مرض التدخل في شؤون الآخرين «جميعهم يقرر.. إلا أنت»

كثرة المجالس والملتقيات الاجتماعية في حياتنا تجعلك تصادف أشخاصا للمرة الأولى، وقد تتكرر مصادفتك لهم رغم سطحية العلاقة. جميل أن تنوع في علاقاتك وتوسع دائرة معارفك حتى يتمزق محيطها، لكن في هذه الجلسات يجب أن تحافظ على حلمك وصبرك لأنك ستكون عرضة لسيول من النصائح والأفكار التي يغدقون عليك بها، فمعظم من حولنا خبراء في كل شيء وأي شيء ويشعرون بمسؤولية تجاهك؛ لذلك عليهم نصحك وتوجيهك حتى وهم يجهلون من أنت وما رغباتك وميولك!

فإذا كنت حديث التخرج من الثانوية العامة، فالكل سينصحك بالالتحاق بتلك الجامعة دون سواها والانخراط في ذاك التخصص لا غير، وإن كنت حديث التخرج الجامعي فالكل سينصحك بأن تلتحق بتلك المنشأة التي توفر لموظفيها قائمة طويلة من المزايا والفوائد وكأنك أنت من ستقوم بتوقيع قرار توظيفك فيها.

وإن كان المجلس نسائيا فلك أن تتخيل وتجمح بخيالك حول سيل النصائح للمتزوجة حديثا يحشون بها عقل تلك السيدة الصغيرة، وإن رغبت في الإنجاب فالكل يأمرها بالإنجاب سريعا حتى تنتهي من هذه المهمة بسرعة وتتفرغ لنفسها من جديد، وإن كانت أما لفتاة طالبوها بتعجيل الولد وإن كانت أما لولد تفهموا بتعاطف شديد رغبتها في طفلة جميلة تلون البيت بألوان أنثوية.

نحن نفتي في كل شيء ونفهم كل شيء ونعطي النصائح ونحلف بأسمائه الكريمة على جدوى ما نقول ونغدق على المستمع بالأفكار مؤمنين ومقتنعين أنها في قمة الفائدة رغم جهلنا بمن نقدم لهم هذه النصائح وجهلنا برغباتهم، ورغم خصوصية المواضيع المطروحة وحساسيتها، فالبقال وسائق التاكسي وأبناء عمومتك من الجد التاسع عشر لن يكفوا عن تقديم النصح وإزعاجك!

سابقا كانت النصيحة بتجمل، إذ تأتيك من أهل الحكمة وأصحاب الخبرات، ولأجل النصيحة يبذل الإنسان الغالي والنفيس أما الآن فقد أصبحت سهلة، سريعة، متوفرة في كل مكان كما تتوفر لك مطاعم الوجبات السريعة وقريبا ستكون متوفرة بطرق سهلة التحضير على أرفف أقرب سوبرماركت.

بقلم: روان الوابل

أضف تعليق

error: