبة

  • لقد كان نزول القرآن الكريم بلسان عربي مبين لنعقل عن الله خطابه ونعمل بما جاء فيه من الأحكام والحكم.
  • الله سبحانه أنزل القرآن الكريم عربياً لينال العرب الشرف بنزوله ﴿لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾، أي شرّفكم.
  • وجوب المحافظة على لغة الضاد لأنها الوعاء للقرآن الكريم والسنة المشرفة، وهي معدن الادب والثقافة والتاريخ لأمتنا العربية الإسلامية.
  • لغة الضاد، لغة القرآن تجمع كل الناطقين بهذا الحرف المتميز عن كل حروف لغات العالم.
  • معرفة اللغة وعلومها شرط من شروط الاجتهاد والفتوى في الدين.

الخطبة الأولى

إن معرفة اللغة العربية معرفة صحيحة أمر مهمّ من مهمات الدين، والحفاظ عليها يُعَدُّ من المحافظة على الشريعة الإسلامية نفسها، لأنّ الله ﷻ أنزل كتابه الحكيم باللسان العربي المبين، وجعل رسوله مبلغاً عنه بذلك اللسان العظيم، وهو الذي أوتي جوامع الكلم، فكلمات قليلات منه ﷺ يفهم منها معان وأحكام كثيرة، ولم يكن من سبيل إلى ضبط الدين ومعرفته إلا بضبط هذا اللسان، ولذا قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: تعلموا العربية فإنها من الدين.

ولما كانت اللغة العربية لغة واسعة وغنية فقد اختارها الله عز وجل لتكون لغة أعظم الكتب السماوية وأكثرها قداسة وهو القرآن الكريم؛ وإنّ الناظر إلى اللغة العربية نظرة مقارنة بينها وبين غيرها من اللغات ليجد أنها لغة غنية بالكلمات –إن لم تكن أغنى اللغات بالمفردات على الإطلاق–؛ فهي تحتوي على ستة عشر ألف جذر لغوي، وفيها اتساع آخر من جهة التركيب والاشتقاق، ثم إنك تجد أن اللفظة الواحدة تعطي عدة معانٍ بمجرد تغيير وزنها الصرفي؛ كقاتل وقتيل مثلاً، بل إننا نجدُ أن الحرف العربي وحده له دلالات رمزية ومعانٍ عديدة، وكل هذا تفتقر إليه اللغات الأخرى؛ ولذا فليس من عجب أن اختار الله هذه اللغة وعاءً لكتابه العزيز؛ فقد قال الله ﷻ: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [يوسف: 2].

وقال الله ﷻ عن لغة القرآن الكريم: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِين نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ على قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} [الشعراء: 192–195].

وقال الله ﷻ في بيان مكانة اللغة العربية وتكريم اللسان العربي، وأنها لغة مختارة لتكون هي لغة القرآن الكريم: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} [سورة النحل: 279]، ومن الآيات الكريمة التي ورد فيها ذكر اللغة العربية قوله ﷻ: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [فصلت: 3].

ولذا فقد كان لزاما ًعلى كل مسلم عموماً وكل عربي خصوصاً أن يتعلم هذه اللغة ويتقنها؛ لما لها من أهميةٍ بالغة في فهم كتاب الله عز وجل وحديث رسوله ﷺ؛ فالمفسّر ينبغي أن يكون عالماً باللغة العربية، وكذلك المحدث والفقيه؛ حتى نتمكن من فهم ديننا بأصوله وفروعه.

وقد عبَّر الإمام الشاطبيُّ رحمه الله عن هذا المعنى بقوله: إن الشريعةَ عربيةٌّ، وإذا كانت عربيَّةً؛ فلا يفهمُها حقَّ الفهمِ، إلا من فهِمَ اللغةَ العربيَّةَ حقَّ الفهمِ؛ فإذا فرضنا مُبتدِئًا في فهم العربية؛ فهو مُبتدِئٌ في فهم الشريعة، أو متوسِّطًا؛ فهو متوسِّطٌ في فهم الشريعة؛ فإن انتهى إلى درجة الغايةِ في العربية كان كذلك في الشريعة.

عباد الله: لقد أوصى الصحابة والعلماء بتعلّم اللغة العربية، يقول سيدنا عمر رضي الله عنه: “تعلموا العربية فإنها من الدين، ويقول شعبة: “تعلموا العربية فإنها تزيد في العقل”، وقال عبد الملك بن مروان: “أصلحوا ألسنتكم؛ فإن المرء تنوبه النائبة فيستعير الثوب والدابة، ولا يمكنه أن يستعير اللسان، وجمال الرجل فصاحته”.

ولتحقيق الواجب الشرعي في حمايةِ لغةِ الضَّادِ؛ فلا بُدَّ من العناية بها من جميع الوجوه؛ تعلماً وتعليماً، سواء كان ذلك في المدارس أو الجامعات، وعلى كل مسلم أن يحافظ على مستوى أبنائه في معرفة العربية وكتابتها والنطق بها، وذلك لأن لغة الضاد هي لغة القرآن الكريم، كما يجب على المسلمين إتقانها نطقاً وكتابة؛ لأنَّ الألفاظَ قوالبُ المعاني، والإكثارُ من النظر في المصحف الشريف والحديث الشريف وكلام الأدباء، والابتعادُ عن الأخطاء في الكلام؛ وقد كان بعض السلف إذا لَحَنَ يستغفر الله ﷻ، فقيل له: لم تستغفر؟ قال: استغفر لأني كذبت على لغة القرآن الكريم.

أيها المسلمون: إنّ واقع اللغة العربية في بلاد العرب والمسلمين في هذه الأيام ليبعث على الحزن والأسف، فقد غابت عن ألسنتهم الفصحى، وحلّت محلّها لهجات عامية، وكلمات أجنبية، وكلّها تستخدم اليوم في لغة الحديث والإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وإننا نلحظ ضعفاً عاماً كثيفاً في اللغة العربية عند أبنائها يعود لأسباب تعليمية وأسرية وأخرى سياسية؛ وكما قيل: ما ذّلت لغةُ شعبٍ إلا ذلّ، ولا انحطّت إلا كان أمرها في ذهاب وإدبار.

وقد قال الإمام الشافعي رحمه الله: “ما جهل الناس وما اختلفوا إلا لتركهم لغة العرب”، وصدق من قال:

نَطيرُ لِلَّفْظِ نَسْتَجْدِيه مِنْ بَلَدٍ
نَاءٍ وَأَمثْالُهُ مِنَّا عَلَى كَثَبِ

أنَتْرُكُ العَرَبِيَّ السّمْحَ مَنْطِقُهُ
إلَى دَخِيلٍ مِنَ الأَلْفَاظِ مُغْتَرِبِ؟

أيها الأخوة المؤمنون؛ اللغات بطبيعتها تتطور، فمنها ما ينقرض، ومنها ما يتداخل ويتلاشى في لغات أخرى، فلو تركت اللغة العربية للشعوب لما استطاع أهل الشام معرفة لغة أهل المغرب، ولكننا إذا تكلمنا اللغة الفصحى فَهِمَ بعضنا على بعض، وكأن اللغة العربية بحفظ الله لها حفظت ترابط هذه الأمة، وكانت سبباً في تطور الأمة، فهي الرابط الفكري الذي يربط بين أبناء المجتمع الواحد، وهي من أهم عوامل الوحدة بين أبناء الأمة العربية، وهي صمّام الأمان الذي يحمي الأمة من غوائل التفتت والتخلف؛ فاللغة هي العنصر الجوهري الذي يضمن وحدة الأمة وتجانسها.

وإنّ تحسين الأداء اللغوي لدى أبناء الأمة العربية لهو أولى أولوياتها اليوم، ويكون ذلك من خلال التأهيل، وتطوير الأداء اللغوي، وإقامة دورات اللغة لأبناء المجتمع كافة، وإقامة المسابقات الشعرية والأدبية والكتابية، إضافة إلى التعاون المنشود من الآباء والأمهات.

⬛️ وهنا: خطبة عن اللغة العربية.. فضلها ومكانتها

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102].

أيها المؤمنون: إنّ المحافظة على اللغة العربية واجب شرعي وأمانة عظيمة في عنق المعلمين والمدرسين والمربين آباء وأمهات، وسنسأل عن هذه الأمانة يوم القيامة، فليحسن كل راعٍ حفظ أمانته والقيام بحقها وواجبها، حتى لا يحاسب على تقصيره يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.

وينبغي على كلّ واحد من المسلمين أنْ يقدم مبادرته للقيام بهذه الأمانة، لتكون في صحيفته يوم القيامة. وجدير بالأمة العربية أنْ تتمسك بهذا الشرف العظيم الذي منحها الله ﷻ إياها: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} [الزخرف: 43–44].

والحمد لله ربّ العالمين.

⬛️ وكذلك؛ هنا: خطبة عن هجر القرآن – مؤثرة/مكتوبة

أضف تعليق

error: