خطبة عن محاسبة النفس وثمراتها

تمت الكتابة بواسطة:

خطبة عن محاسبة النفس وثمراتها

ما أحوجنا لأن نستمع من خطيب الجمعة لخطبة عن محاسبة النفس؛ تِلك التي يفتقدها الكثيرون مِنَّا. وعمومًا.. خطبتنا اليوم تأتيكم مكتوبة كاملة؛ فضلا عن التنسيق الجيد للمحتوى من حيث العناوين الفرعية والعناصر والفقرات المُنظَّمة.

مقدمة الخطبة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلوات ربي وسلامه عليه.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا | يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.

الخطبة الأولى

أما بعد فيا عباد الله ﴿اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.

سنتحدث في هذه الخطبة عن محاسبة النفس، وعن حكمها، وعن وسائلها، وكيف يحاسب المسلم نفسه؟

محاسبة النفس

محاسبة النفس يا عباد الله واجبة، قال ابن الجوزي -رحمه الله-: الأصل في وجوب محاسبة النفس قوله ﷻ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾.

وقال النبي ﷺ «الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت».

هذا الحديث رواه الترمذي وحسنه، وبعض أهل العلم ضعف هذا الحديث، ولكن له أصل من الكتاب والسنة ومعناه صحيح «الكيس من دان نفسه»، أي من حاسب نفسه.

والمؤمن يا عباد الله إذا ذكر تذكر ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾.

ثمرات محاسبة النفس

ومن ثمرات محاسبة النفس يا عباد الله أن يطلع الإنسان على تقصيره وتفريطه في حق الله ﷻ فيحدث له رجوعًا وتوبة وإنابة إلى خالقه ﷻ.

وهذا من ثمرات محاسبة النفس، أعني التوبة أيضا، فيتوب المسلم من تقصيره ومن تفريطه بحق الله ﷻ ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ﴾.

فإذا نظر المسلم إلى عام كامل ماذا عمل فيه من الحسنات؟ وماذا اجترح من السيئات؟ فإن رأى خيرا حمد الله ﷻ وأثنى عليه لأنه هو الذي وفقه وأعانه وسدده، وشرح صدره فقام بعبودية الشكر لله ﷻ.

وتزود من الخير لأنه يعلم أن خير الزاد التقوى ﴿وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ﴾.

وإن رأى تقصيرا في حق الله ﷻ رجع وأناب إلى خالقه ﷻ، وأخذ العهد على نفسه أن يعمل الصالحات في عامه الجديد، أن يُقلع عن المعاصي التي قد اجترحها، ويعلم من نفسه.

ويقول بمشيئة الله، يعقد العزم ويستعين بالله ﷻ، ويسأل الله الإعانة والتوفيق على التخلص من هذه الذنوب وهذه المعاصي.

الانكسار بين يدي الله

ومن ثمرات المحاسبة يا عباد الله الانكسار بين يدي الله ﷻ، فإذا رأى المسلم تقصيره بحق الله ﷻ انكسر قلبه ودمعت عينه إجلالا وهيبة وتعظيما لله ﷻ لأنه يعلم أنه سوف يقف بين يدي الله ﷻ.

ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه، ليس بينه وبينه ترجمان، ويذكره بأعماله وتقصيره فينكسر بين يدي الله.

والانكسار يا عباد الله بين يدي الله من أعظم مقامات العبودية، تحدث عنه ابن القيم -رحمه الله ﷻ- في كتابه القيم “مدارج السالكين” فالإنسان إذا رأى ذنوبه وذرفت عيونه، قد يكون هذا الذنب سببا لدخوله الجنة كما قال بعض السلف: يدخل الرجل بالطاعة النار، ويدخل بالمعصية الجنة.

قالوا: كيف يرحمك الله؟ قال يعمل الطاعة فيُعجب بنفسه، فلا يساوي هذا العمل عند الله شيئا، ويعمل الذنب فيستغفر ويتبع الذنب الحسنات الكثيرة ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾.

وتدمع عينه، ويكون هذا البكاء حجابا له عن عذاب الله جل وعلا.

من ثمرات محاسبة النفس.. زوال العجب والغرور

ومن ثمرات محاسبة النفس يا عباد الله زوال العجب والغرور عن النفس، فإذا رأى المسلم أنه مقصر ممن قصر في حق الله ﷻ فإن العجب يزول عن خاطره وعن قلبه، ويعلم أنه شارك الناس بتقصيرهم، وتفريطهم.

فلا يرتفع عن أحد من خلق الله ﷻ لأن بالنفس من الأدواء المهلكة للعبد وهو لا يشعر بها.

ومن ذلك يا عباد الله أي من ثمرات محاسبة النفس أن الإنسان يستعد للقاء الله ﷻ لأنه سوف ينتقل من هذه الدار، وسوف يسأل عن كل صغيرة وكبيرة.

طريقة محاسبة النفس

أما طريقة محاسبة النفس فقد قال القيم -رحمه الله- ينظر بالأمر الأول، ينظر إلى الفرائض، ينظر إلى الفرائض هل أداها على الوجه الأكمل.

انظر يا عبد الله إلى أركان الإسلام الخمسة، حقق التوحيد في نفسك، واحذر كل الحذر مما يناقض التوحيد، أو ينقص أجر التوحيد.

فمن الناس من يقول لا إله إلا الله، وقد يذهب ويدعو غير الله ﷻ، أو يأتي بما يناقض التوحيد، من أن يصرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله ﷻ.

﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء﴾.

احذروا من الرياء

ويحذر من شائبة الرياء، إذا عمل طاعة من الطاعات يحذر من هذه الشائبة، من التسميع، أن يسمع غيره، ويريد بذلك أن يبين عمله للناس، ويعدد أفعاله التي قام بها.

نعم يا عباد الله، وكذلك ينظر إلى الصلاة، هل أنت أخي المسلم ممن يحافظ على الصلاة في أوقاتها؟ بشروطها وأركانها وسنن أقوالها؟ فقد جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر «بني الإسلام على خمس: شهادة:أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة».

تأملوا معي يا رعاكم الله «وإقام الصلاة» ولم يقل: وأداء الصلاة، لأن الصلاة لا بد من أن يقيمها المسلم بأركانها وشروطها، ويحضر إلى المسجد بقلبه وبدنه ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ | الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾.

هل أنت ممن يحافظ على صلاة الجماعة؟

هل أنت ممن يحافظ على صلاة الجماعة؟ هل أنت ممن يصلي الفجر مع جماعة المسلمين؟ ممن يترك لذة النوم والفراش إجلالا وتعظيما، واستجابة لله -جل في علاه-.

نعم، ثم ينظر إلى باقي أركان الإسلام، هل أنت تؤدي زكاة المال في وقتها؟ لأن الزكاة لا يجوز تأخيرها عن وقتها، ويجوز تقديمها.

وهل أنت كذلك ممن أدى فريضة الحج؟ وصام شهر رمضان على الوجه الأكمل في العام المنصرم.

أحمد ربك يا عبد الله، يا من وفقك لذلك، وتزود، ويا من قصرت فيما سبق، عليك بمراجعة نفسك والاستعداد فيما بقي من عمرك أن تستغله بطاعة الله ﷻ.

ثم تنظر بعد ذلك إلى المعاصي، إلى المناهي التي نهى الله عنها ونهى رسوله الكريم -عليه الصلاة والسلام-.

هل أنت يا أخي المسلم ممن إذا سمع قال الله وقال رسوله استجاب لأمر الله بالفعل، وإذا سمع النهي اجتنب النهي واستقام على أمر الله ﷻ.

نعم ينظر الإنسان هل يقع بالحرام؟ هل يتكلم بالحرام؟ هل أطلق لسانه بالسب والشتم والغيبة والنميمة والسخرية والاستهزاء؟ «من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه، أضمن له الجنة».

هذا اللسان يا عباد الله هو الذي يُفرق الحسنات، يجتهد المسلم بالعبادات ثم يفرق حسناته على الناس.

طهر قلبك من المعاصي والذنوب

ومن الغبن يا عباد الله أن تجد طاعاتك يوم القيامة في ميزان غيرك، انظر إلى معصية الله ﷻ، انظر إلى معاصي القلوب، طهر قلبك من سائر الأمراض، من الحقد والغل والحسد وسائر الأمراض يا عبد الله.

وعليك أخي المسلم وأنت أدرى بنفسك أن تحاسب نفسك في كل وحين، ثم يحاسب الإنسان نفسه عن الغفلة، عن الغفلة عن طاعة الله.

يتوسع بعض الناس في المباحات، ويفوت على نفسه كثير من الطاعات.

انظر إلى حالك يا عبد الله مع أبيك، انظر إلى حالك مع أمك، ماذا قدمت لوالديك من البر والإحسان، سواء كانوا من الأحياء أو من الأموات فهم بحاجة ماسة إليك وأنت تقدم لنفسك والجزاء من جنس العمل.

والوالد والوالدة عليك أن تتودد إليهما بما تستطيع من القول ومن الفعل وتعلم أنهما بابان إلى الجنة، إذا مات أحدهما أغلق باب.

انظر إلى حالك مع أقاربك، انظر إلى حالك مع خالاتك وعماتك وأعمامك وجميع أرحامك.

انظر إلى حالك مع جيرانك، انظر إلى تعاملاتك مع الناس جميعا، هل أنت تحب لهم كما تحب لنفسك؟ «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».

علينا أيها الأحبة أن نحاسب أنفسنا ومن حاسب نفسه يا عباد الله فإنه لا شك ولا ريب أن أموره سوف تكون إلى أفضل.

أما من لا يحاسب نفسه، كيف يطلع على تقصيره؟ وتفريطه في حق الله ﷻ.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

وهنا: خطبة عن الكسب الحلال وتجنب الحرام

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا يليق بجلال الله وعظمته، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

جالس الأخيار الذين يذكرونك بالله

أما بعد فيا عباد الله مما يساعدنا على محاسبة النفس أن يجلس الإنسان مع الأخيار الذين يذكرونه بالله، الذين إذا رأوا منه طاعة شدوا على يده وأعانوه وساعدوه على أدائها وإكمالها.

وإن رأوا منه تقصيرا ذكروه بالله ﷻ، ومما يساعده أن يحضر الدروس العلمية، والمحاضرات التي تقام هنا وهناك، والوسائل الآن ولله الحمد انتشرت.

والمؤمن كما قلنا يتذكر، عليه يجعل له برنامجا مع تفسير كتاب الله ﷻ، يتدبر القرآن.

والقرآن يا عباد الله به حياة القلوب، يرى المسلم فيه ويقرأ آيات الوعد والوعيد، وصفات رب العبيد وأخبار القصص، وأخبار الأنبياء الماضين، وما حصل لهم من العبر.

ويعلم أنه في يوم من الأيام سيكون في الأثر، ويذكر كما ذكر غيره، نعم يا عباد الله.

زيارة المقابر تعين على محاسبة النفس

فعليك أيضا أن تزور المقابر فإنها تعين على محاسبة النفس وعدم التمادي في الخطأ، قال نبينا ورسولنا -عليه الصلاة والسلام- «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة».

وتقرأ أيضًا: خطبة جمعة عن التوبة وفضائلها – قصيرة

الدعاء

  • اللهم يا حي يا قيوم، يا حليم يا عظيم، يا سميع يا بصير نسألك أن تغفر لنا فيما مضى.
  • اللهم اغفر لنا في تقصيرنا وتفريطنا.
  • اللهم بدل سيئاتنا حسنات يا رحمن يا رحيم يا ودود يا لطيف.
  • اللهم يا حي يا قيوم نسألك أن تجعل هذا العام المقبل عام عز ونصر وتمكين للإسلام والمسلمين.
  • اللهم انصر دينك يا رب العالمين، اللهم يا حي يا قيوم اجعل هذا العام فيه من الفرح والفرج والشفاء لجميع المسلمين.
  • اللهم اجمع كلمة المسلمين، اللهم وحد قلوبهم، وأصلح ذات بينهم يا رب العالمين.
  • اللهم اشرح صدورنا يا حي يا قيوم بعز الإسلام والمسلمين في كل مكان.
  • اللهم يا حي يا قيوم استعملنا فيما يرضيك.
  • اللهم سدد أقوالنا وأعمالنا.
  • اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
  • اللهم إنا نسألك من خير ما سألك منه رسولك محمد ﷺ، ونعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبدك ورسولك محمد ﷺ.
  • اللهم يا حي يا قيوم نسألك في هذا العام المبارك أن تدحر الكفر وأهله، اللهم عليك يا حي يا قيوم بالظالمين، اللهم يا حي يا قيوم لا تحقق لهم غاية، ولا تقم لهم راية، اللهم اجعل كيدهم في نحورهم.
  • الذين يخططون للنيل من الإسلام والمسلمين اللهم أبطل كيدهم، واجعله في نحورهم، واجعل بأسهم بينهم شديد، وخالف بين قلوبهم، ومزق كلمتهم يا قوي يا عزيز.
  • يا رحيم يا ودود، ارحم المستضعفين في كل مكان من إخواننا المسلمين، يا رب عجل بفرجهم، واجعل هذا العام عام خير على جميع المسلمين.
  • اللهم ارحم نساءهم وأطفالهم وشيوخهم، واعدهم يا رب إلى بلادهم آمنين سالمين.
  • يا رب من أرادنا أو أحدا من المسلمين، أو أراد بلادنا أو أمننا بسوء أو سائر بلاد المسلمين اللهم أبطل كيده، اللهم اجعله في نحره يا رب العالمين.
  • اللهم احفظ علينا ديننا وأمننا واستقرارنا يا رب العالمين.
  • اللهم وفق ولاة أمرنا وارزقهم الجلساء الصالحين الناصحين يا حي يا قيوم.
  • اللهم كما جمعتنا في بيتك اللهم اجمعنا في أعلى الجنان مع سيد الأنام -عليه الصلاة والسلام-.

اللهم صل وسلم على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

وأقِـم الصلاة..

وبعد؛ فقد قدمت لكم يا أحباب خطبة عن محاسبة النفس وثمراتها. والتي ألقاها فضيلة الشيخ د. عبدالعزيز الفايز -جزاه الله خيرا-. وهذه أيضًا خطبة ﴿ففروا إلى الله﴾ مكتوبة. نسأل الله ﷻ أن تنتفعوا بكل ما نقدمه لكم من خطب ودروس ومحاضرات دينية طيبة.


التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: