خطبة: فضل إغاثة المكروبين – مكتوبة

خطبة: فضل إغاثة المكروبين – مكتوبة

مقدمة الخطبة

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

أما بعد، فإنَّ أحسن الكلام كتاب الله وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالةٍ في النار.

عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله حيث أمرنا في كتابه الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ ﴿الآية ۱۰۲ من سورة آل عمران﴾.

الخطبة الأولى

أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث جرير بن عبد الله البجلي –رضي الله عنه–، يقول: كنا مع النبي ﷺ ذات صباح، فجاءنا قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء، متقلدي السيوف، عامتهم من مُضر؛ أو كلهم من مضر -ومضر هي من القبائل الشريفة عظيمة الشأن رفيعة القدر- فلما رآهم النبي ﷺ وهم بهذه الحالة من الفقر والفاقة تمعَّر وجهه وتغير -كما يقول جابر- فأخذ يدخل بيته ويخرج، لا يدري ماذا يفعل من شدة ما رأى، فهو في حيرة من هؤلاء المكروبين.

يقول جابر: فأمر بلالًا بالأذان فأذَّن وأقام ثم صلى ثم خطب بالناس، فقال ﷺ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [الآية ۱ من سورة النساء]، ثم تلا الآية التي في سورة الحشر: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الآية ۱۸ من سورة الحشر].

فذكَّر الناس أولا بأصل خلقتهم، وأنهم أخوة في الإنسانية، ثم بيَّن بعد ذلك مصيرهم وأنهم بما يعطون وما يقدمون فإنهم راجعون إلى الله ﷻ وإليه المصير.

ثم بعد ذلك أعلن ﷺ حالة الطوارئ، فقال «تصدق رجل من ديناره من درهمه من ثمره من تمره ولو بشق تمرة».

هكذا بدأ النبي ﷺ يُحرض. تصدق (أي) ليتصدق رجل من أمواله هذه. فتحرك الناس، فجاءه رجل من الأنصار بصرة في كفه عجزت عن حملها أو كادت ان تعجز. ثم تتابع الناس بعد ذلك.. يقول جابر: حتى رأيت بين يدي الرسول ﷺ كومين من الطعام والثياب، وغيرها طبعا من الأموال. فتهلل وجه رسول الله ﷺ كأنه مذهبة -والمذهبة هي الفضة المخلوطة بالذهب- هكذا تهلل وجه النبي ﷺ من سروره وسعادته.

ثم بعد ذلك قال: «من سنّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها حتى يوم القيامة ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها حتى يوم القيامة من غير أن ينقص من وزره شيء».

هذه النزعة الإنسانية -أيها الإخوة الأحباب-، هذا الميل وهذه الرحمة من النبي ﷺ لم تأتي من فراغ، فهو ما أُرسل إلا رحمة للعالمين.

يعلمنا النبي ﷺ هذا الأمر ويعلم صحابته كذلك من قبلنا، ويُحَرِّض على الالتحام بالمجتمع، ويُرَغّب في الالتحام والالتئام والالتصاق بالمكروبين، ويحث على إغاثة الملهوفين، ويشجع على التكافل والتضامن الاجتماعي. هكذا كان النبي ﷺ، يعلمنا هذه الثقافة.

هذه الأمور هي ثقافة، هي مهارة، ثقافة «المسلم أخو المسلم»، ثقافة «من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته»، ثقافة «والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه»، ثقافة «من فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة».. وغيرها من الأمور التي تحث على الترابط وعلى الالتحام وعلى الالتصاق.

هكذا كان النبي ﷺ، إذا هي ثقافة، تحث على تنمية المجتمع، لكي ينمو هذا المجتمع، على حُب الخير للغير، على حب الإيثار لغيرهم متى ما وجدوا غيرهم في حاجة.

هذه هي التنمية المجتمعية التي أرادها الإسلام، لا التنمية الذاتية التي صدَّعوا رؤوسنا بها في هذه الأيام.. دورات في التنمية الذاتية، يعود نفعها على الذات، فتقوم على الأثرة وحب الذات والأنانية.. كيف تنمي أهدافك؟ كيف ترفع رصيدك؟ كيف تحقق؟ كيف كذا وكيف كذا؟ أمور كلها تعود على النفس، ولكن النبي ﷺ يريد أن يرتقي بهذا الإنسان، فيخرجه من الأثرة إلى الإيثار، ومن الأنانية إلى حب الخير للآخرين، لماذا؟ ليبقى الإنسان إنسانيًا في فطرته وفي طبعه، وهو بين أبناء مجتمعه وأمته بل والإنسانية جمعاء.

هكذا تفاعل النبي ﷺ، وهكذا حرض وهكذا بيّن.

نسأل الله ﷻ أن ينفعنا بما سمعنا، هو ولي ذلك والقادر عليه.. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ فيا فوز المستغفرين.

⇐ وهذه خطبة: تفريج الكربات (فضائل وثمرات)

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، الصلاة والسلام على أشرف خلق الله وخاتم الأنبياء والمرسلين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

وكما أن النبي ﷺ حرض ودعا، فإننا كذلك في هذا اليوم نعلن عن حالة الطوارئ في العالم الإسلامي أجمع، مما ينتابه من صعوبات في العيش وفقر وجوع.

فأما أولها؛ ضحايا الفيضانات والزلازل، فقدوا أرواحًا، فضلا عن الإصابات وكذلك الكثير من المتضررين، بلا مسكن ولا طعام ولا شراب، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، تصوروا المشهد.

تأتي السودان، المجاعة والفقر تهدد ثلث السكان، خمسة عشر ملايين، وتقول الإحصائية نصفهم من الأطفال، ومن هؤلاء الأطفال ثلاثة ملايين تحت سن الخامسة، يعانون من سوء التغذية.

أما الصومال، فالجفاف يجتاح تسعين بالمئة من المنطقة، لعدم نزول الأمطار، مجاعة رهيبة، ثمانية مليون منهم مهددون كذلك بالفقر والجوع.

أما اليمن وما أدراكم ما اليمن؟ ففيها أسوأ مجاعة في التاريخ المعاصر، بسبب ماذا؟ بسبب الحرب القائمة منذ الفين وخمسة عشر، ثمانين بالمئة بحاجة إلى إغاثة في اليمن، أما الأطفال دون سن الخامسة فحَدّث ولا حرج عن أحوالهم.

إغاثتهم حقيقة هذه ميزانيات، ميزانيات دول وليست ميزانية أفراد. ولكن، هل معنى هذا أن الإنسان الفرد يتقاعس ويتكاسل؟ لا، لماذا؟ لأنه يرجو الأجر من الله ﷻ، والله ﷻ يناديه: ﴿وَمَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾، والنبي ﷺ يقول: «من كان عنده فضل زاد فليعد به على من لا زاد له». يقول راوي الحديث أبو سعيد الخدري: وذكر النبي ﷺ أنواعا من الأموال، يبين فيها أنه من كان عنده فضل من هذه الأموال فليعد بها على من لا زاد له.

يقول العلماء: يبين النبي ﷺ أنه ليس للإنسان حق في إمساك هذه الأموال مما زاد عن حاجته، فليعد به على من لا حاجة له من إخوانه المسلمين في المشرق والمغرب، بل ولإخوانه في الإنسانية.

وهذا الحُكم -كما يقولون- هو واجب الوقت، أي إذا كانت هناك حاجة مُلحة بأن ينفق هذا الأمر.

فعليكم بالصدقة، أيها الإخوة الأحباب، الجمعيات الخيرية فاتحة أبوابها لمن يريد أن يتصدَّق لإخواننا المتضررين في شتى بقاع الأرض، والرسول ﷺ يُبين أجر الصدقة فيقول ﷺ «من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها، كما يربى أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل».. الله أكبر.

هذه الصدقة القليلة، ولو بعدل تمرة، طالما أخرجها الإنسان وهو صادق بها، مخلص يبتغي من ورائها وجه الله ﷻ، يربيها الله ﷻ حتى تكون مثل الجبل.

فنسأل الله ﷻ أن يجعلنا من أولئك الذين يفعلون الخيرات.

الدعاء

  • اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لنا وترحمنا وتتوب علينا، وإذا أردت بعبادك فِتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.
  • اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
  • اللهم كن مع إخواننا في شتى بقاع الأرض، اللهم فرج عنهم همهم، اللهم نفس عنهم كربهم، اللهم ارحم ضعفهم واجبر كسرهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

عِباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، أذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزيدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

أضف تعليق

error: