خطبة: أرض أولى القبلتين – مكتوبة كاملة

خطبة: أرض أولى القبلتين – مكتوبة كاملة

مقدمة الخطبة

الحمد لله العزيز الحميد، ذي النصر والتأييد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ﴿يَنصُرُ مَن يَشَاء﴾، وهو الفعال لما يريد، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله الهادي من الضلال البعيد، ﷺ وعلى آله وصحبه وأتباعه ذوي المنزلة الرفيعة والحظ السعيد.

أما بعد، فاتقوا الله –عباد الله– فإن التقوى باب الرضوان، وسبيل السعادة والاطمئنان، والصراط المستقيم إلى الجنان، يقول ربنا تبارك وتعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾، ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾، ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ﴾.

الخطبة الأولى

أيها المؤمنون: اسمعوا قول الله ﷻ وهو يقول ممتنا على نبيكم وعليكم: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾، لقد نزلت هذه الآية الكريمة ولم يكن الناس يسمون الكعبة وما حولها المسجد الحرام، بل كانوا يسمونه البيت الحرام، ولم يكن هناك إلا الكعبة المشرفة وفناء حولها كان يطوف الناس فيه حول الكعبة، فنزل القرآن مسميا له المسجد الحرام نظرا إلى أصله من أنه مكان للسجود، وكل مكان يكون فيه سجود فهو مسجد، وإشارة إلى أنه سيكون هناك مسجد له شأن عظيم ومقام كريم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وسيبقى مسجدا إلى يوم يبعثون؛ فكان ذلك من الإعجاز الخبري للكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

وتنزلت هذه الآية – عباد الله – ولم يكن الناس يسمون المسجد الأقصى بالمسجد الأقصى، بل كانوا يسمونه بيت المقدس، واسم بيت المقدس هو الاسم الوارد في معظم الآثار المنقولة عن النبي ﷺ، ومن ذلك قوله في ذكر حادثة الإسراء والمعراج: «ثم دخلت أنا وجبريل عليه السلام بيت المقدس، فصلى كل واحد منا ركعتين».

ولم يكن هناك مسجد بالصفة التي وجدت بعد ذلك، ففي الآية إشارة إلى مسجديته السابقة التي كانت عند رفع إبراهيم عليه السلام له، والمسجد يبقى مسجدا ولو انقطع الناس عن السجود فيه زمنا، وفي الآية أيضا إشارة إلى قيام مسجد كبير مبارك يبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ويبقى معظما إلى يوم يبعثون؛ لأنه من حرمات الله التي يجب تعظيمها؛ استجابة لقول الحق تبارك وتعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ﴾، وقوله جل جلاله: ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾.

والمسجد الأقصى –عباد الله– بناه نبي الله إبراهيم عليه السلام الذي رفع قواعد البيت الحرام، وقد رفع قواعد البيت الحرام أولا بأمر الله، ثم أمره الله أن يبني بيت المقدس، وبين البيتين المعظمين أربعون عاما كما جاء في الأثر عن رسول الله ﷺ، صلى النبي ﷺ ليلة الإسراء والمعراج، وصلى معه جبريل والنبيون عليهم السلام.

وفي ذلك المكان نفسه –أيها المؤمنون– صلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند فتح القدس الشريف، وقد عرفه عمر بن الخطاب رضي الله عنه من وصف النبي ﷺ بعد حادثة الإسراء والمعراج، فوافق ذلك الوصف الشريف ما عند علماء أهل الكتاب عندما سألهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فصلى –رضوان الله عليه– في المكان الذي صلى فيه النبي ﷺ ليلة الإسراء والمعراج، وصلى فيه النبيون من قبل، فتسمية المسجد الحرام بالمسجد الحرام، وتسمية المسجد الأقصى بالمسجد الأقصى من مبتكرات القرآن الكريم، وإشاراته الصادقة إلى قيام مسجدين عظيمين، وهما المسجد الحرام والمسجد الأقصى ﴿فَضْلا مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً﴾.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.

⇐ وهذه خطبة: أين الله مما يحدث؟ – مكتوبة بالكامل & بالعناصر

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، ﷺ وعلى آله وصحبه وأتباعه المؤمنين الصادقين.

أما بعد، فاتقوا الله –عباد الله– واعلموا أن تعبيرات القرآن الكريم فيها العجب العجاب، والحكم البالغة، والدلالات الباهرة، وهو الكتاب الذي قال عنه من أنزل عليه: « وهو الذي لا تنقضي عجائبه»، وإن من عجائب القرآن إشارته إلى المسجد النبوي بالمدينة المنورة في آية سورة الإسراء؛ فقد ذكرت الآية الكريمة المسجد الحرام والمسجد الأقصى، وذكر المسجد الأقصى يدل على أن هناك مسجدا قصيا، وما بعده الأقصى، فكان ذلك المسجد القصي هو المسجد النبوي، فكان ذلك إشارة قرآنية إلى قيام مسجد عظيم بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، وهو مسجد رسول الله ﷺ، فكانت المساجد الثلاثة هي التي جاء ذكرها على لسان رسول الله ﷺ عند قوله: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى».

أيها المؤمنون: من نظر في أحوال النبي ﷺ وأصحابه رضوان الله عليهم وهم في مكة رأى ظلما وإيذاء وتعذيبا، حتى كاد يداخل اليأس قلوب جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم؛ ليأتي القرآن مخبرا أن ﴿نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾، فكان ما أخبر به الله، وجاء نصر الله والفتح، ونصر الله لعباده في أرض الإسراء قريب ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾، فكونوا معهم بقلوبكم ودعواتكم ﴿اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾، وأعينوهم بأموالكم ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.

هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين؛ محمد الهادي الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.

ولا تفوّتوا فرصة الاطلاع –هنا– على خطبة مشكولة بالكامل.. بعنوان «كمثل الجسد الواحد» فهي أيضًا رائِعة جدًا.

أضف تعليق

error: