هل يُمكن للزواج أن يجمع بين الحب والشراكة والطموح؟

«مريم» تسأل: أنا نشأت وتربيت في الخليج طيلة حياتي، وننزل فقط في الصيف إلى الأردن.. متفوقة وملتزمة في دراستي ولي طموحات كبيرة أتمنى من الله أن يساعدني في تحقيقها.. أنا جامعية وأطمح إلى أن أكمل تعليمي العالي وأن أعمل في الجامعة كأستاذة.. وأريد أن أنجح على المستوى الأسري والزواجي والمهني والاجتماعي.

من المقالات التي في الموقع استفدت أن الإنسان يجب أن يضع هدفا له في الحياة على كل المستويات، لذلك أحد المستويات كان الزواج، أصبحت واعية لنقطة مهمة وهي أن الزواج يجب أن يقام على جناحين من العقل والعاطفة باتزان لكي ينجح، لذلك على مر الأربع السنوات كنت حريصة على أن أضع أهدافي وفلسفتي من الزواج وصفات الرجل الذي أريد أن أرتبط به.

كنت أقرأ المشكلات التي يواجهها الناس وكل يوم أدعو الله أن يجنبني المشاكل أو أن يهبني القدرة على حلها بذكاء ومهارة لكي أحظى بزواج ناجح… كنت أطبع المشكلات وأحللها وآخذ رؤوس أقلام وأكتب إلى أن كونت دفترا يلخص أفكاري ومبادئي من الزواج.

الآن تقدم لي الكثير من الشبان وكنت أرفض لأني لا أجد توافقا مع ما أريد من الأهداف العامة وما يريدون، على سبيل المثال يتقدم شاب في الثلاثين من عمره وقد جمع من المال ما يكفي لفتح منزل، يريد زوجة شابة جميلة وتتقن الطبخ وتربية الأولاد فقط.

كنت دائما أتساءل هل هذه هي مهنة الزوجة على مر العصور والأزمان.. فقد كنت أرفض ذلك قطعيا فالمرأة إنسانة قبل كل شيء من حقها أن تحلم وتكبر وتنجز.. أريد شابا ابني حياتي معه ويبني حياته معي، لا تظن أني أقول كلاما رومانسيا لأن هذا حقيقة ما أشعر به، أريد شابا يقبل بي كصديقة وشريكة حياة وحبيبة وأما ورفيقة درب، يحترم كياني كإنسانة لها أولويات وأحلام وطموح وأهداف، نبني معا البيت نتشارك سويا في المال والإنفاق ولا نتحاسب كالغرباء، أعتني به ويعتني بي.

أخي قد تزوج عن طريق موقعكم وهو الذي دلني على ذلك، ونصحني أن أستخدم هذه الطريقة إن كان لا تعجبني الطريقة التقليدية (ما يحدث هو أن الشاب يأتي وتجلس الفتاة معه مرة وإن كانوا كرماء مرتين وعليها أن تقرر، مع العلم أن في المرتين لا تستطيع أن تكون صورة عن هذا الإنسان الذي سوف تعيش معه العمر، وخلاص إما نعم أو لا)، فلذلك أخي قال لي إنه من الممكن أن أتعرف وأن أكتشف عدة جوانب إلى أن يأتي بالواقع وتطول مدة الاكتشاف والتأكد.. فرددت عليه واشتركت في موقعكم وتعرفت على شاب على الإنترنت (من خلال موقعكم للزواج) خلال المدة كلها تقدم الكثير ولكن كنت أرفض إما للجنسية أو المكان أو أن المواصفات لا تتناسب معي.

وكنت من خلال موقعكم بعد التجارب حريصة أن أبقي الموضوع في دائرة العقل فقط والتعارف.. الآن هذا الشاب وجدت به المواصفات الأساسية التي أريد ويريدها أهلي فهو من نفس بلدي ومتعلم ويعمل وغيرها الكثير.. فأعطيته فرصة.. ومرت الأيام كنا نتناقش في المفاهيم العامة والأساسية والجوهرية إلى أن وصلنا إلى مرحلة عالية من التفاهم، وكنت في الصيف سأسافر إلى بلدي فرأيته هناك بصحبة أحد من أهلي وأحسست بانجذاب نحوه، ومر الصيف وتقدم لأهلي ولكني آثرت الانتظار في اتخاذ القرار إلى أن أتخرج وأتأكد من الموضوع برمته.

هو شاب يكبرني بثلاث أعوام، عاش وتربى في بلده.. هو مهندس وفي بداية حياته، متزن وواعٍ وعاقل ويحبني ومعجب بأفكاري ومبادئي وحابب أن نطبقها معا، طبعا هو قال لي إن هذه الأفكار لم تكن بباله قبلي، ولكن عندما طرحتها أعجب بها وبي كثيرا وقال على سبيل المثال أن أكمل تعليمي العالي، فقال إنه لم يكن يفكر أن زوجته تريد ذلك ولكنها فكرة جميلة ومفيدة لكلينا وأنا سأدعمك لتحققي حلمك.

ولأني أدري أنه ربما عندما أكون عنده ربما يقول لي إن الأوضاع لا تسمح فأوجدت فكرة أنه وبما أنني في نهاية الفصل، وسأتخرج إن شاء الله وبما أن والدي يريد أن أكمل ولا يمانع أن ينفق على تعليمي طالما أنا لازلت تحت مسئوليته.. فقلت ألتحق بالماجستير وأنا عند أهلي لمدة سنة ونصف ثم أتزوجه ويبقى الدكتوراه أي الثلث الأخير من الطريق فيكون أسهل الموضوع وأكثر مرونة، فقال يخطبني وينتظرني إلى ما بعد سنة ونصف ويكون قد استطاع جمع مال وتحسين وضعه (مع العلم أن وضعه جيد) فيكون باستطاعتنا السفر.

هو يريد الهجرة وأنا أريد الهجرة من زمان، كنت أريد أن أرتبط بأحد مهاجر أو لديه الرغبة بالهجرة للدراسة والعمل لفترة من الوقت ونعود، فكان هو مخطط ويريد الهجرة وقال لي إنه إذا هاجر فسيكون بإمكاني أنا وأنت أن نكمل التعليم هناك، وهو يريد أن يكمل فقط الماجستير ليتطور في العمل وليس في باله أن يكون دكتورا بالجامعة لذلك لا يريد الدكتوراه وبينما أنا أريد أن أصبح دكتورة في الجامعة فهو يرى ضرورة الدكتوراه.

ولم ألحظ من تصرفاته أو كلامه أنه سوف ينظر للموضوع من منطلق المنزلة أو أنه كيف أنا دكتورة وهو ماجستير.. فهل تظن أنه سيؤثر في المستقبل؟ أو أنه طالما كلانا يرى الموضوع بعقلانية وأنها مجرد مهنة وحلم وعمل وليست مجرد مكانة اجتماعية أو مستوى مختلف.

تناقشنا في مواضيع كثيرة، كنظرته للمرأة، والقوامة والعمل والتوجهات السياسية والعلاقات الاجتماعية وتربية الأولاد، … والكثير الكثير، والحمد لله متفقين وإن اختلفنا نوجد طريقا مشتركا أو إما أن يقنعني أو أن أقنعه، هدفنا ألا نختلق الآراء الجميلة لنعجب بعضنا، وإنما حرصنا أن نعرف أكثر لنكون عائلة متفاهمة متزنة يملؤها العقل والعاطفة.

على المستوى العاطفي هو حنون وطويل بال مثل بابا، ومقدر لفكرة أني آخر العنقود وأهلي “مدلعيني شوي” (أنا صحيح مدللة ولكني والحمد لله مسئولة ومتزنة ومتفوقة في دراستي وملتزمة لكن أعتبر أن بابا عندما دللني فإنه أتقن دلالي والحمد لله).

لا يغضب بسرعة فقد جربته (فقط للتأكد وللتجربة) في مواضيع كثيرة و”استفززته” ولكن كل مرة كان هادئا ويحل الموضوع بطريقة جدا متفردة وجميلة… هو يحبني كثيـيـيـرا.. ولكن عندما تسأل عني إن كنت أحبه أم لا.. أجيبك قائلة إنني لا أعرف ربما أحبه ولكن أريد أن أستخدم عقلي حتى لا تطغى عاطفتي، أو أنني لا أعرف معنى الحب؟ ولكني أرتاح بالحديث معه وأشتاق له كثيرا.. أو ربما أنا أحبه كثيرا ولكني أخفي مشاعري.

سؤالي الآخر: هو عاش في دولة تختلف عن الخليج كليا، عاش في الضفة الغربية والمعروف أن الوضع مختلف هنالك كليا، وعلما أن أهله هناك (أنا عندي تصريح للدخول هناك ودخلت 3 مرات في حياتي عندما كنت صغيرة أي أنني بدون خلفية عن الحياة إلا من ماما التي تربت هناك وعاشت).. وأنا مواليد الخليج فهل ستكون هناك مشكلة؟ أو أنه طالما أننا واعيين للاختلاف ونحاول أن نوجد طريقا يجمعنا ونأخذ الأفضل من كل مكان؟ علما أنه الآن يعمل في الخليج وعقده لمدة 4 سنوات ونريد الهجرة بعد ذلك؟ وأيضا هل العمر مشكلة أم لا؟

الكل يردد و يقول كلما كان الفرق أكبر كان أحسن فالمرأة تكبر بسرعة وتهرم والرجل يبقى شابا.. وأنا أقول عاجلا أم آجلا كلانا سيكبر وطالما أننا نحب بعضنا فكلانا سيرى الآخر بأحسن صورة.. وكذلك الشاب الكبير يكون مستقرا ويريد الزواج للزواج فقط وأنا أريد أن أعيش الحياة ونغامر ونتعلم معا ونكبر معا ونرسم الأحلام سويا، لذلك أفضله من نفس جيلي وأظن أن 3 سنوات ليست سيئة.. لكن ما هو رأيكم؟

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أنا آسفة للإطالة.

الإجابـة

أهلا وسهلا بك.. وأشكرك على ذكرك لتأثير الموقع عليك في تغيير نظرتك إلى الأمور، إذ إن كل ما نتمناه هو وعي أكبر لشبابنا وبناتنا الذين هم عماد المستقبل.

بالنسبة لمواصفات هذا الشاب، فمن الجيد أنه حاز على موافقتك وموافقة أهلك معا، فهناك كثير من الأمور المشتركة بينكما حسب ما وصفت في رسالتك، لكن ما أنبهك له هو أن الإنسان كائن قابل للتغير بشكل كبير، والمثال الذي أضربه لك هو من كلامك عندما ذكرت تغير نظرتك للأمور نتيجة الاطلاع على صفحتنا، فهذا إذا كان تغيرا إيجابيا فهناك بعض الناس يتغيرون بشكل سلبي.

ومن هنا فإن كل كلام بينك وبين هذا الشاب ليس معناه أنه سوف يتحقق، ولذلك إذا كنت مصممة مثلا على إنهاء الدكتوراه فعليك أن تتأكدي من موافقة هذا الشاب على ذلك أمام شهود، سواء من أهلك أو أهله، وقد يتحرج بعضهم أو بعضهن من ذكر الشروط بتفاصيلها في عقد الزواج، فيمكن أن تكون شفهية بين ولي أمر الفتاة وزوج المستقبل.

وهنا يجب أن أنبهك إلى أن المشكلة في الزواج ليست في زواج حاملة للدكتوراه، وبين زوج مكتف بالماجستير بل هي في طريقة نظرهما إلى حياتهما المستقبلية المشتركة، فإذا اعتبر الزوجان أن طموح أحدهما يعني طموح الآخر، وذلك لأنهما أصبحا شخصا واحدا، فهذا سبب كبير لنجاح هذا الزواج، أما إذا كانت الأنانية طاغية على الهدف المشترك فاقرئي السلام على زواج كهذا!.

وبما أنك تقولين أن آراءكما متفقة تقريبا، وليس لديه هو عقدة من كون شهادتك أعلى منه، فلا يوجد مشكلة، لكنها سوف توجد عندما يأتي طموح أحدكما على حساب الآخر أو على حساب الأسرة وخاصة الأبناء، ولذلك فلا يكفي أن تخططي للزواج الناجح، لكن يجب أن تخططي لإنجاب الأطفال ورعايتهم دون أن يؤثر ذلك على إكمال دراستك، وكذلك يجب أن تعلمي أن الأمومة هي مهمة المرأة المتزوجة في حال وجود الأطفال، وأن الطفل في عامه الأول يحتاج تفرغا كاملا من الأم، خاصة إذا لم تجد من يساعدها في تربية الطفل كأن تكون والدتها بجانبها، وأنت تفكرين بالهجرة فابحثي في أمرك جيدا وتذكري أن الطموح جميل ورائع لكن يجب ألا يكون فوق الإمكانيات.

أنت تتساءلين إن كنت تحبينه، مع أنه واضح من كلامك أنك تحبينه، ويكفي عبارة (شعرت بالانجذاب له) لتدل على ذلك، فما هو الحب إذا لم يكن أساسه الانجذاب يا آنستي؟

سؤالك هذا يجعلني أخترق بعض الحجب التي حاولت أن ترسميها حول نفسك، وأنك تنظرين إلى الأمور بعقلانية تامة، فأذكرك أن الأنثى يجب أن تكمل نقص الذكر، وجفاف العقل لا يخفف من غلوائه إلا العاطفة، وأنا أعتقد أن الأنثى لا تستطيع جذب رجل طبيعي إن لم يكن لديها من الأنوثة ما يشعر أنه سيكفيه لآخر حياته، ولا أنوثة بدون حنان، والحنان ليس عقلانيا.

لذلك وازني بين عقلك وقلبك جيدا، وتأكدي من مشاعرك تجاه هذا الشاب إذا كنت غير موافقة على كلامي أعلاه، أي إذا كنت مصرة على أنك عقلانية فقط، ولا يبدو لي أنك كذلك خاصة ما ورد في تساؤلاتك عن الحب وأنك ربما لا تعرفين ما هو، والصحيح هو ما قلت (ربما أنا أحبه كثيرا و لكني أخفي مشاعري).

البيئة التي نشأت بها غالبا مختلفة عن بيئته الأصلية، لكن ليس بالضروري أن يكون الفرق كبيرا، خاصة مع ذكرك أن أحواله المادية جيدة، وكذلك مع عمله في البلد الخليجي الذي ولدت فيه، وإن كان الدلال الذي تمتعت به سوف يقل كثيرا بعد الزواج لأن الأب ليس كالزوج يا عزيزتي، ولن تكوني طفلة مدللة بعد اليوم، بل سوف تتحملين مسئوليات الزواج، ولكن ما دام الحب موجودا والوعي قائما –كما تقولين– فلا مشكلة أبدا لأن الزواج مملكة عمادها قلوب محبة وعقول واعية.

بالنسبة لسؤالك الأخير عن فرق 3 سنوات بينك وبينه، فأوافقك على ما ذكرت ولكن ليس معنى ذلك تعميم هذا الرأي على الجميع، فهذا رأيك أنت فما هو رأيه هو؟ إذا كان مقتنعا بهذا الفارق العمري، فمعنى ذلك أنكما متفقان، ولا يخشى عليكما إلا الآراء “الفصيحة” التي تأتي من خارج اتفاقكما فانتبهي لها.

أخيرا أوافقك أيضا على أن رسالتك ليست لطلب نصيحة بقدر ما هي نوع من فضفضة مشاعر ومخاوف سطحية جدا، فأكملي قناعاتك بصلاة الاستخارة وتوكلي على الله.

⇐ هذه أيضًا بعض الاستشارات السابقة:

⇐ أجابتها: ليلي أحمد الأحدب

أضف تعليق

error: