الضيق والسعة بين الفتنة والفطرة

الضيق والسعة بين الفتنة والفطرة

أحيانا يجد الإنسان نفسه مندهشا حائرا لأيام لا يدري ما يقول من فرط ما يراه مما يثير الدهشة ويناقض المنطق، هذا كان حالي مع ما حدث في مصر في أول ليلة من العام الميلادي الجديد 2011 حين دوى صوت الانفجار الرهيب على أبواب كنيسة القديسين بالإسكندرية، الحدث الذي رأيته للوهلة الأولى خطوة ثقيلة في مسلسل زرع ألغام الفتن التي تقسم الأمة شيعا وأحزابا يضرب بعضهم رقاب بعض، وللوهلة الأولى أيضا كان يقيني أنه لا يوجد دين ولا مذهب ولا منطق ولا عقل يقر بما حدث بأي شكل من الأشكال، فدائما ما كنت قناعتي أن السلام في دنيا الناس يبدأ من نفوسهم، وأن الإنسان الذي تمتلئ نفسه بالسلام، لا يمكن أن يكون خرابا أو دمارا على من حوله، ويحضرني في هذا قول الشاعر:

لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها *** لكن أحلام الرجال تضيق

حينما يدورالإنسان في فلك نفسه أو فلك أشباهه، ويظن أن الانتماء يعني أن يسالم الناس وأن يعاديهم من منطلق ولائه الضيق مهما علا قدره، هنا تكون الطامة الكبرى، أما عندما ننتقل من ضيق الولاءات الأيديولوجية أو العقيدية الضيقة إلى رحابة القيم الإنسانية المشتركة حينئذ تتسع صدورنا لبعضنا البعض.

معنى الإيمان بالله

دائما ما كنت أشعر أن أهل الأديان على اختلاف عقائدهم خاصة المؤمنون منهم بالله لا يفهمون معنى الإيمان به، ربما لأن الله تعالى مطلق ومجرد فلا تدركه عقولهم جل شأنه، ومن ثم فإنه سبحانه وهو يعلم منا ذلك أراد أن يقربنا من فهمه سبحانه فكانت أسماؤه وصفاته، فهو سبحانه الرحيم، وهو سبحانه الحكيم وهو سبحانه العدل، فمن أراد أن ينتمي ويوالي، فليوالي وينتمي إلى الرحمة، وليوالي وينتمي إلى الحكمة وليوالي وينتمي إلى العدل.

ولو كان الله سبحانه جلت حكمته قد أراد أن يكون الناس أمة واحدة أو ملة واحدة لفعل، لكنه جلت مشيئته لم يفعل، لأنه حينئذ ينتفي معنى الحياة جميعا، إذ هي بالأساس أمانة وتكليف مبنيان على العقل المميز وحرية الإرادة الذي يأتي بعدهما ونتيجة لهما المسئولية عن الاختيارات، وهو سبحانه المسئول وحده الذي يفصل فيها وفيما بين البشر يوم القيامة.

أما وإننا هنا في هذه الحياة الدنيا، فإن علينا أن نتقن فن الحياة رغم هذا الاختلاف، يحدونا جميعا ولاؤنا للقيم وللمعاني التي تمثلها لدى كل منا أسماء الله وصفاته العلا، وليس ولاؤنا لفريق من الناس دون آخر، فليس الإسلام وليست المسيحية بانتماء لنادي كالأهلي أو الزمالك لنتعصب له ونتشنج، لكنه انتماء بالأساس لرب الناس.

واقرأ هنا: جربت تقعد مع نفسك؟

بين رحابة الفطرة وضيق الفتنة

قد تضيق أحلام الناس نتيجة للفهم القاصر أو المجتزأ لبعض النصوص الواردة في تراثهم أو بعض الفتاوى أو بعض العظات فيتركون رحابة الفطرة إلى ضيق الفتنة، فيتشاجرون ويتباغضون ويتظالمون ويغري بعضهم كثرته ويغري البعض الآخر عزوته أو قوة ناصريه، لكنهم لا يدركون أن رصاصا طائشا ينطلق أو شظايا قنابل تتطاير هي أقرب إليهم من كثرة مكاثر أو نصرة مناصر.

فليضع كل منا في رأسه بعض الحكمة يستمدها من الحكيم، وبعض الرحمة يستمدها من الرحيم، وبعض العدل يستمده من العدل وليتعلم كيف يعيش سعيدا مع أخيه وجاره في الوطن، وليحث في وجوه باذري الفتنة في بلادنا التراب قائلا: ألا شاهت الوجوه، وليعرف بعضنا بعضا جيدا، فالإنسان عدو ما ومن يجهل، والجهل مع الوسوسة تثير الريب وتملأ النفوس بالشكوك التي تلبث أن تنفجر في وجوهنا اقتتالا مع أقل احتكاك، وحينئذ سنقع جميعا في الفتنة التي لن يكون فيها خاسر ولا منتصر فالكل فيها خاسر وأولهم الأبرياء والفقراء والضعفاء والمستضعفين هنا وهناك، فلا تحرقوا علينا جميعا الكوخ الذي نعيش فيه، أليس منكم رجل رشيد؟

بقلم: مجدي سعيد

أضف تعليق

error: