خطبة عن فقه الاختلاف والتنوع.. وأثره في تماسك المجتمع المسلم – مكتوبة

خطبة عن فقه الاختلاف والتنوع.. وأثره في تماسك المجتمع المسلم – مكتوبة

عناصر الخطبة

  • الاختلاف والتنوع في مكة المكرمة قبل الهجرة ثم في المدينة المنورة بعد الهجرة كان مظهراً من مظاهر عناية الإسلام بالإنسان ورعايته والعناية به.
  • يعدُّ الاختلاف والتنوع ظاهرة صحية في المجتمع إذا فقُه الناس معاني هذا الاختلاف والتنوع وما فيه من إثراء ثقافي وحضاري لا يمس كيان المجتمع المسلم، بل فيه رسالة تدل على عظمة الإسلام وحسن تعامله مع المخالفين.
  • فقه الاختلاف والتنوع في تاريخ الإسلام من العهد الراشدي حتى عصرنا كان سبباً في التعاون على الخير العميم، وهجر الفحش الذميم، وقد ضرب السلطان صلاح الدين الأيوبي رحمه الله ﷻ أروع مثال في الاختلاف والتنوع وهو مما يعترف به القاصي والداني.
  • دعاء سيدنا يونس عليه السلام يدعونا لنكون قوة متماسكة البنيان مهما كان التنوع والاختلاف في المجتمع لأن هذا الدعاء يحمل معاني التنزيه لله ﷻ واحترام الإنسان (لا إله إلاّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين).

الخطبة الأولى

الحمد لله رب العالمين..

لقد كان الاختلاف والتنوع في مكة المكرمة قبل الهجرة ثم في المدينة المنورة بعد الهجرة مظهراً من مظاهر عناية الإسلام بالإنسان ورعايته والعناية به، يدعوه إلى الله ﷻ بالحكمة والموعظة الحسنة (وهديناه النجدين). فقد خلق الله ﷻ البشر مختلفين في طباعهم وثقافاتهم ولغاتهم وألوانهم وأجناسهم، وهو آية من آيات الله ﷻ الدالة على قدرته وعظمته، يقول ﷻ: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ﴾ الروم: 22

وإذا كان ذلك كذلك فإن التنوع والاختلاف ظاهرة لا تتخلف، ولكن فقه هذا الاختلاف والقدرة على السلوك الإيجابي وترك السلوك السلبي هو الذي يجعل المجتمع في لُحمة واحدة متماسكة؛ ولذلك كانت الحكمة من اختلاف الناس في كثير من مناحي حياتهم. قال الله ﷻ: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ هود: 118–119 وهي حكمة باهرة من حكم الله ﷻ يجب أن نفقه معناها ليستقر المجتمع والعالم.

فإذا عرفنا أنّ الاختلاف والتّنوع سنّة كونيّة، تُحقّقُ حكمة إلهيّة بالغة، ولا سبيل إلى تغيير هذه السُّنة أو تبديلها، وجب علينا أن نتعامل معها بما يحقق مراد الله ﷻ منها، ويكون ذلك باستثمار هذا التنوع والاختلاف في التكامل والتعاون والتعاضد، المبني على الاحترام والتسامح، والمودة والمحبة؛ لأنَّ الكلَّ خلقُ الله ﷻ، وبهذا يَعمُر الكون، ويعُمّ الأمن والسّلام بين البشريّة كلها، قال عليه الصلاة والسلام في خطبة الوداع: «يا أيها الناسُ، إنَّ ربَّكم واحدٌ، وإنَّ أباكم واحدٌ، ألا لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأحمرَ على أسودَ، ولا لأسودَ على أحمرَ إلا بالتقوى، إنَّ أكرمَكم عند اللهِ أتقاكُم، ألا هل بلَّغتُ؟ قالوا: بلى يا رسولَ اللهِ، قال: فيُبَلِّغُ الشاهدُ الغائبَ» ← مسند الإمام أحمد

ولذلك يعدُّ الاختلاف والتنوع ظاهرة صحية في المجتمع إذا فقُه الناس معاني هذا الاختلاف والتنوع وما فيه من إثراء ثقافي وحضاري لا يمس كيان المجتمع المسلم، بل فيه رسالة تدل على عظمة الإسلام وحسن تعامله مع المخالفين، قال عليه الصلاة والسلام لما فتح مكة :«يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، مَا تُرَوْنَ أَنِّي فَاعِلٌ فِيكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ، وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ، قَالَ: اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطُّلَقَاءُ».

والحق أن فقه الاختلاف والتنوع في تاريخ الإسلام من العهد الراشدي حتى عصرنا كان سبباً في التعاون على الخير العميم، وهجر الفحش الذميم وقد ضرب السلطان صلاح الدين الأيوبي رحمه الله ﷻ أروع مثال في الاختلاف والتنوع وهو مما يعترف به القاصي والداني.

وإن ما ينعم به بلدنا الحبيب من استقراره دليل واضح وبرهان ساطع على أن المجتمع يفقه الاختلاف والتنوع الذي يدعو إلى الخير، وينبذ الاختلاف والتنوع الذي يحمل في طياته بذور الشر للفرد والمجتمع.

فلنفقه معنى الاختلاف والتنوع في حياة مجتمعنا لنظل متماسكين بثقافتنا الإسلامية التي لا تعرف إلاّ الخير لمن أحب الخير وكان من أهله مهما كان جنسه أو أصله أو مذهبه ما دام يفقه هذا الاختلاف والتنوع في بلدنا العزيز.

⬛️ وهنا أيضًا خطبة: أدب الحوار في الإسلام وفقه الاختلاف

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران:102.

إن الاختلاف والتنوع بين الناس منه المحمود الذي يثري العقول البشرية ويعزز الثقافة المعرفية والسلوكية، ففي اختلاف العلماء والأئمة رحمة بالأمة وتيسيراً وتسهيلاً على الناس والمسلمين وقد قال النبي ﷺ: «يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا» ← متفق عليه.

وأما الاختلاف المذموم فهو الذي يقوم على إساءة فهم اختلاف العلماء وتحويل ثقافة التنوع والاختلاف المحمود إلى منازعات وخصومات وهجران للآخرين، من أجل مسائل فرعية، وكما قال العلماء: “لا إنكار في مسائل الاختلاف”.

إنَّ دعاء سيدنا يونس عليه السلام يدعونا لنكون قوة متماسكة البنيان مهما كان التنوع والاختلاف في المجتمع لأن هذا الدعاء يحمل معاني التنزيه لله ﷻ واحترام الإنسان (لا إله إلاّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين).

والحمد لله رب العالمين..

أضف تعليق

error: