خطبة جمعة مكتوبة عن فضل العمل

خطبة جمعة مكتوبة عن فضل العمل

عناصر الخطبة

  • سيدنا رسول الله ﷺ هو الأسوة الحسنة في العلم والعمل.
  • العلم إمام العمل والعمل تابع له لأنه ثمرته.
  • الإيمان بالله والعمل الصالح ركنان متلازمان لا ينفكان.
  • بالإخلاص في العمل يرتقي الفرد والمجتمع والأمة إلى الريادة والسيادة.
  • تبوأت الأمة الإسلامية مركز القيادة بإتقان العمل فنالت الثناء الحسن.
  • وجوب العمل الصالح الدؤوب في بلدنا الحبيب إرضاء لله ﷻ ولرسوله ﷺ وللمؤمنين ليتميز شعبنا ويصبح قدوة للشعوب وخاصة في المعترك الحضاري الذي يعيشه العالم المعاصر.

الخطبة الأولى

إنّ مما لا شك فيه أن للعمل أهمية قصوى في حياة الأمم والأفراد والدول، لذا فقد أولى الإسلام العمل مكانة ومنزلة عظيمة، بل جعل العمل عبادة لله ﷻ، يقول الله ﷻ: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 135]، ليشمل كل عمل خيّر ينتفع به العباد والبلاد والشجر والدوابّ، فالإسلام دين العلم الذي يدعو لكل عمل صالح، ويحثّ الكسالى المتثاقلين والمثبّطين إلى نفض غبار الكسل عن أنفسهم، ومنذ بداية الدعوة الإسلامية دعا أتباعه إلى معرفة العلوم المؤدية لخير الأعمال، قال الله ﷻ: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق:1–5].

وقد نهى النبي ﷺ أمته عن الخمول والكسل، ولم يرضَ لهم أن يعيشوا عالة يتكففون الناس، كما لم يرض لهم تسول حاجاتهم فقال عليه الصلاة والسلام: «لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلا فيسأله أعطاه أو منعه» ← صحيح البخاري.

فتحقيق مفهوم العبادة لا يقتصر على أداء الفرائض والشعائر، وإنما هو كذلك بتحقيق غاية الاستخلاف في عمارة الأرض ونشر الخير والسلام والأمان، والدعوة إلى دين الله ﷻ، فالمسلم الحق هو الذي يعرف المطلوب منه في هذه الحياة، فيبادرها بالتشمير عن ساعديه يبني صروحها ويصلح تربتها ويشقّ سمائها، ويغوص في أعماق بحارها، متزوداً بالعلوم التي تمكنه من معرفة محيطه والتعرف على أسراره ومكنوناته، فيتوصل بها إلى معرفة خالقها (بديع السماوات والأرض) الأنعام: 101.

ومن عرف ربّه وأقرّ له بالعبودية، وتحمل أمانة الاستخلاف وعمارة الأرض، فإنه سيعمل بجدٍّ ونشاط، وعزم واجتهاد، ليجعل من بيئته بيئة صالحة للحياة، ومكاناً آمناً مهيئاً لعبادته ﷻ، ونيل رضاه في الدنيا والفوز في الآخرة، فالإسلام دين العمل والنشاط، والجد والاجتهاد، وكان النبي ﷺ يستعيذ بالله من العجز والكسل فيقول: «اللهم إني أعوذ بك من العجز والبخل والكسل وغلبة الدين وقهر الرجال» ← متفق عليه.

فيتوجب على المجتمع الإسلامي أن يكون مجتمعاً منتجاً فاعلاً، لا يقبل أن يكون عالة على غيره، ولا يليق بالأمة الإسلامية أن تكون أمة عاجزة متأخرة في دروب الحياة، كما لا ينبغي للمسلم أن يعيش في جهل وظلام، وكسل، يتكفف أيدي الناس، ويرضى بالذل والهوان، فالمسلم عزيز كريم، كرمه الله ﷻ، وزاده تشريفاً بهذا الدين العظيم، وجعل قدوته في الحث على العمل والمبادرة إليه الأنبياء والمرسلين والصالحين.

غير أنّ من العمل ما قد يفضي إلى الشرّ كما يفضي إلى الخير، فلذلك نهانا الإسلام عن الأعمال التي تكون نتائجها سلبية مؤذية ضارّة أو مدمّرة، وأمر المؤمنين بالمراقبة الدائمة التي تصل بهم إلى طلب مرضاة الله ﷻ، ومحبة رسوله ﷺ والمؤمنين، وحذرنا من خطورة الأعمال المفضية إلى الشرّ والضّرر، قال الله ﷻ: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [التوبة: 105].

فالعمل الصالح والنافع شرف وعبادة قام به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أجمعين، فنبيّ الله داود عليه السلام كان حداداً، يصنع الدروع، قال الله ﷻ: ﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ﴾ [الأنبياء: 80].

ونبي الله موسى عليه السلام كان راعياً، قال الله ﷻ: ﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ، قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [القصص: 26–27].

وقال النبي ﷺ: «ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم»، فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: «نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة» ← رواه البخاري.

ونبي الله زكريا عليه السلام كان نجاراً، قال رسول الله ﷺ: «كان زكريا نجاراً» ← رواه مسلم.

وامتدح النبيّ ﷺ العمل فقال: «ما أكل أحد طعاماً قطّ، خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإنّ نبيّ الله داود عليه السلام، كان يأكل من عمل يده» ← رواه البخاري.

وقد حثّ النبيّ ﷺ على العمل والإنتاج ورغب فيه وبيّن النبيّ ﷺ أنّ المسلم الذي يستيقظ مبكراً لصلاة الفجر، ينال بركة التبكير لكل عمل مشروع، فقال ﷺ في دعائه: «اللهمّ بارك لأمتي في بكورها» ← رواه أبو داود.

وعن أنس رضي الله عنه: «أنّ رجلاً من الأنصار أتى النبيّ ﷺ يسأله، فقال: أما في بيتك شيء؟ قال: بلى، حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقعب نشرب فيه من الماء، قال: ائتني بهما، قال: فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله ﷺ بيده، وقال: من يشتري هذين؟ قال رجل: أنا، آخذهما بدرهم، قال: من يزيد على درهم، مرتين أو ثلاثاً، قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري، وقال: اشتر بأحدهما طعاماً فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدوماً فأتني به، فأتاه به، فشدّ فيه رسول الله ﷺ عوداً بيده، ثمّ قال له: اذهب فاحتطب وبع، ولا أرينك خمسة عشر يوماً، فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوباً، وببعضها طعاماً، فقال رسول الله ﷺ: هذا خير من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إنّ المسألة لا تحل إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع» ← رواه أبو داود.

وقد عدّ النبي ﷺ العامل المجتهد الذي يسعى على عياله في مقام المجاهد في سبيل الله ﷻ، فعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ رَجُلٌ، فَرَأَى أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ جَلَدِهِ ونَشَاطِهِ مَا أَعْجَبَهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يَعِفُّها فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ رِيَاءً وتَفَاخُرًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ» ← رواه الطبراني في المعجم الأوسط.

فلنستشعر شَرف العمل والإنتاج، وعظيم الفضل الذي يحصّله كلّ مكانه، وكل مزارع نشيط بعمله، يخدم أمته بإخلاص دون أن يمنعه حرّ الصيف، أو برد الشتاء، من العمل المتواصل، وقل ذلك في حقّ كل موظفٍ متّقٍ لربه، حريص على بركة دعاء نبيه ﷺ، متشرف بخدمة أمته.

بِقَدْرِ الْكَدِّ تُكْتَسَبُ المعَالِي
ومَنْ طلب العُلا سَهرَ اللَّيالِي

ومن طلب العُلا من غير كَدٍّ
أَضَاع العُمْرَ في طلب الْمُحَالِ

عباد الله: لقد بنى النبي ﷺ دولة حضارة تقوم على أسس راسخة في الرقي يسعى كل فرد فيها لخدمة أمته، ويسخر مواهبه لنصرتها ورقيها، حيث أشاع النبي ﷺ روح الجماعة، واستنهض الهمم، ووضع كل فرد في موضعه الذي يحسنه ويتقنه فالإسلام ينظر إلى إتقان العمل والتميز في إدائه، إلى أنه ظاهرة حضارية وركيزة أساسية لقيام الحضارات وعمارة الأرض، ورقي الأمم، قال ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ» ← رواه الإمام أحمد.

كما عدّ بذل الجهد الفكري والجسدي لإظهار العمل بأحسن صورة بأنه عبادة يتقرب بها إلى الله وقال ﷺ: «المؤمن القوي، خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز» ← رواه مسلم.

والقوة التي أرادها الإسلام هي القوة الأمينة التي تجمع بين القوة بمعنى الإتقان، والتميز في العمل، كلٌّ في مجال تخصصه من خلال تمكين أصحاب الخبرة والكفاءة حتى نعود أمة حضارية متميزة، ولا بد أن نضع طاقات أمتنا وكفاءاتها في إطارها الصحيح، وقد قرن الله ﷻ بين القوة البدنية والأمانة في القرآن الكريم فقال ﷻ: ﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ القصص: 26، فقوة الجسد إذا لم تقترن بالأمانة تصبح بطشاً بالناس، وأكلاً لأموالهم بالباطل.

كما قرن ﷻ بين قوة العلم والأمانة فقال ﷻ: ﴿قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ﴾ النمل: 39. فقوة العلم إذا لم تكن مقترنة بالأمانة تصبح خيانة، فالطبيب أو المهندس أو الصانع إذا لم يكن أميناً فإنه سيفسد أكثر مما يصلح، ولو تفوق في تخصصه على كل أقرانه في العالم، ولذلك أراد الإسلام أن يكون متميزاً ليس فقط في الجانب النظري، وإنما تميز المسلم هو قوته المقرونة بالأمانة، والإخلاص.

⬛️ وهنا خطبة: العفة والنزاهة من صفات المتقين – مكتوبة

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيّدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون﴾ [آل عمران: 102].

عباد الله: إن الإسلام جمع بين فوائد العمل الدنيوية، وبين الأجر والثواب في الآخرة، فالمسلم يوقن بأنّ ثمرة جهده محفوظة عليه بالتمام والكمال في الدنيا والآخرة يقول النبيّ ﷺ: «ما من مسلم يغرس غرساً، أو يزرع زرعاً، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة، إلا كان له به صدقة» ← متفق عليه.

فمهما كانت الظروف والأحوال فلا ينبغي للمسلم أن يحزن ويتحسّر إذا لم يقدر بعض الناس جهده والمسلم مطالب بالحفاظ على الأمانة التي أناطها الله ﷻ به حتى آخر لحظة في حياته، «إِنْ قَامَتْ عَلَى أَحَدِكُمُ الْقِيَامَةُ، وَفِي يَدِهِ فَسِيلَةٌ فَلْيَغْرِسْهَا» ← رواه الإمام أحمد.

واعلموا أيها المسلمون أن العمل يرفع الإنسان ويغير حاله من أن يكون عالةً على الغير، وبالعمل تستغني الأمّةُ عن كثير من احتياجها للآخرين، فالعمل شرفٌ وعزّةٌ، وسببٌ لقوة وكرامة كلِّ أمَّة، كما أن التكاسل والتواكل سبب للتأخر والخسران، وإذا كان هذا في حقِّ كلِّ إنسان وكلِّ أمَّة، فالإسلام علّمنا بأنّ المسلم ينال بالعمل الأجر والثواب، وأنّ أمّةَ العمل هي أمّةُ الأمل، بل هي أمّةُ العزةِ والشرف والرفعة، وأنَّ أمّةَ الكسل هي رمز الضعف والهوان.

والحمد لله رب العالمين..

المزيد من الخطب عن العمل

تجدون في مكتبتنا الكثير، لكننا نتقينا لكم هذه المجموعة لتختاروا من بينها ما يدعم ما أنتم تقرؤونها بالفعل الآن.

والله ﷻ وليّ التوفيق.

أضف تعليق

error: