خطبة: التلوث ومخاطره – مكتوبة

خطبة: التلوث ومخاطره – مكتوبة

مقدمة الخطبة

الحمد لله، أحمده ﷻ حمد عباده الذاكرين الشاكرين، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى.

وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، وصفيه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح للأمة وكشف الله به الغمة، فاللهم أجزه عنا خير ما جزيت به نبيًا عن أمته، ورسولًا عن دعوته ورسالته.

اللهم أحينا على ملته، وامتنا على سنته، وانفعنا يوم القيامة بشفاعته، واحشرنا في الجنة في زمرته. اللهم كما أحببناه ولم نره، فلا تفرق بيننا وبينه حتى تدخلنا مدخله، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، ومن تابعهم بإحسان إلى يوم الدين.

الخطبة الأولى

أما بعد أحبابي وإخواني الكرام خطبتنا اليوم بعنوان “التلوث ومخاطره –أو– الإسلام والحفاظ على البيئة”، وتأتي هذه الخطبة بمناسبة هذا اليوم العالمي أو هذا الأسبوع على وجه العموم، لمحاربة التغيرات المناخية وعمل إضراب في حوالي أربعة آلاف وخمسمائة مدينة في مئة وخمسين دولة لتنبيه الحكومات على خطورة هذه التغيرات المناخية الناتجة التلوث الذي انتشر في كوكبنا، كوكب الأرض.

الكثير من الناس يظن أن الإسلام كدين لا يهتم إلا بالشعائر التعبدية، علاقة بين العبد وربه فقط: الصلاة والصوم والصدقة وتلاوة القرآن.. ولا علاقة له بالحياة، وهذا فهم غير صحيح للإسلام، الإسلام كما بين الله ﷻ أمرنا بأن نصلح في الأرض وأن نعمرها، قال تعالى: ﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾، يعني طلب منكم عمارتها، وقال: ﴿وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ﴾، يعني مكنكم وجعل لكم ما سخر في الكون من أسباب تتفاعلون معها، ويكون منه الخير للإنسان.

أيضاً نبهنا الله تعالى على خطورة الإفساد في الأرض بعد إصلاحها، فالله تعالى جعل في الكون توازنًا بيئيًا، وحماية للأرض من أي شيء يلوثها أو يفسدها، لكن جاء الإنسان بأفعاله، وجاء بعض من عندهم حرص على المكسب والتجارة والمال دون التفات إلى أبعاد وخطورة بعض هذه الأمور الناتجة عن الصناعات وغيرها، أدى هذا إلى ظهور الفساد وظهور الأمراض والتغيرات المناخية والانحباس الحراري وثقب الأوزون.. وهذه الأمور كلها والقضايا الكبرى التي بدأ العالم ينتبه لها ولخطورتها.

فالله تعالى قال: ﴿وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا﴾، أصلحها الله وجاء من يُفسدها.

وعَدّ الله تعالى الإفساد في الأرض، من الأمور التي لا يتصف بها المؤمن، فوصف المنافق بقوله: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ﴾.

إذًا فديننا يأمر بعمارة الأرض، وينهى عن الإفساد فيها وعن إضرار الناس فيها، وجاء الإسلام في العديد من الأحاديث والآيات يبين لنا هذا الأمر بوضوح شديد.

أولاً يا إخواني الإسلام كدين يشجع على الجمال، الجمال والإبداع والتوازن البيئي في الكون، الإسلام يحض عليه دائمًا. فنجد قول الله تعالى: ﴿حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ﴾ ﴿وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾، معنى بَهِيجٍ يعني من ينظر إليه يفرح.

من يرى مشهد الخضرة والثمار والأشجار يجعل هذا في نفسيته بهجة وسعادة، وهذا أمر معروف الآن من الناحية النفسية والصحية أن الإنسان إذا أصيب ببعض الأمراض النفسية والعصبية يحتاج إلى أن يذهب إلى مكان فيه ماء، فيه خضرة، فيه أزهار وألوان، حتى يجدد من خلايا الجسم ويجدد من نشاطه ويكون عنده الإحساس بالسعادة، فالله تعالى يقول: ﴿حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ﴾.

وقال تعالى: ﴿وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ لِلنَّاظِرِينَ﴾، فتجد أيضًا عندنا في نفسيتنا إحساس بالسعادة حينما ننظر إلى السماء وصفائها وزرقتها إلى غير ذلك.

ولما تكلم النبي ﷺ يومًا عن الكبر، قال: “لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ”، قال رجل: يا رسول الله إن أحدنا يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنة، يعني هل هذا كبر يا رسول الله؟ قال: “إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ”، فالمشهد الجمالي في الكون، في حياة الإنسان، في بيتك، في ملابسك، في خاصتك، هذا أمر نفعله لله تعبدًا، وإن كنا نفعله تعبدًا إلا أنه في المحيط العام سيؤدي إلى سلامة الجميع والحماية من الأمراض.

جاء الإسلام يا إخواني ليصون الإنسان في صحته الخاصة، بما يعرف بالطب الوقائي، فجعل لنا سنن الفطرة، أنك تقلم الأظافر، كل أسبوع أو أسبوعين على الأكثر، تكرم شعرك، عندنا حلق العانة، عندنا نتف الإبط، عندنا هذه السنن البسيطة نقوم بها تعبدًا لله، لكن على المستوى الشخصي هي حماية من الأمراض.

علمنا رسول الله السواك أو ما يحل محله الآن من فرشاة الأسنان والمعجون، يقول النبي: “لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُم بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ”.

علمنا رسول الله أن نغتسل على الأقل مرة في الأسبوع، نغتسل طهارة ونظافة ومع هذا هو تعبد لله ﷻ، والأحاديث في الغسل للجمعة والاتيان للجمعة كثيرة جدًا في هذا الموضوع، كل هذا حرصًا على السلامة العامة والنظافة والتطهر من رائحة العرق وما يؤذي الناس وما شابه ذلك.

وعلمنا رسول الله التطيب، أن الإنسان يضع ما يطيب به نفسه، ويعطر به نفسه، فيُعرف المسلم في المحيط له برائحته الطيبة، فلا يعرف رائحة العرق أو رائحة الثياب المتسخة أو ما شابه ذلك، إنما المسلم طاهر القلب، طاهر الثياب، دائمًا ذكي الريح.

وقال النبي ﷺ: “إِذَا عُرِضَ عَلَى أَحَدِكُمُ الرِّيحَانُ فَلَا يَرُدُّهُ”، الريحان معروف أنه نبات، يعني طيب الرائحة، ومثل الريحان كل ما كان من عطر أو طيب أو ما شابه ذلك، وعلم أيضًا رسول الله ﷺ أن من أكل ثومًا أو بصلًا فليعتزل المسجد، رغم أن الثوم والبصل لا ضرر من الناحية الصحية في أكلهما، وهما من الأطعمة الطيبة ولها فوائد، لكن لأن الرائحة تؤذي الناس فأن النبي ﷺ كره لمن أكلهما أن يأتي المسجد «من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا أو فليعتزل مسجدنا».

وبيّن أنه كما يتأذى البشر من هذه الرائحة، أيضًا تتأذى الملائكة.

ولذلك دائمًا ما أنبه إخواني على موضوع الجوارب مثلا، خاصة في الصيف والعرق وكذا، أن من جاء ورائحة جوربه فيها شيء من العرق وما ينفر النفس يخلعهما قبل أن يدخل في الصلاة حتى لا يؤذي من يسجد خلفه.

هذا كله على المستوى الشخصي، أنك أنت مسلم نظيف، طيب الثياب، طيب الريح. كل هذا صيانة وحماية لك من الأمراض، لأن الأمراض تعرف طريقها من خلال عدم النظافة، من خلال العرق، من خلال هذه الأشياء.

تعجب هنا مثلاً في بعض الأحيان عندنا تباع مزيلات العرق دون إزالة لشعر الإبط مثلاً، ما فائدة عرق اختلط بالطيب أو مزيل العرق؟ ما الفائدة؟ أنتن رائحة تشمها؟ رائحة عجيبة، لكن يقول لك: أحلق هذا المكان حتى لا تتكثف فيه العرق وينتج عنه رائحة سيئة، وتعطر، وتطيب.. إلى آخره.

نجد الإسلام بعد ذلك حافظ على الصحة العامة. فعلمنا رسول الله ﷺ قال: “اتقوا الملاعن الثلاث”، يعني الأشياء التي تجلب لعنة الناس. قالوا: وما الملاعن الثلاث يا رسول الله؟ قال: “التبول في موارد الناس وطريقهم وظلتهم”. موارد الناس التي هي الماء، مواضع الماء، يعني نهى النبي عن التبول في الأنهار والمحيطات والبحار والبحيرات إلى غير ذلك، وطريق الناس طبعاً معروفة، وظلتهم يعني المواضع التي يستظلون بها أو ما شابه ذلك مثل المتنزهات أو البرك أو ما شابه ذلك، فربما يحتمل أن أحدنا مثلاً معه أولاده طفل صغير، فيقول له تعالى إلى هنا واقض حاجتك، وهذا مما يجلب الأمراض ويؤذي الناس ويجلب لعناتهم. النبي استشهد بذلك المبدأ حتى يحافظ على الصحة العامة ولا تنتشر الأمراض بفعل التبرز أو التبول في هذه المواضع حتى لا يكون في ذلك أذى للناس وجلبًا للعناتهم.

فأسَّس الإسلام لمعنى “لا ضرر ولا ضرار”. وإن كان هذا الكلام في التبول والتبرز، فما بالنا بالنفايات التي تكون في مصبات الأنهار، نفايات المصانع الكيماوية والصناعية وما شابه ذلك، وهذا يحدث في عديد من دول العالم، بدون رقابة وبدون تشريعات وقوانين تحافظ على صحة الناس، مواد كيماوية يُلقى بها في الأنهار، نفايات صناعية يُلقى بها في الأنهار، مخلفات مستشفيات ومصانع ومصائب وإلى آخره، ويشرب الناس من هذا الماء، فتنتشر الأمراض.

فجعل الإسلام مبدأ “الوقاية خير من العلاج”. وبيّن النبي ﷺ في موضوع الزراعة وغرس الأشجار قال: “مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ أَوْ طَيْرٌ إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ”. رغم أن الذي يزرع يقصد الكسب، إنه يزرع ويكسب ويبيع، لكن سبحان الله، حتى يشجع الناس على الزراعة وغرس الأشجار بين رسول الله ﷺ ذلك.

بل العجب إخواني، إن الرسول أمر بالغرس والزرع حتى لو أن القيامة تقوم، وهذا على سبيل المبالغة طبعاً، قال: “إِذَا قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا”. الفسيلة يعني غرس نخلة، غرس نخلة لن تؤتي ثمارها إلا بعد عشرين سنة، القيامة تقوم الآن، فعلى سبيل المبالغة النبي ﷺ يقول لك أغرسها ولا تدعها.

وهذا كله تشجيع على مسألة الأشجار والتثمير والزراعة وما شابه ذلك، لأنهم كما نعلم بدأوا يهتمون حديثاً في موضوع تخطيط المدن والسلامة من الأوبئة والأمراض، موضوع الأشجار والمحافظة على المساحات الخضراء، وبدأ في أغلب دول العالم وخاصة الغربية الآن حزب الخضر. حزب الخضر، ما فكرته؟ أن مجموعة من المهتمين بالبيئة، يقومون بالتمثيل في البرلمانات والحكومات المختلفة في دول العالم، لإحداث توازن في التشريعات للمحافظة على البيئة والمساحات الخضراء والمحافظة على السلامة العامة والحد من الانبعاثات التي تؤذي الناس سواء من السيارات أو المصانع إلى آخره.

فكان اهتمام الغرب بهذا الأمر لأنهم بدأوا ينتبهون لهذه المخاطر الناتجة عن القضاء على المساحات الخضراء وإتلافها بدون أن يكون هناك تعويض لذلك.

فسبحان الله العظيم، نحن نعلم أن الأشجار والمساحات الخضراء في كل مكان لها العديد من الفوائد؛ فوق أن هناك أشجار مثمرة والإنسان يكسب من وراء ثمارها، ولكنها تعتبر من العوامل الهامة للحد من الضوضاء وامتصاص الأتربة وتخفيف حرارة الجو وزيادة الأكسجين في الهواء الجوي وتجديد الطاقة.

كل هذه فوائد كثيرة جداً، سبحان الله!

حدث من عدة سنوات، والصين طبعا عددهم كبير جداً، فوجدوا أن العصافير تأكل ما قيمته ثلاثة بالمئة من محصول الأرز سنوياً، ثلاثة بالمئة بالنسبة للمنتوج أو الدخل القومي.. يعني شيء كبير جداً، فقاموا بعمل حملة للقضاء على العصافير نهائيًا، وبالفعل قضوا على العصافير بجميع أنحاء الصين. بعد القضاء على العصافير ظهرت ديدان أكلت عشرين بالمئة من محصول الأرز، سبحان الله هذا توازن بيئي أراده الله تعالى في الكون. أيهما أولى، العصافير تأخذ أجرتها أجرة عملها، ثلاثة بالمئة، ولا الديدان تأكل عشرين بالمئة؟

فبدأوا في استيراد العصافير مرة أخرى بكميات كبيرة حتى يحدثون التوازن في بيئتهم وفي السيطرة على هذه الديدان.

لو أحصينا ما ينفقه العالم في التطعيمات وعلاج الأمراض والطفيليات والديدان والأشياء التي تهدد الصحة سنجده الكثير والكثير من الصحية التي –سبحان الله العظيم بدأ العالم ينتبه إليها ويعلم يقينا أن ما يوفره من ناحية الوقاية أفضل بكثير وأوفر بكثير مما يصرفه على العلاج وعلى الآثار التي تنتج عن التلوث والخلل والفساد الموجود في البيئة.

بدأوا الآن يهتمون بالأطعمة العضوية والشيء الطبيعي وغير الطبيعي المعدل وراثيًا وغير المعدل وراثيًا، ومن حق المستهلك أن يعرف طبيعة الطعام والضوابط الصحية العالمية إلى غير ذلك، سبحان الله، كل هذا يا إخواني يأتي لحماية صحة الإنسان وتنبيهًا لما حدث من فساد في الأرض بسبب الحرص على المكسب والتجارة وعمل أشياء معدلة وراثيًا أو فساد في صفات الأشياء والكائنات واللحوم والخضروات والفاكهة، مما أدى إلى أمراض كثيرة وعديدة جداً سبحان الله العظيم.

صدق الله ﷻ حينما قال: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾.

الله تعالى خلق الكون صالحًا للحياة، فظهر الفساد في البر والبحر بسبب حرص الناس على المكسب السريع والثراء السريع ولم يعلموا أنه في يوم من الأيام سيكون ذلك على حساب صحتهم.

ذكرت لإخواني من قبل، أنه في مرة في مصر، مر أحد الإخوة بمزرعة للطماطم، فوجد الرجل يجمع الطماطم كلها وبعصا في يده يتلفها، فقال له: يا أخي حرام عليك، إذا لم تكن بحاجة لهذه الطماطم فأعطها لأحد المحتاجين أو الفقراء أو ما شابه ذلك. فقال له: أنا أتلفها حتى لا يأكلها أحد. هذا الرجل لديه مزرعة ويزرع الطماطم في الصوب الزراعية، واستعجالًا للمكسب وحتى تكون الطماطم ناضجة في أول الوقت أو في غير أوانها، يقوم بحقنها بمادة تجعلها حمراء من الخارج. الطماطم البيضاء اللون، فهو يحقنها بهذه المادة فتتحول إلى اللون الأحمر، طبعا تكون حمراء من الخارج وبيضاء من القلب.

قال: وكنت أخذ من هذه الطماطم إلى بيتي، فاكتشفت هذا الأسبوع أن ابني أصيب بالسرطان من جراء هذه الطماطم.

هذا مثال صغير جدًا لحالة من الحالات التي أحس بعقدة الذنب أنه جلب السرطان لابنه بسبب استعجاله المكسب. فما بالنا بدول، بشعوب يلعبون بها أو يتلعب بها الذين يلهثون وراء المكاسب التجارية بفعل الإفساد في الطعام والشراب والمطعومات، وهذا ناهيك عن أشياء منتهية الصلاحية وتستورد القمح المسرطن والأشياء التي فيها وفيها، ثم بعد ذلك نقول السلامة العامة والصحة العامة. كل هذا بسبب إفساد من أراد يكسب مكسبًا سريعًا.

هذا الرجل الذي كان يتلف الطماطم، هل الربح الذي ربحه يساوي ابنه الذي سيموت بالسرطان؟ أبدًا أبدًا لا يساوي شيئًا، لا يساوي أي شيء. أي مكسب في الدنيا لا يعادل أبدًا نعمة الابن الذي أهلكه بسبب حرصه على المكسب.

إخواني فهنا قعد النبي ﷺ القاعدة العظيمة قال: «لا ضرر ولا ضرار». يعني لا تؤذي نفسك ولا تؤذي غيرك، سبحان الله العظيم، وأيضًا من أجل هذا حرم الإسلام كل خبيث، وأحل كل طيب، لن تجد شيئًا، حرمه الله فيه خير للبشرية أو فيه منفعة. فالخمر، ما حرمها الله تعالى ليضيق على عباده، إنما حرمها لأنها تتلف العقول وتحدث ما تحدث من مصائب وحوادث وكوارث من قتل وأه سوء قيادة إلى آخره. والخنزير وما يحمل من أمراض وطفيليات وديدان، سبحان الله! حدث ولا حرج، وأمثلة كثيرة جدًا، سبحان الله! حتى كان من الأشياء الطريفة، قالوا أن أحدهم اشترى علبة سجائر، اشترى علبة دخان، فلما أراد أن يفتحها، قرأ عليها: التدخين يسبب الضعف..، فرجع سريعًا إلى البائع وقال له: أريد سجائر من التي تسبب السرطان.

هذه نكتة تعبر عن واقع فيه –سبحان الله– أسى وحزن أن بعض الناس يعلم أن الذي يتداوله هذا سيسبب له هذه الأمراض لكن أن هو يخسر رجولته هذه مسألة صعبة لكن يخسر حياته سهلة. فهو يريد السجائر التي تسبب السرطان. هذا الدخان وأمثاله كثير من الخمر والمخدرات ولحم الخنزير وكل ما حرم الله ﷻ لم يحرمه الله تعالى تضييقًا علينا، إنما حرمه الله لأنه يريد لعباده الخير، فجعل عنوان الطيبات، وعنوان الحرام الخبائث، فالله تعالى أحل الطيبات وحرم الخبائث، هذا لك أنت أيها الإنسان، وهذا لغيرك.

الآن يتكلمون عن التدخين السلبي، وأضرار التدخين السلبي، وهو من يتواجد في مكان فيه من يدخنون، سبحان الله العظيم  آه خرجت في الأسبوع الماضي، آه لمكان البستان بتاع قطف التفاح وكذا، وجدت أن المكان تحول إلى شيشة الأرجيلة أو الشيشة ما شاء الله في كل مكان [الشيشة للجميع].

تحول المكان من مكان لاستنشاق الهواء الطيب والاستمتاع بالطقس الطيب والأولاد يستمتعون بقطف التفاح إلى كما قلت  سبحان الله هذه الرائحة، رائحة الدخان التي تنبعث من كل مكان ولا حول ولا قوة إلا بالله فتسمم الرئتين وتجني على الإنسان، فتركت المكان ورحلت لأنه إذا كانت المنفعة في بعض الهواء المسمم فالأولى أن ترحل عنه.

طبعًا أنا أعلم أن هنا تشريعات وقوانين تمنع من التدخين في الأماكن العامة سجائر أو أرجيلة أو ما شابه ذلك، لكن للأسف الشديد هناك من لا يهتم لا بصحته ولا بصحة غيره.

الإسلام يقول لك “لا ضرر ولا ضرار، لا ضرر ولا ضرار، لا تؤذي نفسك ولا تؤذي غيرك،” أكتفي بهذا القدر لأن الوقت قد جرى سريعًا، وأسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى ما يحبه ويرضاه.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

⇐ وهنا: خطبة جمعة حول ضرورة الحفاظ على البيئة

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد أخواني وأحبابي الكرام، هذه الظاهرة التي انتبه لها العالم الآن تستدعينا أن نتحرك وتتحرك حكومات العالم للانتباه لهذا الخطر الكبير مع التغيرات المناخية والانحباس الحراري والتلوث الكبير الذي ظهر في الكون، ونشد على يد كل من يحاول أن يصلح المحيط حولنا وأن يكون حريصًا في تشريعات على مستقبل أبنائنا حتى لا يأتي جيل بعدنا ليلعن من قبله كما ورد في الحديث: «اتقوا الملاعن الثلاث» فما بالنا بهذه الملاعن الكثيرة التي سببت الأمراض وخلّفت للبشرية العاهات والأمراض المزمنة، فنحن نشجع هذا الاتجاه، ونكون ممثلين فيه وحريصين عليه فنحن جزء من هذا المجتمع وجزء من هذا العالم.

ونسأل الله ﷻ أن يوفق الجميع لما فيه صحة وفيه رخاء وفيه محاربة للأمراض ووقاية من الآفات والأوبئة، كما قلت غيرنا يتحرك فقط من الناحية المدنية والصحية، نحن نتحرك تعبدًا لله من جهة وسلامة للجميع لنا ولأبنائنا ولكل من حولنا من جهة أخرى، كما قال نبينا ﷺ: «لا ضرر ولا ضرار».

نعلم يقينًا أن كل شيء حرمه الله هو الخبيث، وأن كل شيء أحله الله هو الطيبات، فهذا عنوان لكل شيء حولنا، فما كان خبثًا ينبغي أن تنتبه البشرية لخطره وآثاره المدمرة، وما كان من الطيبات فليعلم الجميع أن الله تعالى أباحها لنا، والطيبات أكثر من أن تعد، تحصى.

⇐ طالع هنا كذلك.. خطبة: الحفاظ على البيئة مسئولية دينية ووطنية وإنسانية

الدعاء

  • نسأل الله ﷻ أن يوفقنا إلى ما يحبه ويرضاه.
  • اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.
  • ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا المصطفى المختار، وعلى آله وصحبه الأطهار، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أضف تعليق

error: