زواج ابن العم من ابنة عمه: هل يُمكن أن ينجح؟

زواج ابن العم من ابنة عمه: هل يُمكن أن ينجح؟

«إسلام» يسأل: لقد أحببت ابنة عمتي التي بادلتني نفس الشعور منذ ثلاث سنوات، ولكننا لم نستطع إخبار أحد في ذلك الحين؛ بسبب ظروف عدة أهمها وضعي المادي الذي لم يكن يسمح آنذاك أن أتقدم لطلب يدها من أهلها، أنا أبلغ الثلاثين من العمر، وحاصل على شهادة دبلوم في الهندسة، أعمل بشركة مستواها جيد إن لم يكن ممتازا، دخلي الشهري جيد، ملتزم دينيا، هي تبلغ من العمر السابعة والثلاثين، حاصلة على شهادة الثالث الثانوي التوجيهي، ملتزمة دينيًّا والحمد لله، وعندما تقدمت لخطبتها رفض أهلي لعدة أسباب منها:

  1. فارق السن بيننا وتأثيره على مستقبلي، من حيث إنها بعد عدة سنوات ستصبح هذه المرأة غير مؤهلة لتلبية احتياجاتي سواء الجنسية أم الفسيولوجية.
  2. كبر سنها، وحيث إنها لم تتزوج من قبل فإن ذلك سيؤثر على قدرتها على الإنجاب، أي إنها قد لا تنجب وهي في هذه السن.
  3. شكلها غير المقبول من جهتهم.
  4. تصرفاتها العامة غير مقبولة من جهة أهلي أو لنقُل طريقة تفكيرها أو مستواها الفكري.
  5. أننا من نفس العائلة، وهذا سيؤثر على أولادنا – إن رزقنا الله الأولاد – من الناحية الخلقية كالإعاقة الجسدية أو العقلية.

أما وجهة نظري فهي أنه لا يوجد مسلم عاقل يستطيع أن يجزم بما سيحدث في المستقبل؛ لأن ذلك من علم الغيب، ولا يعلم الغيب إلا الله، فهم يذكرون هذه الأسباب؛ لأنها تنطبق مع ما يقوله العلم، وكلامي هذا ليس معناه عدم الأخذ بالأسباب كما أمرنا رسول الله، ولكن ألا نجزم بنتيجة أعمالنا التي نقوم بها، بل أن نطلب من الله أن ييسر لنا الخير باستخارته مثلًا وأن نترك الأمر له، وهذا ردي على البنود: 1،2،5 أما بالنسبة للشكل أو التصرف فهذا أمر نسبي وشخصي، فقد أتعارض بالرأي معك مثلًا في شيء قد تجده جميلاً، وأراه أنا على غير ذلك، فلكل منا رأيه الذي هو حرّ فيه، وهذا هو ردي على البندين: 3،4 أما رأيي في هذه الفتاة فأنني أجدها إنسانة بسيطة ملتزمة بدينها مؤهلة لأن تكون أمًّا صالحة إن شاء الله، مناسبة لي، ولما أريده من مواصفات أريدها في زوجة لي وأم لأولادي، وقد حاولت المستحيل مع أهلي لإقناعهم بهذا الأمر؛ لكن دون جدوى، وبصراحة لقد أوصلوني لقرار ألا وهو إذا كان إقدامي على الزواج من هذه الفتاة لا يغضب الله ورسوله علي حتى ولو كان أهلي معارضين لهذا الزواج – فإنني سأقدم على الزواج فما رأيكم؟!

الإجابـة

أخي العزيز، نشكر لك ثقتك بنا، وأحب قبل أن أجيب عليك أن أذكرك بأننا هنا نتحرّى الاسترشاد بهدي الله سبحانه، ورسوله الكريم، ولكن لا يستطيع أحد كائناً من كان أن يجزم بأن اختياراً اجتماعيًّا أو شخصيًّا معينًا هو حكم الله ورسوله، إن الاختيار الإنساني هو مناط التكليف والحساب، والإنسان حين يختار له أن يستأنس بما يطمئن إليه، ويعتقد فيه، ويثق به من مصادر للمعرفة والتجربة والهدى، وهذه المصادر موجودة في وحي الله سبحانه، وكتابه المسطور كما هي موجودة في كونه، وحياة خلقه التي هي كتابه المنشور في أنحاء الوجود.

وعليه فإنه لا يوجد في الشرع ما يلزمك بالزواج من هذه الفتاة، أو يلزم أهلك بالموافقة عليها، كما لا يوجد ما يلزمك بتركها أو عدم الزواج منها إذن، أنت تسأل عن شيء لن يعطيك أحد إياه.

وقلنا في إجابات سابقة إن طاعة الأبناء للوالدين واجبة، وهي في أمر الزواج كذلك، خاصة حين يثيرون من النقاط ما يقدح في كفاءة هذه الفتاة المرشحة دينيًّا أو اجتماعيًّا، ولكنني هنا أضيف أن هذه المسائل فيها شيء من النسبية مثل حالتك، فما يثيره أهلك له وجاهته من عدة وجوه لا تخفى عليك بالطبع، ولا يوجد نص شرعي يسعفك في الرد على اعتراضاتهم، اللهم إلا الأصل العام المتعلق بحريتك في الاختيار ما لم يكن فيها عيب قادح، والعيوب الموجودة في فتاتك بالنسبة لك كثيرة، وأقول بالنسبة لك لأن الصفات نفسها التي تبدو سلبية فيها كزوجة لك، قد تكون مقبولة ومناسبة لآخرين غيرك، فهي عيوب فيما يتعلق بك، أو عندما نتناول أمر زواجك، بينما ليست كذلك إذا كان الأمر متعلقاً بشاب آخر له ظروف أخرى.

وعليك ألا تعتبر المسألة معركة تحد بينك وبين أهلك، بحيث يحاول كل طرف فرض رأيه، فالأمر ليس كذلك، حقيقة المسألة أنك تختار وتتحمل مسئولية اختيارك وفي حالة هذه الفتاة لديك التالي:

فارق السن: المفروض أن يكون لصالح الرجل فهو أدعى للتوافق مع القوامة، مع الأخذ في الاعتبار أن المرأة تنضج أسرع، وتلحقها أعراض الشيخوخة في سن أصغر “في أغلب الحالات” وهذا كلام طال فيه البحث العلمي، والإحصائيات المسحية بما يجعلنا نقول إن الزواج المثالي من معالمه أن يكون سن الرجل أكبر ببضع سنوات عن المرأة.

ويزيد الأمر أهمية بالنسبة لمسألة الإنجاب فمن الغالب على الظن – نتيجة الأبحاث والإحصائيات – أن المرأة التي تنجب بعد الخامسة والثلاثين معرضة بنسبة مضاعفة لمشكلات الحمل والولادة، وأطفالها معرضون للأخطار الوراثية باحتمالية أكبر بكثير.

فهل أنت على استعداد لذلك؟

هل أنت على استعداد لاحتمال عدم الإنجاب أو قلة عدد الأطفال، أو ذرية – غالباً – ليست هي الأفضل صحيًّا؟!

هل أنت على استعداد لتحمل الهمسات الاجتماعية – الظاهرة أحياناً – حول شكل زوجتك التي ستبدو أكبر منك دوماً… فهل ستتحمل هذا الحرج؟!

الأمراض الوراثية تزيد نسبة حدوثها في زواج الأقارب هذه حقيقة علمية أخرى، وفي الأثر: “اغتربوا لا تضووا” أي أنكحوا من الأغراب كي لا تضعف ذريتكم؛ ولأنه لا تُؤمن العداوة في النكاح، وقد يحدث طلاق، فإذا كان الزواج من قرابة كان الطلاق مفضياً إلى قطيعة الرحم المأمور بصلتها.

في الاختيارات المستقبلية يكون من المعين افتراض الأسوأ، وليس الأحسن، وعليك أن تصارح نفسك هل ستقبل بهذا الأسوأ لو وقع أم لا؟، فإذا رضيت به؛ فأمامك سبل كثيرة لإقناع أهلك باستمرار إصرارك، وبتوسيط الحكماء والعقلاء من أقاربك وعشيرتك.

أما إذا خشيت أن تضعف نفسك مستقبلاً أمام زوجة عجوز لا تلبي حاجتك بسبب وهن في بدنها، أو انقطاع حملها، أو غير ذلك، وقد يصعب عليك، أو عليها أو عليكما أن تتزوج أنت من ثانية، فخير لك ولها أن تتركها لقدرها ونصيبها لعل الله أن يرزقها بمن هو أنسب منك، ولعلك تساعد في البحث عن هذا الأنسب.

أخشى يا أخي أن تكون قريبتك هذه ضحية العناد، والمعركة بينك وبين أسرتك، وأخشى أن يكون اختيارك لها عن تعاطف مع ظروفها، وليس عن اقتناع بأنها الأنسب لك من بين الفتيات.

تحتاج إلى تفكير عميق، وتأمل دقيق، واختيار بعد استشارة واستخارة هذا هو حكم الله ورسوله أن يكون الناس مسئولين وواعين، وألا ينحرف بإرادتهم هوى أو عناد، كما لا يتورطون في ظلم للنفس أو للغير.

راجع اختيارك بمعزل عن رفض أهلك، واستخر الله سبحانه ثم توكل عليه، والله معك على كل حال.

⇐ هذه أيضًا بعض الاستشارات السابقة:

أضف تعليق

error: