خطبة: طوفان الأقصى – مكتوبة كاملة

خطبة: طوفان الأقصى – مكتوبة كاملة

الخطبة الأولى

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد الأمين، وعلى آله وصحبه، ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين، ولا عدوان إلا على الظالمين الآثمين.

أيها الإخوة والأخوات يا أهل الإسلام، لقد أسعدنا مؤخرًا ما ظهر لنا وبرز من إعزاز الله ﷻ لفئة من عباده المؤمنين المجاهدين في سبيله. لقد أسعدنا ما حصل من تمكين لهذه الفئة التي نحسبها، والله حسيبها، مؤمنة.

لقد أسعدنا جزءً من الانتصار للمظلومين، الذين يئنوا من العذاب ويئنوا من النكال.

لقد أسعدنا وشُفيت صدور قوم مؤمنين بما حدث من تمكين لإخوة ظُلموا بأن مكن الله لهم ﷻ. فالحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه. ونسأل الله تمام الفضل. ونسأل الله تمام النصر على عدوه وعدو المسلمين، اللهم آمين.

أُذَكر نفسي والمسلمين بألا ييأسوا أبدًا من رحمة الله، لا تيأسوا أبدًا من رحمة الله ﷻ. إن اليأس قد تسرب إلى نفوس أقوام. ولكن هذا الحدث الذي حدث اليوم بث روح التفاؤل في نفوس كثيرين من أهل الإسلام. صدق الله إذ قال: ﴿حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾ [يوسف: 110].

أيها الإخوة والأخوات، لا يأس أبدًا من رحمة الله؛ ولابد أن نبث روح التفاؤل في نفوس المسلمين.

إن الابتلاءات تمر بالصالحين، ويُظلَم منهم من ظُلم. ولكن وبعد، يأتي الله بما يشفي به صدور قوم مؤمنين. إن ربنا قال في كتابه الكريم: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾.

فيا أهل الإسلام، لا تيأسوا أبداً من رحمة الله، واعلموا أن النصر من عند الله. قال تعالى: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾، وقال تعالى: ﴿إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ﴾.

اذكروا يا أهل الإسلام قول ربكم سبحانه: ﴿كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾. اذكروا يا أهل الإسلام دائمًا وأبدًا، وليكن منكم على بال، أن الله قال: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾.

يا أهل الإسلام؛ دائمًا وأبدًا قولوا مقولات الصالحين، قولوا ما قاله الصالحون: ﴿رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾. أيقنوا بذلك، أن النصر من عند الله سبحانه، لقد قال الله في شأن أهل النفاق: ﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا﴾.

فالعذاب الذي من عند الله قُدم على العذاب الذي نُلحقه بالكُفَّار بأيدينا.

يا أهل الإسلام، اقنتوا في الصلوات لإخوانكم في الأرض التي بارك الله فيها للعالمين. اقنتوا لإخوانكم في المسجد الأقصى وحوله. اقنتوا لإخوانكم في غزة وفي فلسطين وفي كل بقاع الأرض أن ينصرهم الله. اقنتوا في الصلوات، فهذا هديٌ لرسول الله ﷺ، ولأصحابه، القنوت في الصلوات. قولوا قول رسولكم: «اللهم منزل الكتاب، مجري السحاب، هازم الأحزاب، اهزمهم وزلزلهم». قولوا مقولة الصالحين: ﴿حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ﴾ لما قيل لهم: ﴿إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُم فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ * فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ﴾.

يا أهل الإسلام، اعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا. يا أهل الإسلام، لا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم. يا أهل الإسلام، لا تثقوا أن النصر من عند الكفار أبدًا. لن يأتيكم نصر من عند الكفار، الذين يشاقون الله ورسوله، إنما النصر من عند الله. نعم، قد يؤيد الله الدين بالرجل الفاجر، لكن أصالة الذي يسوق هذا الفاجر لنُصرة الدين هو الله. النصر من عند الله ﷻ.

يا أهل الإسلام، اثبتوا على دينكم واحتسبوا قتلاكم شهداء عند الله ﷻ، احتسبوا قتلاكم شهداء عند الله.

إن الله قال ﴿وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.

يا أهل غزة، احتسبوا قتلاكم شهداء عند الله واصبروا واحتسبوا، فهي إحدى الحسنيين، إما نصرٌ وإما شهادةٌ في سبيل الله، وتلك الأخيرة أسمى أمانينا، أن نلحق بالله شهداء في سبيله ﷻ.

لا تجزعوا أبدًا، إن الله قال: ﴿وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾، والله مع الصابرين، فلا تهنوا أبدًا والله معكم ولن يتركم أعمالكم.

يا حكام المسلمين، يا حكام المسلمين، لا تجبنوا، وقولوا على الأقل كلمات تبث الروح والثقة في نفوس أهل الإسلام، دافعوا عن دينكم، دافعوا عن إخوانكم، الكفار بعضهم أولياء بعض، وقد قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾، ولكن كما لا يخفاكم أن الله قال أيضًا: ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى﴾، تظنهم مجتمعين ولكن قلوبهم مختلفة.

يا حكام المسلمين، قوموا بما أوجبه الله عليكم، إذ الله قال: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾.

يا أهل الإسلام، من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل. من استطاع أن ينصر المظلوم، وجب عليه نصره، والله يحفظك بنصرتك لإخوانك المسلمين.

إن خديجة -رضي الله عنها- لما جاءها الرسول ﷺ، يرجف فؤاده من غار حراء، قال: «لقد خشيت على نفسي». فقالت له خديجة: “كلا والله، لا يخزيك الله أبدًا يا رسول الله، إنك لتحمل الكل، وتقري الضيف، وتنصر المظلوم، وتعين على نوائب الحق.”

الخطبة الثانية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..

يا أهل الإسلام، الله يريد أن يتخذ منكم شهداء، ولقد قال ربنا: ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ﴾.

اعتصموا يا أهل الإسلام بحبل الله، اعتصموا يا أهل الإسلام؛ لا أقول العرب فقط، العرب وعموم المسلمين في العالم كله، يعتصموا بحبل الله جميعًا ولا يتفرقوا.

إن هذا الحدث، وإن كان في صورته صغيرًا، لكنه أعاد الثقة إلى قلوب كثيرين بإذن الله، إلى كثيرين جدًا من أهل الإسلام، حتى يعلم الناس أن الله على كل شيء قدير.

استنصروا بالله سبحانه، استنصروا واطلبوا النصر من الله ﷻ يا أهل الإسلام. ولقد قال ربكم لأصحاب نبيكم: ﴿وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾.

المسلمون لهم دور تجاه إخوانهم الذين يجاهدون في سبيل الله، ولو بالدعاء إذا لم يستطيعوا فعل شيء. ولو بالدعاء لهم أن يوفقهم الله، لهم دور الأ يثبطوهم، فنجد دائمًا في الصفوف المسلمة معوقون، يصوّبون المخطئ ويخطئون المُصيب، وربنا قال في كتابه الكريم: ﴿قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا﴾.

إن لم تستطيعوا نصرة إخوانكم بماديات، أو بأي نوع من أنواع النصرة فعلى الأقل بالدعاء لهم، أن يوفقهم الله وأن يحفظهم، وأن يكفّ عنا وعنكم وعنهم أذى أهل الكفر.

إن إخواننا في غزة، كل يوم يدمَّرون وتقصفهم القاصفات، وتدفع إليهم المدافع الدانات العظيمة التي تدمر بيوتهم وتدمر منازلهم، ولا تُبقي ولا تذر، ولا يهتش العالم، لكن إذا قُتل واحد من هؤلاء أهل الظلم والفساد، أقبل أهل الكفر بضجهم وضجيجهم، وآلامهم وإفسادهم، قاموا ضد أهل الإسلام. من متى كان النصر يأتي من عند الكفار؟ إن النصر يأتي من الله، فيا أهل الإسلام ثقوا بربكم ولا تيأسوا من رحمة الله، ولا يُحرم أخوانكم منكم الدعاء بالتوفيق.

إن لم تستطيعوا فعل إلا الدعاء، لا يُحرَم أخوانكم الدعاء منكم، فرُب دعوة تقلب لها الموازين. إن الله قال في كتابه لرسوله: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾، قد يرمي الرامي ولا يُصيب، وقد يرمي الرامي ويصيب، الرمية التي تصيب تصيب بإذن الله، والتي تطيش تطيش بإذن الله. صدق الله إذ قال: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾.

يا أهل الإسلام اعتصموا بحبل الله جميعًا، ولا تفرقوا. يا حكام المسلمين، لا تخذلوا إخوانكم المسلمين، لا تخذلوهم، دافعوا قدر جهدكم عن إخوانكم المسلمين في فلسطين وفي سائر البلاد، ولن يتركم الله أعمالكم، والنصر من عند الله العزيز الحكيم.

الدُّعاء

تقبَّل الله شهداء فلسطين، تقبل الله أهل غزة في الشهداء، أنزَل الله عليهم الصبر والإيمان والسكينة، اللهم آمين، والطمأنينة أنزلها عليهم، يا ربنا يا رب العالمين، اللهم مَسكنا وإياهم بالعروة الوثقى حتى نلقاك.

هذا ونسأل الله أن يجمعنا وإياكم يا أهل الإسلام، مع المُنعَم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسُن أولئك رفيقًا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أضف تعليق

error: