تتبع العورات وترويج الشائعات مرض العصر

تمت الكتابة بواسطة:

صورة , الشائعات , تتبع العورات , رجل
الشائعات

برغم تسارع الوقت وزحمة الحياة وضغوطها وكثرة المشاغل، فإن مجتمعاتنا لا تزال لديها القدرة لكي تجد وقتا كافيا لتتبع عورات الناس والبحث عن سقطاتهم وعثراتهم، والترويج للشائعات وإضافة القصص والاجتهاد في التفسيرات والتحليلات، ثم بعد كل هذا في تصديق ما أبدعه خيالنا والتعامل معه كمسلمات! فعجبا لمجتمع لا يجد فيه الأب وقتا لرؤية أبنائه ولا تجد الأم وقتا لخدمة بيتها، ولا يجد الجميع وقتا لصلة قريب أو زيارة مريض أو سؤال عن أم مسنة أو أب هرم.

ومن ثم فإننا في هذا المقال سنقوم برصد تلك الظاهرة القبيحة، والتعرف على أسبابها وأثارها المدمرة على الفرد والمجتمع، ثم التطرق إلى طريقة التوقف عنها وعلاجها حتى لا يصيبنا بلاؤها وجريرة شرها.

إقراأ أيضاً عن: الدعوة إلى الله أسلوب حياة

خطورة الشائعات والخوض في أعراض الناس على الفرد والمجتمع

مصطلح الشائعات هو مصطلح جرى استعماله للدلالة على كل التهم والدعاوى الباطلة ، والقصص الكاذبة التي تحاك حول شخص ما، أو تلصق به دون دليل قوي، وتلوكها الألسنة ويتعامل معها المجتمع كحقيقة.

وترجع خطورة هذه الظاهرة إلى عدة أسباب منها، أن كثرة القيل والقال توغر الصدور وتنمي بذور البغضاء والكراهية، وتفسد طيب العلاقات وتفت في عضدها، كما أنها تستجلب سخط الله عز وجل على عباده، فالخوض في الأعراض وإثارة الأقاويل والروايات التي لا تمت إلى الواقع بصلة، أو التركيز على بعض الأخطاء وتعظيمها والنيل من أصحابها ذنب عظيم وخطره جد جسيم، ومن ذلك ما يقوله النبي –صلى الله عليه وسلم -: ( إن المرء ليتكلم بالكلمة، من سخط الله لا يلقي لها بالا تهوي به في النار سبعين خريفا).

كما أن الانشغال بعورات الناس وتتبعها يشغل الإنسان عن إصلاح عيوبه ومراقبة نفسه وتزكيتها وتربيتها، وفي ذلك ما فيه من التأخر والتراجع إلى الوراء.

أن الكلام في أعراض الناس والانشغال بهم وبأحوالهم، هو إهدار للوقت والطاقات وتضييع للحسنات وإفلاس يوم القيامة.

الأسباب والعوامل التي تعزز هذه الظاهر

أي ظاهرة تنموا إذا ما وجدت المناخ الخصب لها، وللأسف فإن نمط الحياة التي نعيشها وحدوث تلك الطفرة الهائلة التي تشهدها وسائل التواصل الاجتماعي خلقت المناخ المناسب لتلك الجريمة الأخلاقية الخطيرة، وهناك بعض الأسباب والعوامل التي أدت إلى تفاقم هذه الظاهرة وانتشارها وسهولتها وعلى رأس تلك العوامل ما يلي:

  • غياب الوازع الديني، وغفلة الضمائر عن حرمة الخوض في أعراض الناس وتلفيق التهم والادعاءات بلا دليل دامغ.
  • الفراغ الذي يتوهمه الناس، فبدلا من أن ينشغلوا بأحوال أنفسهم وإصلاحها راحوا يراقبون خلق الله ويتتبعون تفاصيل حياتهم، على أمل العثور على ثغرة أو سقطة أو ذلة يبررون بها لأنفسهم، سيل الذنوب الذي يكاد يغرقهم.
  • مواقع التواصل الاجتماعي وسهولة تبادل الأخبار والأسرار والفضائح جعلت من الشائعات أسرع انتشارا من النار في الهشيم.
  • دعاوى حرية الرأي والتعبير التي استباح الناس بها أعراض بعضهم، فجعلوا كل الناس عرضة للقدح والذم حتى الأبرياء والأنقياء لم يسلموا.
  • ضعف الروابط الاجتماعية والأسرية، وانهيار فكرة الأعراف الحاكمة، وعدم وجود من يتصدى لغلق هذا الباب.

كيف عالج الإسلام هذه الظاهرة؟

الإسلام لا يحب لأصحابه أن تدب بينهم الفتن وينتشر الخبث، ولا يرضى لهم أن تذهب أعمارهم في تتبع عورات غيرهم والشماتة فيهم، أو الخوض في أعراضهم مهما يكن من مبررات، لذا فقد عالج تلك القضية من منشئها فوضع قوانين قواعد تحكم العلاقات بين الناس وتحدد مساحات التدخل في شؤون الأخرين وطريقته وهدفه، ومن تلك الضوابط التي وضعها لتحجيم تلك الفتنة الكبيرة ما يلي:
حذر الإسلام من التكلم في أعراض الناس أو التجسس عليهم أو انتهاك غيبتهم وحرمتهم بما لا يليق بهم من تهم سواء بالحق أو بالباطل، فقال مصورا تلك الجريمة بأبشع تصوير يمكن أن يتصوره عبد مؤمن: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ (12)) فقد شبهت الآية الكريمة خوض الإنسان في عرض أخيه وذكره بما يكره بأكل لحمه حيا.

كما حذر من تتبع العورات أو الشماتة بالوقوع في الزلات، فقال -صلى الله عليه وسلم- فيما معناه: (لا تعير أخاك بعيب فيه، فيبتليك الله ويعافيه)، وقد حزر حتى من النصيحة للمذنب على الملأ، فإن النصيحة على الملأ فضيحة، ولا يرجى معها فائدة.

وعلمنا السلف ان من رأى من أخاه عيبا، فليسترها ولا يشمت بها ولينشغل عنها بعيوب نفسه ونقائصها، فمن منا ليس له عيوب، ومن ذلك أدب الشافعي رضي الله عنه إذ يقول في أبيات تخلد القيم الإنسانية وتعليها:
لِسانُكَ لا تَذكُرْ بِهِ عَورَةَ امرئٍ – فَكُلُّكَ عَوراتٌ وللنّاسِ ألسُنُ – وعَيناكَ إنْ أبدَتْ إليكَ مَعايِباً – فَدَعها وَقُلْ يا عَينُ للنّاسِ أعيُـنُ.

وليكن المسلم دائما مفتاح للخير، مغلاق للشر، فأي إشاعة تصلك اجعلها تقف عندك ولا تحدث بها غيرك!


التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: