الصرع.. بين الأطباء والرقى والاستنساخ

الصرع.. بين الأطباء والرقى والاستنساخ

«إسراء» تسأل: رسالتي في نقطتين: الأولى: لدي أخت 11 عاما، تشخيص مرضها هو:- mental handicap myoclonic epilepsy، ومن خلال اطلاعي قرأت عن الطب النبوي والعلاج بالقرآن الكريم والأعشاب والعسل وألبان وأبوال الإبل… وغيره وهو ما اتجهت إليه الآن كبرى دول تصنيع الأدوية حديثا.

وقرأت بعض أحاديث للرسول ﷺ في هذا المجال، منها:

  1. “ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء”.
  2. “الشِّفَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ: شَرْبَةِ عَسَلٍ، وَشَرْطَةِ مِحْجَمٍ، وَكَيَّةِ نَار،ٍ وَأَنْهَى أُمَّتِي عَنْ الْكَيّ”
  3. (فيما معناه) “ماء زمزم لما شرب له” (وماذا إذا شرب خارج مكة؟) صدق رسول الله ﷺ.

وقد قرأت العديد من معجزات الشفاء بالعسل بإذن الله. وهناك حديثان للرسول ﷺ يحيرانني:

1- “إن الله جعل لكل داء دواء؛ فتداووا، ولا تداووا بحرام”.. فما رأيكم في دواء أختي الذي يعتبر من المخدرات؟

2- حديث فيما معناه أن سيدة سألت الرسول ﷺ أن يدعو لها بالشفاء من الصرع، ثم خيّرها الرسول: إما أن يدعو لها، وإما أن تصبر ولها الجنة، فاختارت الثانية بعد أن دعا لها الرسول ﷺ بألا تتعرى (تنكشف) حينما تصرع. صدق رسول الله ﷺ. فهل معنى ذلك عدم وجود دواء نبوي للصرع. إني والله أحس أن أختي تموت ببطء حينما نعطيها يوميا هذه الكمية من الأدوية الكيماوية تحت إشراف طبيب استشاري الأمراض العصبية، والذي توصلنا معه إلى أفضل النتائج بعد الذهاب للعديد من الأطباء: 2 قرص Depakine chrono 500 mg 3 قرص Apetryl 5 mg ودورها فقط منع التشنجات (أي ليست علاجا للمرض ذاته) والوقعات التي أدت إلى انكسار عظمة الأنف وبعض الجروح. مع ملاحظة تأثير هذه الأدوية على باقي أعضاء الجسم كالمعدة والضعف العام؛ لأنها لن تأخذها لفترة معينة بل باستمرار.

أما النقطة الثانية: سمعت من مصادر معترف بها أن الاستنساخ ينقسم إلى شقين: الأول هو استنساخ الإنسان كاملا بإذن الله كما حدث مؤخرا، وهذا الشق حرام. أما الشق الآخر فهو استنساخ خلايا فقط، وهذا النوع يغني عن نقل بعض الأعضاء كاستنساخ خلايا الكبد وخلايا الجلد.. فهل هذه المعلومات صحيحة؟ وإن كان الشق الثاني حلالا فهل يمكن استنساخ خلايا للمخ تفيد في حالة أختي؟ فهل لحالة أختي من الطب النبوي والأعشاب والعسل.. ولو فقط كبديل لهذه الأدوية؟ وماذا عن الاستنساخ؟ وما هي الجهة (تناسب أسرة متوسطة اجتماعيا) التي ترشدني..؟

جزاكم الله خيرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

⇐ د. نرمين عادل كشك «اختصاصي الأمراض العصبية والنفسية» أجابت السائلة؛ فقالت: الأخت العزيزة.. أود في البداية أن أذكرك بما ورد عن النبي ﷺ قوله: “لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في جسده أو في ماله، أو في ولده حتى يلقى الله سبحانه وما عليه خطيئة” (رواه أحمد في مسنده عن أبي هريرة)، وأقول لك هذا أختنا لما ألمحه في رسالتك من نبرة يأس عجيبة، وتلك النبرة ألمحها جيدا في قولك: “إني والله أحس أن أختي تموت ببطء حينما نعطيها يومياً هذه الكمية من الأدوية الكيماوية”.

فبداية عزيزتي وإن افترضنا أن هذه الأدوية تندرج ضمن قائمة المخدرات؛ فإنها في حالة أختك لا تعطى بهدف المخدرات، ولكنها من باب التداوي، وليس ذنباً على الأطباء أو الطب نفسه أن أناسا استخدموها كمخدر وليس للعلاج، وهنا يستوقفنا حديث الرسول ﷺ الذي أوردته في نص رسالتك: “إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء؛ فتداووا، ولا تتداووا بحرام”. وأضيف لك قول ابن مسعود رضي الله عنه: “إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم”.

ولا عجب أن يحرم الإسلام التداوي بالمخدرات وغيرها من المحرمات كالخمر مثلا؛ فإن تحريم الشيء -كما قال الإمام ابن القيم- يقتضي تجنبه والبعد عنه بكل طريق.

ومع هذا كله فإن للضرورة حكمها في نظر الشريعة؛ فلو فرض أن الخمر أو المخدر أو ما شابههما تعين دواء لمرض يخشى منه على حياة الإنسان؛ بحيث لا يغني عنها دواء آخر ووصف ذلك طبيب مسلم ماهر في طبه، غيور على دينه؛ فإن قواعد الشريعة القائمة على اليسر، ودفع الحرج، لا تمنع من ذلك، على أن يكون في أضيق الحدود الممكنة {فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم} (الأنعام: 145).

فما قولك في هذا عزيزتي إن قلت لك: إن حالة أختك تقتضي هذه الضرورة؟

دعيني إذن أوضح لك الجانب الطبي للحالة؛ فلقد ذكرت لنا التشخيص الخاص بأختك وهو: mental handicap myoclonic epilepsy وكذلك ذكرت لنا أن أختك تتناول دواء الديباكين كرونو Depakine chrono والأبيتريل Apetryl، وهو العلاج المتوقع لمثل حالتها.

وما يحدث عزيزتي في حالات الصرع هو أن تكون هناك خلايا عصبية متصلة فيما بينها تصدر إشارات كهربائية زائدة وغير منتظمة في أحد مراكز المخ؛ مما ينتج عنه نشاط غير طبيعي ينعكس كاضطراب مؤقت في وظيفة ذلك المركز من المخ، وهذا ما يسمى بالنوبة الصرعية (Epileptic Seizure) وأي شيء يزيد من استفزازية الخلايا أو يحول دون تثبيطها من الممكن أن يؤدي إلى حدوث نوبة صرعية.

ودواء الديباكين يعمل على زيادة مادة بالمخ تعرف باسم الـGABA، وهذه المادة تعتبر مثبطا للنواقل العصبية (Inhibitory neurotransmitter) فتقلل من نشاط الخلايا العصبية الزائدة في نشاطها، والتي تتزامن مع حدوث النوبة الصرعية.

لذا فإنه يعتبر دواء علاجيا للحالة يمنع حدوث التشنجات والأعراض المصاحبة للنوبة، ولا يندرج تحت طائلة المخدرات نهائياً.

أما عن دواء الأبيتريل؛ فهو يعمل أيضاً على زيادة مادة الـGABA بالمخ، ولكن بطريقة مختلفة عن الديباكين، وهو يندرج تحت جملة المخدرات، ولكن للضرورة حكمها؛ فهذا الدواء يؤخذ لفترة معينة مرافقا للديباكين حتى نصل إلى الجرعة المناسبة من الديباكين، والتي يستمر عليها المريض بعد ذلك؛ فإن وصلنا إلى هذه الجرعة فإننا نبدأ في سحب الأبيتريل بالتدريج البطيء (Very slowly withdrawal).

وقد ذكرت بنفسك عزيزتي أنكم توصلتم إلى أفضل النتائج مع آخر طبيب استشاري أمراض عصبية تم عرض الحالة عليه، وهذا يؤكد صدق كلامي.

وما أود أن أوضحه لك عزيزتي هو أنه في حالة تخلي أختك عن هذه الأدوية فإن الأعراض الناتجة عن النوبة الصرعية قد تتسبب في الوفاة -لا قدر الله- فهذه الأدوية تقلل حدة الأعراض، ولك أن تعلمي أن شغلنا الشاغل وهدفنا الأساسي في التصدي لحالات الصرع هو تقليص العواقب الطبية لنوبة الصرع وتحسين حياة المرضى عن طريق تقليص احتمالات الإصابة، وأيضا عن طريق التخلص من الإحساس بالعجز الناجم عن الجهل والفهم الخاطئ لحالة الصرع والأسباب المؤدية له؛ فالمجتمع ينظر إلى مرضى القلب والربو والأمراض المزمنة الأخرى بالرأفة والعطف والاستعداد للمساعدة، ولكنه ينظر للمصابين بالصرع بالريبة والشك والخوف؛ فيتجنبهم، ويجعلهم في عزلة عنه.

ونتيجة لذلك يضطر المصاب بالصرع أو أقاربه الإبقاء على حالته سرا وفي طي الكتمان قدر الإمكان تجنبا لتلك النظرة الاجتماعية الخاطئة.

هذا بالإضافة إلى انتشار الفكرة الخاطئة عن الصرع بأنه شديد الأثر على المصاب، إلا أن واقع الأمر أن الصرع مثله مثل باقي الأمراض الجسدية الأخرى؛ فمنه الخفيف والمتوسط والقليل، ومنه الشديد.

وعن الشق الذي يتعلق بالطب النبوي والتداوي بالأعشاب والقرآن؛ فإني أراك مطلعة جيداً على الطب النبوي وما يحويه فيما يتعلق بحالة الصرع، وهذا في حد ذاته أمر جيد، ولكن ما ورد في الطب النبوي أوضح أن الصرع نوعان: صرع الأرواح وهو ما يعالج بالرقى والقرآن. والنوع الثاني هو صرع من الأخلاط الرديئة، وهو الذي يتكلم الأطباء في سببه وعلاجه، وحالة أختك عزيزتي هي من النوع الثاني الذي يحتاج إلى العلاج والمتابعة مع الأطباء، ولا بديل له من الأعشاب وفقا لآخر الدراسات في هذا المجال كما يجوز التداوي منه بالقرآن؛ التماسًا لبركته.

أما عما سمعته عن الاستنساخ فما هو إلا زوبعة إعلامية لم تثبت بأي دليل علمي؛ حيث لم يقدم القائمون بها أي أدلة تثبت استنساخ طفل آدمي.. فقط تصريحات دون أي أدلة.

أما الشق الثاني من سؤالك عن الاستنساخ فهو يطلق عليه “الخلايا الجذعية”، ولها مصدران: أولهما دم الحبل السري الذي يمكن الحصول عليه أثناء قطع الحبل السري عند الولادة، أو بتلقيح بويضات بحيوانات منوية داخل المعمل، وتركها تنمو إلى طور 32 خلية، وليس جنيناً كاملا. وفي هذا الطور تنمو تلك الخلايا لتصبح أي نوع من الخلايا المتخصصة Specialized Cell.

ورغم أن هذا كله ما زال في إطار التجربة المعملية فإنه يعد مستقبل التداوي للعديد من الأمراض، ولكن تقع المشكلة الحقيقية في مصدر تلك الخلايا؛ فخلايا دم الحبل السري ما زال العلماء يعانون من مشكلة في استخلاصها، كما أن خلايا الأجنة الملقحة تعاني من مشكلة أخلاقية؛ فهي أجنة لا تترك لتكتمل، ويبقى في النهاية الرأي الفقهي هو الفيصل في مشروعية ذلك.

⇐ كما يمكنك مطالعة الصفحات التالية لمزيد من الفائدة:

وأخيرا أختنا الفاضلة، هذا كل ما عندنا بخصوص هذه الحالة – أعطيناك إياه ولكن {ما عند الله خير وأبقى}.

وهذا هو مبلغ علمنا، أعلمناك إياه ولكن {فوق كل ذي علم عليم}؛ فادعي الله معنا لأختك العزيزة أن يلهمها الصبر و يأجرها خيرا على تحملها فالله عز وجل معها و حسبها “أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَه”، “إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَاب”.

وصدق الله العظيم في الأولى والآخرة.

أضف تعليق

error: