حكايتي مع الكنيسة والأقباط!

حكايتي مع الكنيسة والأقباط!

قمت بزيارة منذ أسبوع، لمقر موقع أون إسلام، بمدينة السادس من أكتوبر، جلست فيها مع أحد الزملاء الأعزاء، تطرق بنا الحديث خلالها إلى مناقشة سلوكيات بعض الدعاة التي تنفر أكثر مما تجذب، وتفرق أكثر مما تجمع، وأهمية توعية الشباب والدعاة على وجه الخصوص بأهمية بث روح المواطنة والانتماء والحرص على الوحدة الوطنية، وخطورة الفتنة الطائفية التي تطل برأسها بين حين وآخر.

وخلال الحديث؛ ذكرت له بعض الخواطر في علاقاتي ببعض أصدقائي وزملائي وأبناء قريتي من الأقباط؛ فاقترح علي رصد تلك الخواطر ونشرها، حتى يستفيد منها الشباب من الجانبين؛ فوعدته بالكتابة، لكن هموم الدنيا ألهتني، إلى أن وقعت تلك الجريمة النكراء عند كنيسة القديسين، بمنطقة سيدي بشر، بمدينة الإسكندرية؛ التي راح ضحيتها أكثر من عشرين، وأصيب قرابة ثمانين مواطنًا مصريًا (مسلمًا وقبطيًا)، في واحدة من الجرائم التي هزت مصر، فعاودت كتابة تلك المواقف وفاءًا لأبطالها الحقيقيين إخواني الأقباط.

مسلم أغرقني.. وقبطي أنقذني!

كان عمري وقتها حوالي 12 عامًا؛ حيث ذهبت مع زملائي عقب انتهاء اليوم الأخير من أيام امتحان الشهادة الابتدائية؛ والتي أديتها في مدرسة آبا الوقف المحطة (العباسية)، بمركز مغاغة بمحافظة المنيا، للتنزه على ضفاف ترعة الإبراهيمية على طريق مصر أسيوط الصحراوي قبالة قريتي دهروط.

ورغم علم زملائي – ومعظمهم مسلمون – بأنني لا أجيد السباحة نهائيًا، طلبوا مني أن أنزل معهم للسباحة في الإبراهيمية، فرفضت تمامًا، لأنني باختصار من المكن أن أغرق في “شبر ميه”، لكنني وقفت أنظر إليهم، وبينما أنا كذلك إذ ببعضهم يتهامسون ويشيرون إلى، ولم أفهم سر الهمس ولا الإشارة، حتى فوجئت بأحدهم – زميل مسلم- يباغتني من الخلف ويزيح بي ناحية الإبراهيمية، فسقطت في الماء؛ وظللت أصرخ وأنادي عليهم، “أنقذوني..، أنا ما بعرفش أعوم..، هاموت”

لكن أحدًا منهم لم يهب لإنقاذي؛ بل كنت كلما رفعت رأسي من الماء للحظات رأيتهم يضحكون علي؛ عندها شعرت أن الموت لا شك لاحقي، فاستسلمت للغرق، ولم أعد أستطيع المقاومة؛ غير أن السماء كان لها رأي آخر، إذ قيض الله لي شابًا يافعًا ألقى بنفسه في الماء وأنقذني بأعجوبة؛ حيث كنت قد أوشكت فعلا على الغرق.

فلما أفاقني الله نظرت إلى من أنقذني فإذا به صلاح عياد وهبه؛ شاب قبطي من فريتنا؛ كان يعرفني وأعرفه، فوالده الشيخ عياد وهبه كما سمعت أهل قريتي ينادونه منذ صغري، كان شيخ ناحيتنا (حيث تقسم القرى إلى عدة شياخات).

ولم يكتف بهذا بل أخذني معه على دراجته؛ وملابس كلينا مبللة بالماء؛ حتى أوصلني إلى منزلي، على بعد 2 كيلو من الإبراهيمية… فلما علم أبي بالواقعة أخذني مساءًا في زيارة لبيتهم، فشكره وشكر والده؛ ومن يومها توثقت علاقتي به؛ كيف لا وهو القبطي الذي أنقذني من الغرق.

واقرأ هنا: جيل الأرض أرضي والزمان زماني

أمي القبطية!

في المرحلة الإعدادية؛ توثقت علاقتي بزميل الدراسة صبحي قلدس أرمانيوس، ولأنه كان من أكثر التلاميذ تفوقا في المدرسة، كان بمثابة الند لي في الدراسة، واعتدنا أنا وهو أنا نذاكر سويًا، يوم عندي ويوم عنده؛ ومن المواقف التي لا تنساها ذاكرتي أنني تأخرت ذات ليلة وأنا أذاكر في بيته، فقالت لي والدته: الوقت تأخر، والليلة شاتية، نم مع صاحبك صبحي، وسأوقظك مبكرًا، قبل موعد المدرسة، وبينما أنا نائم شعرت بيدها تغطني وتحنو علي، وتربت على كتفي، تمامًا كما تفعل أمي.. وارتسم هذا المشهد في ذاكرتي حتى الآن فلم أنساه أبدًا .

وبعدما فرقتنا الأيام والليالي، وذهبت للقاهرة للدراسة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، واضطرته الظروف المادية الصعبة؛ نظرًا لكونه وحيد أمه من البنين، ويعول والدته بعد وفاة أبيه، إلى الالتحاق بمعهد فني تجاري في بني سويف مدة الدراسة وهي عامين، ليتخرج سريعًا حتى يلتحق بالعمل ويستطيع الإنفاق على والدته، لكن صلتي به لم تنقطع، حيث أنني كلما زرت القرية أسعد كثيرًا بزيارة صديقي صبحي ولا أنس أن أسلم على والدته وأعودها كلما علمت بمرضها.

قبطي يصوم شهر رمضان!

لا أنسى اليوم الذي جاءني فيه أخي الكبير صلاح الدين يزورني في سكني المتواضع بمنطقة “أبو قتادة”، بجوار جامعة القاهرة، وأنا طالب في السنة الثالثة بالكلية؛ ليستأذنني في الإقامة معي طوال شهر رمضان؛ حيث سيؤدي امتحان السنة النهائية؛ بمعهد الدراسات التعاونية والإدارية بالمنيرة بالسيدة زينب، فقلت له متعجبا: وهل بين الإخوة إذن في ذلك؟!، فقال لي: أنا محرج لأن هناك أحد الزملاء معي، قلت له: لا حرج؛ فقال: لا تتسرع حتى تعرف من هو أولا، عندها شعرت أن هناك ما يدعو إلى التريث.

قلت له: من؟، فقال: الأستاذ أديب عبد السيد؛ زميلي بالمعهد، فقلت مستفهما: الأستاذ أديب ابن قريتنا ومدير بنك التنمية والائتمان؟، قال: نعم، فقلت له: يا أهلا ومرحبا، فحضرا في اليوم التالي، وكان ثالث أيام شهر رمضان المبارك، لكنني لاحظت أن الأستاذ أديب لا يأكل ولا يدخن طوال النهار وينتظر الأذان حتى يفطر معنا، فسألته لم تفعل ذلك؟، خذ راحتك، نحن لم نأت بك لتصوم معانا فرد علي أقل واجب علي أن أراعي مشاعركم وأنتم صائمون.

وظل معنا معظم أيام الشهر الكريم؛ وأنا لا أراه مطلقًا يأكل أو يشرب أو يدخن، طوال النهار؛ فتعجبت من هذه المشاعر الطيبة، ورغبته ألا يجرح مشاعرنا كمسلمين صائمين؛ وظل الود بيننا قائما حتى يومنا هذا.

وهنا تجد: الإبحار في قوالب الإبداع

خطبة الجمعة والأقباط!

في يوم من الأيام؛ ناداني الأستاذ أديب عبد السيد؛ بطل القصة السابقة – وهو بالمناسبة أحد أبرز قيادات الكنيسة في قريتنا – ليأخذني خلفه على درجاته البخارية إلى عملي؛ حيث كنت أعمل مدرسًا للتربية الدينية بمدرسة الشبان المسلمين ببندر مغاغة، ويعمل هو مديرا لبنك التنمية والائتمان بنفس البندر، وخلال الطريق قال: على فكرة أنا بالأمس (الجمعة) استمعت إلى خطبتك اللي ألقيتها بمسجد النور، وكانت حول حقوق غير المسلمين في المجتمع الإسلامي، لقد كانت خطبة رائعة حقًا، لكن اسمح لي أسألك، هل فعلا لغير المسلم كل هذه الحقوق التي أشرت إليها في خطبتك؟!

فقلت له: نعم وأكثر من ذلك، إلا أن الوقت المخصص للخطبة لم يتح لي الفرصة للحديث حول كل الحقوق بالتفصيل، وعلى أي حال سأهدي لك كتابًا فيه كل هذه الحقوق؛ وهو كتاب: (غير المسلمين في المجتمع الإسلامي) للعلامة فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، فتعجب وقال لي: وهل كل المسلمين يعلمون هذا الكلام؟!.. قلت له: من المفترض ذلك.

11 مسلما في ضيافة الكنيسة!

بعد تخرجي من الجامعة، وعملي كمعد للبرامج بالقناة السابعة بالمنيا، حصلت على دبلوم الثقافة الإسلامية من مركز الثقافة الإسلامية (معهد إعداد الدعاة) التابع لمديرية أوقاف المنيا، وتم الترخيص لي بالخطابة والدروس بمساجد المحافظة؛ وبينما كنت أجلس مع بعض شباب الجامعة بمسجد النور المجاور للكنيسة بقريتي، سألني أحد الشباب بالسنة الأولى في الجامعة عن موقفنا ودورنا كشباب مسلم إزاء ما يتردد عن قيام أقباط القرية ببناء مجمع كنسي كبير مكان الجمعية الصغيرة والقديمة التي كان يتعبد بها أقباط قريتنا منذ مائة عام.

عندئذ فكرت في فكرة جريئة؛ ورد عملي على هذا السؤال الذي طرحه الشاب؛ فقلت له وللشباب – وكان عددهم 11 شابا – سنقوم بزيارة واجبة؛ فألح علي الشاب لأرد على سؤاله، فقلت له انتظر ولا تتعجل، فخرجنا من المسجد، وعلى بعد أقل من 30 خطوة وقفنا أمام بوابة ضخمة للمجمع الكنسي الجديد؛ وطرقت الباب؛ فاستغرب الشباب وتعجبوا وتحفزوا؛ ماذا ستفعل؟، فقلت لهم لا بد أن نرد عليهم عمليًا!

فلما فتحوا لنا الباب؛ تعجب من فتح لنا الباب؛ وكان صديقا لي، وحارس مرمى فريق قريتنا لكرة القدم رضا جورجي، فبادرته ألا تدعونا للدخول؟، فأخذني بالأحضان، وقال: طبعًا طبعًا، فاستأذنته وأقسمت عليه ألا يرفض ما سأقدمه؛ وأخرجت ورقة بفئة 100 جنيه مصرية، أعطيتها لأحد العمال بالكنيسة ليذهب ويشتري لنا مرطبات وفواكه وشاي وسكر، إكرامًا للعمال الذين يبنون في الكنيسة!، فلما حاول أن يرفض نظر له الأنبا يوآنس القس المسئول عن الكنيسة بالرضا، فأخذ مني.

وحين رأيت الأنبا يوآنس واقفا في منتصف المكان وحوله عدد من شباب الكنيسة؛ توجهت إليه وسلمت عليه، ففعل الشباب الذين معي مثلما فعلت؛ وقلت له: جئنا لزيارتكم، وتهنئتكم على هذا البناء الجميل، الذي يزين واجهة قريتنا، فشكرني، وأحضر شباب الكنيسة الكراسي، وجلسنا قرابة نصف الساعة، تجاذبنا خلالها أطراف الحديث، واستأذنته في القيام بجولة مع الشباب لنتفرج على المباني الجديدة، فأذن لنا.

وما هي إلا أيام قليلة؛ وفوجئت بأحد الشباب يقول لي أن الكنيسة أرسلت سيارة نقل بها كمية من الأسمنت للمشاركة في بناء المعهد الديني الأزهري الذي نقوم بتأسيسه بالقرية، غير أن بعض الشباب يرفضون استلامها، بحجة أن مال الكنيسة مال حرام لا يجوز إدخاله في بناء المعهد الديني، فذهبت مسرعًا، واستلمت منهم الأسمنت وشكرتهم على هذه الروح الطيبة، فقال لي السائق؛ الأنبا يقول لك: خيرك سابق!

وتقرأ هنا كذلك: كل مر سيمر.. بإذن الله

قبطي يدعم حملتي الانتخابية!

في عام 1995م قررت عائلتي الدفع بي كمرشح للعائلة في انتخابات مجلس الشعب كمرشح مستقل؛ نكاية في مرشح الحزب الوطني، الذي يجلس على الكرسي لثلاث دورات كاملة، بعدما ورثه من والده!، ولأنني وقتها لم أكن أملك من المال ما يلزمني في الدعاية وخلافه، فقد قرر ابن عمي الدكتور ياسر نجيب، التكفل بمصاريف الحملة الانتخابية كاملة.

والشاهد هنا أننا عندما جلسنا لنضع خطة التحرك بين قرى المركز البالغة 66 قرية وعزبة ونجع وكفر، فوجئت بمن يطرق علينا الباب؛ فلما دخل وجدته أحد كبار رجال الأعمال بالقرية حنا جورج وهو من إخواننا الأقباط فتعجبت؛ وأخرج من جيبه ورقة بها أسماء القرى التي بها تواجد قبطي بالمركز، وعرض علينا أن يصحبنا في الأيام التي سنزور فيها هذه القرى بالتحديد، وبالفعل طاف معنا القرى، وبذل جهدا كبيرا في دعمنا.

كان يسهر معنا طوال الليل نفكر ونخطط سويًا، رغم البرد الشديد، ووقف بجواري يوم الانتخابات، وساندني بقوة، ورغم أن الله لم يكتب لي الفوز في الانتخابات، لكنني لن أنسى هذه المشاعر ما حييت.

بقلم: همام عبد المعبود

أضف تعليق

error: