عن اختبار العفة

اختبار العفة , Koran , القرآن الكريم , صورة

إن الله عز جل خلقنا في هذه الحياة ننتقل من ابتلاء إلى ابتلاء، ومن اختبار إلى اختبار، وجعل رسلنا وأنبيائنا قدوة لنا في الصبر على البلاء واجتياز الاختبارات بأفضل حال وخير نجاح، لو شاء لأعزهم ورزقهم من العيش أرغده فهم أصفيائه من خلقه وأحبته، ولكن الله أراد أن يضرب لنا الأمثال ويعلمنا ويقص علينا من الحكمة ما ينور به بصائرنا، ويهدينا بفضله سبل الرشاد، وسوف ينصب حديثنا في هذا المقام على اختبار من أصعب الاختبارات التي قد يتعرض لها لأنسان، حيث تعرض عليه الفاحشة على طبق من ذهب، وتتحالف ضده المغريات، وتدور بداخله رحى معركة قاسية بين الرغبات بين ما يقتضيه الضمير تدع إليه القيم والمثل الدينية، ونتعرف كيف يكون النجاح فيها والغلبة والانتصار المؤزر على هوى النفس وضعفها.

يوسف عليه السلام واختبار العفة

من الابتلاءات الشديدة التي تعرض لها نبي الله يوسف عليه السلام بعد محنة إلقاءه في الجب، وانتقاله من عز الحرية وهو النبي بن النبي إلى ذل العبودية والرق، اختبار العفة وهو اختبار قاس وصعب جدا حيث توافرت فيه كل دواعي السقوط، غير أن سيدنا يسف عليه السلام لم يستجب لها واستجاب لداعي الله، واستمسك بإيمانه واستجمع قوته، وراقب ربه فاستحى من المعصية وتغلب على الزلل.

يقول عز وجل في حكاية ذلك الاختبار: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ۚ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25)).

عوامل السقوط في تلك الفتنة

لقد ذكرت هذه الآيات معظم العوامل التي تدعوا للسقوط في تلك الفتنة، والاستجابة لداعي الرغبة والضعف الإنساني، ومن ذلك ما يلي:

  • أولًا: سيدنا يوسف -عليه السلام- في هذا الموقف كان عبدًا، ولو وقع في الفاحشة لما كان عليه من اللوم والتعذير ما على الحر.
  • ثانيًا: كان عليه السلام غريبًا لا أهل له ولا أقارب يخشاهم أو يستحيي منهم.
  • ثالثًا: كان يوسف عليه السلام شابًا في ريعان شبابه وأوج قوته، وأعزبًا لا زوجة له، وكان وسيمًا جميل الوجه، رائع الطلعة.
  • رابعًا: كان عليه السلام أمام امرأةٍ ذات منصبٍ وجمالٍ ومالٍ، وهو في بيتها.
  • خامسًا: كان مهددًا بالسجن والعقاب إذا استعصم ورفض ما يدعى إليه.
  • سادسًا: كان خلف أبوابٍ مغلقةٍ، فهو يأمن اطلاع أحدٍ من الخلق على أمره.

ومع ذلك كله آثر نبي الله يوسف أن يصون عرض سيده، ويحفظ غيبته فقال: (قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23))، فكان حفظه لجميل سيده عليه داعٍ من دواعي عفته وتراجعه عن الوقوع في مستنقع الفاحشة، كما أن تحقق معنى المراقبة والإخلاص لله عز وجل حماه وأنجاه منها، وتوكله على الله وطلب العون منه سانده وقواه.

واستحب السجن ظلما على ارتكاب الفاحشة، فقال مناجيًا ربه، (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ (33))، ومن اللطائف التي تنطوي عليها تلك الآية أن يوسف -عليه السلام- لم ير للوقوع في الخطيئة بديلا إلا السجن، فاستجاب الله له وصرف عنه السوء بالطريقة التي تمناها ودعا بها، وكان بوسعه -عليه السلام- أن يسال الله صرف السوء عنه مع العافية، وهنا أدب لطيف من آداب الدعاء ينبغي أن نتعلمه وهو أننا حين ندع يجب أن ندع بالخير ونكثر فالله قادر على كل شيء وكريم، ولن تعجزه مسألتنا أبدًا مهما كانت.

فقد أوصانا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ندع بكل ما نشاء وألا نستكثر المسألة ومما دل على ذلك المعنى، ما رواه عنه أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رضي الله عنه: ” إِذَا دَعَوْتُمُ اللَّهَ، فَارْفَعُوا فِي الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّ مَا عِنْدَهُ لَا يَنْفَدُهُ شَيْءٌ، وَإِذَا دَعَوْتُمْ فَاعْزِمُوا، فَإِنَّ اللَّهَ لَا مُسْتَكْرِهَ لَهُ”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error:
Scroll to Top