غض البصر السبيل إلى سلامة المجتمعات

صورة , رجل , غض البصر

يقول القائل في حديثه عن إطلاق البصر: (كل الحوادث مبدأها من النظر) وما أبلغه من قول، ولما كان ذلك الأمر من المحاور الأساسية التي تؤثر في أخلاق المجتمعات ونزعاتها، فقد أولته الشريعة الإسلامية اهتماما كبيرا جدا، وفي هذا المقال سوف نفند تلك القضية لنبين أهمية فضيلة غض البصر، وما يحصله المجتمع من خير وسلام كلما سادت تلك الفضيلة فيه وملأت جوانبه، ومدى حرص الشرع عليها، ومدى خطورة إطلاق البصر وأثاره الهدامة على الفرد والمجتمع باسره.

مفهوم غض البصر

غض البصر هو سلوك يتبعه ذوي المروءة والخلق القويم والفطرة السليمة، وهي أن لا يترك الإنسان بصره يتتبع محارم الله، ويفتش في خلق الله عن عوراتهم، أو يتتبع مواضع الفتنة والإثارة التي تفشت وملأت أرجاء الدنيا، فغض البصر في هذا الزمان من الأمور الشاقة على النفس، التي تعرض أمامها الفتن والملذات كل يوم بل كل ساعة حتى بلا سعي أو جهد، واللبيب من يملك زمام نفسه وينهها عن التمادي في اكتساب المتع العابرة.

مواضع من الكتاب والسنة تدع إلى غض البصر

قال تعالى في كتابه الكريم:( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) وهنا أمر صريح من الله عز وجل لكل من اتصف بالإيمان أن يحمي قلبه وعقله من ويلات تتبع الفتن، ويطهر باطنه منها، ويحصن نفسه مما لا قوة له به من الذنوب أو مرض القلوب.

وبينت السنة النبوية كذلك فضيلة غض البصر وحثت عليها ومن ذلك ما ورد عن البني -صلى الله عليه وسلم- حيث قال:
(اضمَنوا لي ستًّا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدُقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا اؤتُمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضُّوا أبصاركم، وكفوا أيديكم) فقد جعل النبي عليه السلام غض البصر من ضمانات الجنة، وهذا لعظيم فضله وطيب أثره على العبد ودرجة إيمانه وقربه من الله عز وجل.

فوائد غض البصر وخطورة إطلاقه

ما من خطيئة وقعت على وجه الأرض، ولا فاحشة ارتكبت إلا كانت بدايتها نظرة أطلقها صاحبها، فأعقبها تعلق ورغبة شق عليه مدافعتها والصبر عنها، فكان ما كان من الزلل والوقوع فيما حرم الله، لذا سنذكر هنا الفوائد العظيمة التي يجنيها المسلم أو المسلمة من غض البصر:
إن ترك البصر أمر ليس هناك أسهل منه، لا مشقة فيه ولا يحتاج إلى سعي أو تدبير أو مخاطرة، وهو يمنح القلب متعة مؤقتة من مشاهدة ما يحب مشاهدته، ولكنها لا تلبث أن تتحول إلى جمرة في الفؤاد وحسرة تنهش في القلب، إذ لا يلبث القلب أن ينتقل من متعة الرؤية فقط إلى رغبة الوصول والتملك لما يراه، وهذا لا يتيسر غالبا، فيكون في ذلك ما فيه من الوجع والألم وانشغال الفكر، مما يضر بصحة الإنسان نفسيا وربما جسديا أيضا.

التعلق الناجم عن إطالة النظر لمحبوب عز وصله، لا يشغل القلب فقط بل يشغل العقل ويؤثر على تركيزه وقدراته، فلا يتمكن من أداء ما سيُسأل عنه من مسئوليات ولا إنجاز ما يوكل إليه من الأعمال والمهمات، مما يسبب له خسارة في الوقت وإهدار للجهد وتراجع في أدائه وانتاجيته أيا كان موقعه.

إطلاق البصر وتنقله بين المحرمات واطلاعه على العورات والفتن يحرم القلب من لذة الرضا بما قسمه الله، ويدفع صاحبه إلى التمرد والسخط على أوضاعه، ومن ثم تسري المشاكل والخلافات في كيان البيوت العامرة كما يسري السم في الجسد الصحيح، فيرهقه ويضعفه ولا يزال به حتى يفتك به فتكا ويدمره، وللأسف فإن واقعنا المرير ملئ بهذه الأمثلة فكم من زوجين تبدلت سعادتهما إلى شقاء وتعاسة بسب نظرة محرمة أطلقها أحدهما فأصابته سعادتهما في مقتل وأودت باستقرارهما وراحة بالهما.

يقول العلماء إن التعود على النظر للحرام يقتل في القلب الحياء ويسبب له عتمة ويطفئ بصيرته، فيترتب على ذلك العجز عن تحصيل العلم وعن الاتصاف بالحكمة والبصيرة النافذة، فيكثر تخبطه في هذه الحياة ويختلط عليه الخبيث والطيب، وتكثر زلاته وخطاياه وتعظم خسائره ومصائبه.

لا يجتمع في قلب العبد تلذذه بالمحرمات وتلذذه بالطاعة في آن واحد، فمن يطلق لبصره العنان يحرم قلبه من حلاوة الإيمان.

وأخيرا أخي المسلم وأختي المسلمة، أطلقوا نظركم إلى ما ملكت أيديكم من نعم الله، واحسنوا الاستمتاع بها وتعلموا كيف تشكروا الله عليها، فلا خير في نظرة لا تورث القلب إلا الوجع والحسرة!

أضف تعليق

error: