خطبة: الحفاظ على البيئة مسئولية دينية ووطنية وإنسانية

نعلَم أن موضوع خطبة الجمعة هذا قد تناولناه من قبْل؛ لكِنّ خطبة اليوم؛ والتي تأتيكم بعنوان: الحفاظ على البيئة مسئولية دينية ووطنية وإنسانية؛ سوف تكون بمثابة محتوى أكثر تدعيمًا لأئمة وخطباء المسلمين حول العالم؛ لما تُمثِّله هذه القضيَّة -الحفاظ على البيئة- من أهميَّة إقليمية محليَّة وعالمية أيضًا.

وقد تكون خطبة اليوم مناسبة للتوقيت الذي تُقام فيه قِمة المناخ؛ وما تُمثِّله من أهمية كبيرة.

خطبة الجمعة مكتوبة , الحفاظ على البيئة مسئولية دينية ووطنية وإنسانية

مقدمة الخطبة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.

من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده، أحمده حمدا كثيرًا طيبا مباركا فيه حمدًا ملء السموات والأرض وملء ما بينهما وملء ما شاء.

حمدًا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا راد لما قضيت.

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله عليه تاج محبة من ربه، ما صيغ من ذهب ولا من ماس، صلى الله عليه وعلى آله وعلى صحبه وأزواجه، أفضل صلاة وأزكى تسليم.

الخطبة الأولى

أما بعد أيها المسلمون أوصيكم ونفسي المقصرة بتقوى الله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.

أحبتي الكرام، روى الإمام مسلم في صحيحة من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «الإيمان بضع وستون شعبة أفضلها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان».

حافظوا على البيئة

وروى مسلم أيضا من حديث أبو هريرة أن النبي ﷺ قال «رأيت رجلا يتقلب في الجنة» ما السبب في ذلك؟ قال «في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس».

فيما رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر -رضي الله عنهما- من حديث سعيد بن جبير أن ابن عمر مر على نفر قد نصبوا دجاج رمونها فلما رأوا ابن عمر تفرقوا عنها.

فقال ابن عمر: من فعل هذا؟ إن رسول الله ﷺ لعن من فعل هذا، وقد جاء في حديث أيضا صحيح عن النبي ﷺ قال «من أصبح منكم اليوم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها».

البيئة نعمة عظيمة

والله ﷻ قد سخر لنا هذه الدنيا، سخر السماء والأرض والجبال، وقال الله ﷻ ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا﴾.

فهو تحمل هذه المسؤولية العظيمة، والله أيضا ﷻ قال في كتابه ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُّنِيرٍ﴾.

عافانا الله وإياكم، اليوم أيها الإخوة العالم مشغول بقضية البيئة، لكن هذا الدين دين عظيم، هذا الإسلام إسلام كامل، لم ينسى مثل هذه القضايا.

وقد سمعتم عددا من الأحاديث والآيات عن النبي ﷺ جاء هذا الإسلام، جاء يحكم الأمور ويضبط هذه الحياة.

لم يكن الإسلام محصورا على الصلاة والصيام والحج إنما جاء ليضبط هذه الحياة.

لا تفسدوا في الأرض

ولكن الناس أيها الإخوة هم الذين أفسدوا في الأرض وهم الذين غيروا، ولذلك طلعت مثل هذه الأسابيع البيئية والاهتمام بالبيئة وغيرها من الأمور.

نعم أيها الإخوة والله ﷻ قد أرشدنا يبين لنا قول الرب ﷻ في كتابه العزيز في سورة الأعراف، قال ﴿وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾.

بل توعد بالعقاب الشديد لمن يفعل مثل ذلك، قال ﴿وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.

والله يقول ينهانا عن نعثى في الأرض فسادا، قال ﴿وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾، ويقول ﴿وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾، ويقول في سورة الروم ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾.

يتذكرون إلى ذلك الأمر، فإن ذلك فيه من الخير العظيم الذي يقرب إلى الله ﷻ.

أيها الأحبة الكرام، ما المطلوب؟ عندما نسمع مثل هذه الآيات العظيمة، وهذه الكلمات الجليلة.

المطلوب منا أننا نحافظ على بيئتنا، سواء من بيوتنا أول ما يبدأ الإنسان من داخل بيته، ثم يرمي بذلك الأمر على الآخرين.

ينبغي أن نهتم بالزرع والضرع، نهتم بالنبات والحيوان، بل نهتم بالجمادات، ألم يتحدث جماد إلى رسول الله ﷺ، ويحب النبي، ويئِن هذا الجماد ويسمعه كل من كان في مسجد رسول الله ﷺ.

ماذا كان يفعل هذا؟ كان النبي ﷺ يرتقي ﷺ برجله الطاهرة الشريفة على منبر فلما أزاحه النبي أراد أن يوسع المنبر -عليه الصلاة والسلام- أنَّ وصار له أنين هذا الجزع.

أخذه الحبيب ﷺ وضمه، قال «أما يرضيك أن تكون معي في جنة الله ﷻ».

هذا هو الحال الذي ينبغي أن يدرك أيها الإخوة، إذا كان رجل يبشر به النبي ﷺ أنه يدخل الجنة لماذا؟ شجرة واحدة رآها أو شيء واحد يسير رآه، في طريقه فأزاحه عن الناس لماذا؟ لأنه يؤذيهم، فكيف بمن يحافظ على بيئة الناس؟

كيف من يحافظ على البيئة؟ هو من يحث أبناءه وطلابه وتلاميذه؟ كيف من يحث الناس على ذلك الأمر ويفعل هذا؟

إننا أيها الإخوة حسب الإحصائيات العالمية ترى أن بلادنا وبلاد الخليج هي أكثر البلاد تعرضًا لمثل هذه الأمور، لا من ناحية الجفاف ولا من ناحية التصحر ولا من ناحية البيئة وضعفها ولا غير ذلك من الأمور.

والنبي ﷺ يحثنا على ذلك، يقول ﷺ «إياكم، إياكم» يحذر ﷺ، «إياكم والجلوس في الطرقات» قالوا: يا رسول الله، ما لنا بد، ما عندنا أماكن غير ذلك، ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها، نتكلم مع جيراننا، مع أصدقائنا مع أهلينا مع ذوينا، ما لنا بد يا رسول الله؟

حق الطريق

قال ﷺ «إذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه»، حقه، قالوا وما حقه؟ قال «غض البصر، وكفُ الأذى، ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».

إذا الذي يكون في سيارته ثم يرمي، من سيارته يرمي على الناس وهو عند الإشارة أو في طريقه، أليس هذا مؤذيا؟ ألم يخالف حديث النبي ﷺ.

الذي يرمي بالأوساخ أعزكم الله عند جاره أليس هذا أيضا مؤذياً؟ الذي يفعل أيها الإخوة يؤذي الآخرين بتصرفاته.

كثير من الناس يذهبون في النزهات والحدائق، يخرجون إلى البر وما أدراك ما البر؟ ومع ذلك نجد أن كثير من الناس وللأسف أنهم يؤذون الآخرين بسبب أفعالهم وتصرفاتهم بحجة ماذا؟

بحجة أن هذا بر وليس فيه أحد ثم يرمون كل ما عندهم ويتركون ذلك الأمر لا شك في أن ذلك فيه من الخطأ الكبير الذي يؤذي الناس وما يؤذي الناس فإنه يؤذي رب العالمين ﷻ.

يقول ﷺ «اتقوا الملاعن الثلاث» قالوا: وما الملاعن يا رسول الله؟ قال «أن يقعد أحدكم في ظل يستظل فيه، أو في طريق أو في نفع ماء».

يؤذي الناس بهذا الفعل، يخرب من تحت الشجر «فإن ذلك فيه من اللعن». واللعن هو الطرد، والإبعاد عن رحمة الله عافانا الله وإياكم.

المحافظة على البيئة سلوك حضاري

أسأل الله أن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره، وحسن عبادته وأن يوفق الجميع لما فيه الخير والفلاح فإن المحافظة على بيئة الإنسان فإنها سبب لدخول الجنان، ولا شك أنه سلوك حضاري، ينبغي لنا جميعا أن نتمثل به.

أسأل الله لي ولكم التوفيق، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم.

استغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

إخوتي في الله؛ لقد قدَّمنا لكم أعلاه خطبة جمعة مكتوبة؛ تحت عنوان: الحفاظ على البيئة مسئولية دينية ووطنية وإنسانية. وهي للشيخ الدكتور أحمد بن حمد البوعلي -جزاه الله خيرا-؛ والتي نسوقها إليكم لتكون مزيد دعمٍ لمحتوى قدَّمناه -آنِفًا- في خُطب تتحدَّث حول هذا الموضوع. ومنها -هذه- خطبة جمعة حول ضرورة الحفاظ على البيئة. نسأل الله ﷻ لنا ولكم كل التوفيق والسَّداد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error:
Scroll to Top