خطبة عن حسن الظن بالناس – مكتوبة + بالعناصر

تمت الكتابة بواسطة:

حسن الظن بالناس، خطب مكتوبة، خطبة الجمعة

عناصر الخطبة

  • حرمة المؤمن عند الله عظيمة، لا يجوزُ انتهاكُها أو الاعتداء بسوء الظن.
  • حسن الظنّ بالناس من علاماتِ الإيمان، فمن قوي إيمانه حسن ظنه بالناس.
  • سرائر الخلق لا يعلمها إلا الله ﷻ، وليس لأحد الحق في الحكم على غيره إلا من خلال الظواهر، والله ﷻ يتولى السرائر.
  • حسن الظنّ بالناس له آثار حميدة على المجتمع، حيث تنتشر المودة والرحمة والتعاون بين أفراد المجتمع.

الخطبة الأولى

إن الله ﷻ أنعم على الإنسان بنعم كبيرة عظيمة، ليستطيع العيش في هذه الدنيا مطمئن النفس قرير العين، وبغير هذه الطمأنينة والسكينة قد يعجز الإنسان عن أداء دوره في الحياة، إذ يكون قلقاً مضطرباً، لا يستقر أمره على شيء، ومن الوسائل التي حثّ عليها الإسلام ورغّب فيها بل وأوجبها على الناس، حُسن الظنّ بالآخرين، وهذا بلا شكّ يؤدي إلى تآلف الناس في المجتمع كما يؤدي إلى طمأنينة النفس وراحة البال، ويُخلص الإنسان من الخوف والقلق من بيئته ومحيطه، فتجده سليم القلب فاعلاً في مجتمعه، يحمل تصرفات من حوله على أحسن المحامل، فينال بذلك خير الدنيا وحسن ثواب الآخرة ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ الشعراء: 89.

كما يتحقق في ذات المسلم التوازن والانضباط الذي يميز شخصية الإنسان المسلم الذي يسير على المنهج القويم، وصراط الله المستقيم، بلا إفراط أو تفريط، وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال رأيت رسول الله ﷺ يطوف بالكعبة، ويقول: «ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده، لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك، ماله، ودمه، وأن نظن به إلا خيرا» ← رواه ابن ماجه.

فحسن الظنّ بالناس يدفع الإنسان إلى التماس الأعذار لهم، والدّفاع عن أعراضهم، وهذه درجة لا يصلها إلا مؤمن صادق الإيمان، ومجاهد طوّع نفسه فألزمها قولَ الخيرِ وفعلَه، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “ضَعْ أَمْرَ أَخِيكَ عَلَى أَحْسَنِهِ، حَتَّى يَأْتِيَكَ مِنْهُ مَا يَغْلِبُك”، وقال ابن سيرين رحمه الله: “إذا بلغك عن أخيك شيء، فالتمس له عذرًا، فإن لم تجد فقل: لعل له عذراً لا أعرفه”.

وحسن الظنّ المطلوب بالمسلمين والناس أجمعين من أعظم علامات الإيمان المتمثل في تغليب جانب الخير على جانب الشرّ، فلا يُضمر الإنسان لأخيه إلا الخير، ولا يتوقع منه إلا الخير، ولا يحمل أقوالهم وأفعالهم إلا على المحمل الحسن، مع الحرص على إذاعة حسناتهم، وستر عوراتهم، قال الله ﷻ: ﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا﴾ الإسراء: 53.

وقال الله ﷻ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ الحجرات: 12.

فالله ﷻ يرشدنا إلى ترك سيء الظنون بالناس، فإن كثيراً منها ظنون آثمة تؤدي إلى اتهام بغير حقّ، ومن آثار حسن الظنّ بالناس على المجتمع المسلم نشر المحبّة والمودة والثقة بين الناس، ودفع العداوة والبغضاء، وسلامة صدورهم من الأحقاد والأضغان، فإذا فشت هذه الأمور في أي مجتمع من المجتمعات جعلت منه مجتمعًا قوياً متماسكاً عصيًا على أعدائه، وهذا غاية المأمول لكلّ أمة.

ومن روائع الأمثلة على حسن الظنّ بالناس جوابُ أبي أيوب الأنصاري لزوجته عندما سألته عمّا يخوض الناس في عِرض السيدة عائشة رضي الله عنها بقولها: “ألا تسمع ما يقول النَّاس في عائشة؟” فأجابها: “بلى، وذلك الكذب، أكنتِ أنتِ يا أمَّ أيوب فاعلة ذلك؟ قالت: لا والله ما كنت لأفعله، فقال: فعائشةُ والله خير منك، سبحان الله، هذا بهتان عظيم”، فأنزل الله ﷻ بأبي أيوب وزوجته قرآناً يمدحهما ويمدح حسن الظن بالناس، قال الله ﷻ: ﴿لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ﴾ [النور: 12].

وفي غزوة تبوك دافع معاذ بن جبل رضي الله عنه عن كعب بن مالك، وأحسن ظنه فيه، عندما سأل رسول الله ﷺ: «مَا فَعَل كَعْبٌ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَبَسَهُ بُرْدَاهُ، وَنَظَرُهُ فِي عِطْفِهِ، فَقَالَ مُعَاذُ بْن جَبَلٍ: بِئْسَ مَا قُلْتَ، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا» ← متفق عليه.

عباد الله: وكما إن حرمةَ المؤمن عند الله عظيمة، لا يجوزُ انتهاكُها ولا الاعتداء عليها بأيّ وجه كان، فلا يجوز كذلك إساءة الظن الذي يؤدي إلى انتهاك هذه الحرمات، فسوء الظن يؤدي إلى الطعن في الناس وفي أعراضهم ونواياهم والحكم عليهم، وهو ظلمٌ واتهامٌ لهم بالباطل.

يقول ﷻ: ﴿وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾ النجم: 28، فنوايا القلوب لا يعلمها إلا علّام الغيوب، فليس للمسلم أن يحدث نفسه بعيب أخيه، أو أن يزعم الاطلاع على قلبه، لأن ذلك رجمٌ للناس بالغيب، يقول الله ﷻ: ﴿أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا، كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا، وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا﴾ مريم: 78-80.

عباد الله: ومن مخاطر سوء الظن التي تقع على النفس والمجتمع، أنها تعمم نظرة الكراهية والعداوة للناس، فمن يسيء ظنّه بالناس يرى عدداً كبيراً ممن حوله عدواً له يضمر له الشر وينوي له السوء، فيظهر هذا الظن على تصرفاته، وفلتات لسانه، فيثير الناس ضده ويكثر أعداؤه، ومن سيطر عليه سوء الظنّ تحكمت به وساوس الشيطان وتسبّب في شيوع التصرّفات السلبية في المجتمع، كما يؤدي إلى انتشار الأخلاق السيئة بينهم، فتهتز الثقة بالمجتمع، وقد يؤدي إلى الاعتداء على الآخرين، من خلال انتشار الحقد والحسد على الآخرين.

لأجل كل ذلك نهى النبي ﷺ عن تتبع عورات الناس وتخوينهم فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: صَعدَ رَسُول اللهِ ﷺ الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَم بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لاَ تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلاَ تُعَيِّرُوهُمْ وَلاَ تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ منْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ» ← رواه الترمذي.

إذا ساءَ فعلُ المرء ساءت ظنونُهُ
وصدَّق ما يَعتادُهُ مِن تَوَهُّمِ

وَعادى مُحبّيهِ بقولِ عُداتِهِ
وأصبَحَ في لَيلٍ مِنَ الشَكِّ مُظلِمِ

كما حذرنا النبي ﷺ من اتهام الناس بالظنون، حيث قال عليه الصلاة والسلام: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلاَ تَحَسَّسُوا، وَلاَ تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَنَافَسُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا» ← متفق عليه.

ومن الآثار المدمرة للمجتمع لإساءة الظنّ بالآخرين أن تصبح صورة الصالحين والطيبين والقدوات مخترقة مهتزة بسبب التشكيك في نواياهم، فتسمع مقالة السوء فيهم، فتعم الفتن ويصل الشيطان وجنوده إلى بغيتهم ويحققون غاياتهم، وقد حذرنا الله ﷻ من اتباع أقوال الواشين والحاسدين الذين ينقلون الأخبار دون تحقق بغرض إشعال نار الفتنة في المجتمع، فقال ﷻ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) الحجرات:6.

فكم هي مؤلمة للنفس المؤمنة أن ترى أهل الشر يشيعون الفساد في صفوف المؤمنين الطيبين، ويعيثون فساداً في الأرض يشككون في نوايا الصالحين ويشوهون صورهم ويسقطون مقامهم، فسوء الظنّ اتهام باطل، ووساوس يزرعها الشيطان في قلب الإنسان تُشعل نار الفتنة بين الناس، وليس المقصود من هذا أن يكذب الإنسان كل ما يسمع، وأن يصم أذنيه عن كل ما يقال، ولكن المقصود أن لا يعمل بموجب الظن، وأن لا يجعل السوء هو الأصل في حياة المسلمين، وما أحكم قول المصطفى ﷺ في هذا: إذ يقول: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث» ← صحيح البخاري.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.

عباد الله… إن لسوء الظن أسباب لا بد من علاجها والحذر منها، منها تزكية المرء لنفسه وإعجابه بها، فلا يرى في نفسه عيباً، وادعاء امتلاك الحقيقة دون غيره والتطرف والتشدد في النظر إلى الآخرين مما يؤدي إلى استباحة حرمته، وعلاج هذه الآفة أن يوطن المسلم نفسه على التواضع لله ﷻ وأن يخفض جناحه للمؤمنين وأن يعلم أن المرء مهما بلغ من الدرجات العالية الرفيعة فإنه مجبول على النقص ولا يخلو من العيوب، فإن أساء الظنّ بغيره في أمر من الأمور، فقدّ سلّم نفسه للناس واباح لهم سوء الظنّ فيه.

وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ قال: «ما نقصتْ صدقة مِن مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عِزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله» ← صحيح مسلم، رفع الله مقامه وأعلا قدره في الدنيا عند الناس، ورفع مقامه في الآخرة في جنات النعيم.

لا تكشفنّ مساوِئ الناس ما ستروا
واذكر محاسن ما فيهم إذا ذُكروا

فيهتك الله ستراً عن مساويكَ
ولا تعب أحداً منهم بما فيكَ

وذكر ابن كثير في البداية والنهاية أن سفيان بن حسين قال: “ذكرت رجلاً بسوء عند إياس بن معاوية، فنظر في وجهي، وقال: أغزوتَ الرومَ؟ قلت: لا. قال: فالسِّند والهند والترك؟ قلت: لا، قال: أفَتسلَم منك الروم والسِّند والهند والترك، ولم يسلَمْ منك أخوك المسلم؟ قال: فلَم أعُد بعدها” البداية والنهاية.

ومن علاج سوء الظن في المجتمع أن يبتعد المسلم عن مواطن الشبهات فلا يفتح المجال لأصحاب القلوب المريضة، ولا يجعل مدخلاً للشيطان أو يوقع سوء الظن به وبتصرفاته، فعَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَي زوج النبي ﷺ قَالَتْ: كَانَ النَّبي ﷺ مُعْتَكِفًا، فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلاً، فَحَدَّثْتُهُ، ثُمَّ قُمْتُ لأَنْقَلِبَ، فَقَامَ مَعِي لِيَقْلِبَنِي، فَمَرَّ رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ ﷺ أَسْرَعَا، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «عَلَى رِسْلِكُمَا، إِنَّهَا صَفِيَّة بِنْتُ حُيَيٍّ» ←، فَقَالاَ: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَرًّا» ← متفق عليه.

وعن سعيد بن المسيِّب قال: كتب إليَّ بعض إخواني من أصحاب رسول الله ﷺ: “أن ضع أمر أخيك على أحسنه ما لم يأت كما يغلبك، ولا تظنن بكلمة خرجت من امرئ مسلم شراً وأنت تجد لها في الخير محملاً، ومن عرَّض نفسه للتهم، فلا يلومن إلا نفسه، ومن كتم سره كانت الخِيرَةُ في يده، وما كافيتَ من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله ﷻ فيه”.

ومن علاج سوء الظن كذلك أن المرء يقيس الآخرين على نفسه، فإذا كانت النفس منطوية على السوء صدقت ما يقال من سوء عن الآخرين، وسارعت إلى قبوله، وإذا انطوت النفس على الخير والفضيلة استبعدت السوء عن الآخرين، ولم تتقبل بسهولة ما يقال عنهم.

إذا ساءَ فعلُ المرء ساءت ظنونُهُ
وصدَّق ما يَعتادُهُ مِن تَوَهُّمِ

وَعادى مُحبّيهِ بقولِ عُداتِهِ
وأصبَحَ في لَيلٍ مِنَ الشَكِّ مُظلِمِ

سائلين الله ﷻ أن يحفظ على بلادنا أمنها وأمانها وأن يجنبنا سوء الظن والفتن ما ظهر منها وما بطن.

والحمد لله رب العالمين..

خطب متميزة في مقترحاتنا

بعد هذه الخطبة المباركة، نود أن نطرح عليكم بعض الروابط لخُطب جمعة متميزة؛ نتمنى أن تنتفعوا بها؛ وهي:

وبالله التوفيق والسَّداد، وعليه ﷻ وحده الاعتماد.


التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: