صراع بين مشاعري ومبادئي

صراع بين مشاعري ومبادئي

«زاهر» يسأل: البداية أنا شاب ملتزم والحمد لله محسوب على التيار الإسلامي بالجامعة ولي نشاط مميز بفضل الله وبنعمته، ولي عملي التجاري الخاص، ومن عائلة ملتزمة.

منذ ما يقرب من ست سنوات تعرفت إلى بعض أصدقاء السوء ومن خلالهم بدأت تكوين علاقات مع بعض البنات، وخلال كل تلك المدة أحيانا كثيرة كنت أشعر بالذنب وبالتقصير في حق ربي فأبتعد وأقاطع كل من أكلمهم وأتوب، ثم تضعف نفسي أمام وساوس الشيطان فأعود وهكذا مرة وراء المرة مع حرصي الشديد ألا يعلم أحد بما أفعل حتى لا أكون مجاهرا بالمعصية وحتى لا أسيء إلى إخواني وأهلي وأكون رمزا سيئا للإلتزام.

في بداية تلك الفترة أي من حوالي خمس سنوات تعرفت على فتاة من ضمن من تعرفت عليهم وهي الوحيدة التي استمررت معها طوال تلك المدة -أقصد في الفترات التي كنت أنصاع فيها لهوى نفسي- وهى أول من كنت أتصل بها فقد كنت أجد نفسي مرتاحا كثيرا لها وكانت هي أقربهن إلى قلبي وعقلي.

ولقد تطورت علاقتي معها كثيرا، فقد شابهنا المتزوجين كثيرا ولكن دون جماع، وظللت على هذا المنوال أكلمها (هي وغيرها)، ثم أشعر بالذنب فأقاطعهن جميعا ثم أعود إما تحت ضغط هوى نفسي أو تحت ضغط اتصال من هذه أو تلك إلى أن من الله علي بالتوبة النصوح والحمد لله، وابتعدت عنهن جميعا، وغيرت رقم هاتفي على الرغم من الصعوبة الشديدة لذلك؛ بسبب طبيعة عملي المعتمدة على الهاتف، وغيرت مواعيد تواجدي في عملي وكذلك بالجامعة بحيث لم يبق منفذ لإحداهن للوصول لي، والحمد لله أنا مستمر على هذا الحال منذ عدة شهور.

ولكن تبقى مشكلة الفتاة فهي أكثرهن أذى ببعدي عنها فهي تحبني كثيرا -وكذلك أنا- وهي أكثرهن التي أشعر تجاهها بالذنب بسبب ما حدث بيننا، هي الوحيدة التي ما زالت تحاول الوصول لي إلى الآن وأنا لا أعطيها الفرصة.

أنا وبفضل الله قادر على البدء في مشروع الزاوج ولكني كنت أؤجل تلك الخطوة لحين الانتهاء من الدراسة، ولكن مع اشتياقي الشديد لها ومع علمي بحالها في بعدي عنها فكرت في أن أتقدم لخطبتها، ولكن ظهرت أمامي مشكلة وحيدة وهي تكمن في الفتاة نفسها، ليس بسبب ما حدث بيننا فأنا واثق تمام الثقة بأن ما حدث ليس لسوء خلقها ولكن لضعف منها تحت ضغط مني ومن الشيطان وأنها لم تفعل ذلك مع غيري والله أعلم.

لكن الحقيقة أن الحب وحده لا يكفي كمعيار للزواج؛ فالرسول عليه الصلاة والسلام أمرنا أن نظفر بذات الدين، وهنا كان لابد لي أن أقف وأقيم مع نفسي؛ هل هي فعلا ذات دين -وأعود وأكرر ذلك ليس بسبب ما حدث بيننا- ولكن أنا هنا أقيم على أساس الدين كمعيار شامل فوجدت للأسف أنه لولا حبي لها وحبها لي وما حدث بيننا فإنني لم أكن لأفكر فيها كزوجة نهائيا، فملابسها ليست بالزي الإسلامي، تسمع وتشاهد الأغاني، نشأت وتربت في بيئة تبيح الارتباط (الحب) بين الولد والبنت، لا تصلي إلا قليلا، لا تقرب القرآن، اختلفت معي كثيرا عند مشاركتي في المظاهرات المنددة بالعدوان على غزة الحبيبة، فقد أصبت إصابة بسيطة من رجال الشرطة فرأت هي أن مشاركتي نوع من العبث الذي لا يجدي والأولى كان عدم المشاركة في سبيل المحافظة على نفسي.

فحين كنت أرى أنا ومازلت أن المشاركة واجب شرعي من ضمن واجبات أخرى تجاه إخواننا وأني لست أعز على الله من رسوله محمد ﷺ فلا أؤذى في سبيله.

هي تحلم بالفرح الذي ترقص وتفرح فيه في حين أني أحلم بالفرح الإسلامي الجميل الذي يضرب المثل في الفرحة التي لا تغضب الله عز وجل؛ أنا الآن في حيرة من أمري.. هل أتقدم لخطبتها أملا من الله عز وجل أن يساعدني في أن أغيرها وأن أكون سببا في هدايتها؟ فمن خلال قربي منها أستطيع أن أحكم بأنها إنسانة طيبة نقية من داخلها وهي بحبها لي لا تعصي لي أمرا وخصوصا لو عدت لها الآن (كخطيبة) فستقبل بكل ما أطلب باقتناع أو بغير اقتناع، أم أنساها وأدعو الله أن يوفقني للزوجة الصالحة.

آسف إن كنت أطلت عليكم ولكن حتى لا أغفل شيئا قد يؤثر على رأيكم فأرجو إفادتي علما بأني أثق بكم كثيرا وسآخذ بما سوف تنصحونني به، وأنني لم أستشر غيركم فلا أجد في نفسي الجرأة لأحكي لأحد من أهلي أو إخواني عسى أن تكون زوجتي يوما ما.

وجزاكم الله خيرا

الإجابـة

أخي الكريم.. سأبدأ حديثي معك بأهم رسالة أتمنى أن تفهمها جيدًا لتساعدك على الوصول للقرار الحكيم، وهي:

لا تقبل أبدًا على الارتباط بفتاة إلا إن كنت مستشعرًا من أعماقك بمنتهى الرضا والاقتناع بها كشريكة لحياتك، ورفيقة لعمرك، وأم لأولادك، لا تقبل أبدًا على الزواج من فتاة (مدفوعًا) بالشعور بالذنب تجاهها أو (آملاً) أن تغير شخصيتها وتفكيرها، أو (مطمئنًا) إلى طاعتها لك عن اقتناع أو غير اقتناع كما تقول في رسالتك.

(الشعور بالذنب) لا يصلح كدافع للزواج -ببساطة- لأن كليكما أخطأ في حق الله وفي حق نفسه، وفي حق الآخر، وكل تلك الأخطاء اشتركتما فيها معًا، والحل هنا هو أن يتوب كل منكما -بنفسه- لله عز وجل، فأنت لم تغتصبها مثلاً أو تُجبرها على شيء ضد إرادتها، وإنما تطورت الأمور بينكما، وهي في كامل وعيها، ولذلك عليها أن تتحمل نتائج هذه الخطايا، ولا معنى أبدًا لشعورك بالذنب تجاهها، وليس من المنطق أن تندفع نحو الزواج منها تحت تأثير هذا الشعور بالذنب.

وكذلك (الأمل في تغيير شخصيتها) لا يصح أبدًا أن يكون دافعًا للزواج؛ لأن الزواج مبني على (القبول)، أي أنك حين تتزوج بفتاة إنما تتزوجها (هي نفسها) ولا تتزوج صورة أخرى لها في خيالك تحاول أن تصل إليها، وتضع نفسك وتضعها تحت ضغط لتصل لهذه الصورة التي في خيالك، والتي قد تصل لها وقد لا تصل (وهذا هو الأغلب).

لا أحد يغير أحد، ولا تطمئن كثيرًا إلى وعودها لك بأنها ستطيعك عن اقتناع أو غير اقتناع؛ لأنها لن تستطيع أن تلتزم بهذا إلا لفترة مؤقتة، وأمامي عشرات القصص لزوجات وعدن أزواجهن وعودًا منافية لشخصياتهن، ورغباتهن، والتزمن بالفعل بهذه الوعود لفترة، ثم انتكسن وعُدن لشخصياتهن الحقيقية.

أكرر مرة أخرى: لا تقبل على الزواج بدافع الشعور بالذنب أو بدافع الأمل في تغيير شخصيتها، أو بدافع الاطمئنان إلى أنها ستطيعك عن اقتناع أو غير اقتناع.

قد تتعجب إن قلت لك أنني لا أقصد بكلامي هذا أن أنصحك بتركها!! أنا فعلاً لم أقصد أن أوجهك لتركها أو للتمسك بها!! وإنما أنا أدعوك أن تسأل نفسك سؤالاً: ما هو مدى اقتناعك ورضاك بها كزوجة؟

فإن وجدت في نفسك الرضا والاقتناع دون دافع الشعور بالذنب أو الأمل في أن تتغير أو الاطمئنان لطاعتها لأفكارك، إن وجدت في نفسك هذا فتزوجها فورًا.

وهناك نماذج كثيرة فعلت هذا ونجحت، ربما تجد شخصًا مسلمًا متدينًا متزوجا من مسيحية!! ولا يجد غضاضة في أن يذهب هو يوم الجمعة للمسجد وتذهب هي يوم الأحد للكنيسة، وهو متقبل لها تمامًا، ويحترم حُسن أخلاقها، أو رجاحة عقلها، أو… أو..

أما إن لم تجد في نفسك هذه القناعة فلا تظلمها أو تظلم نفسك أو تظلم أولادك بالارتباط بها.

تتبقى لي ملحوظة أخيرة: كما أن (الحب) وحده لا يكفي للزواج، كذلك فإن (الاقتناع العقلي) وحده لا يكفي أيضًا، لذلك إذا لم يقدر الله تعالى لتتم هذه الزيجة، ثم بدأت تبحث عن الزوجة الملتزمة الكفء لك فكريًا، ودينيًا، يجب أن تتأكد من وجود حد معقول من الإعجاب، والقبول بينكما؛ لأن (الاقتناع العقلي), (التكافؤ الفكري) ليس له معنى إلا في وجود (تواصل نفسي) و(ارتياح عاطفي).

وأخيرًا.. لا تنس الدعاء والاستخارة، والله ﷻ يقدر لك الخير حيث كان بإذنه ﷻ.

⇐ هذه أيضًا بعض الاستشارات السابقة:

⇐ أجابتها: فيروز عمر

أضف تعليق

error: