خطبة: حق الطريق وآدابه في الإسلام – مكتوبة

خطبة: حق الطريق وآدابه في الإسلام – مكتوبة

عناصر الخطبة

  • مقاصد الشرع باتفاق الأمة بحفظ الكليات الخمس (الدين، النفس، النسل، العقل، المال) وحوادث الطرق تهدر هذه المقاصد.
  • الإسلام أعطى كل ذي حق حقه، ومن جملة ذلك حق الطريق.
  • تعدد حقوق الطريق يؤكد عناية الإسلام بها.
  • من حقوق الطريق غض البصر وكف الأذى.
  • من حقوق الطريق إماطة الأذى.
  • الالتزام بحقوق الطريق يحقق الأمن والأمان في الطرقات.

الخطبة الأولى

جاء الإسلام يأمر بمحاسن الأخلاق ومكارمها، ففي قصة إسلام أبي ذر رضي الله عنه من رواية البخاري في صحيحه أنه لما بلغه مبعث النبي ﷺ قال لأخيه: «ارْكَبْ إِلَى هَذَا الْوَادِي فَاعْلَمْ لِي عِلْمَ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ يَأْتِيهِ الْخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ، وَاسْمَعْ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ ائْتِنِي، فَانْطَلَقَ الْأَخُ حَتَّى قَدِمَهُ وَسَمِعَ مِنْ قَوْلِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَبِي ذَرٍّ، فَقَالَ لَهُ: رَأَيْتُهُ يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ».

ورسالة الإسلام رسالة عامة شاملة، لم تترك جانباً من جوانب الحياة إلا ونظّمت فيه، ومن ذلك تنظيمها استخدام الشوارع والطرقات العامة، فجعلت للطرقات والسير فيها آداباً وحقوقاً، أجملها حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الذي أخرجه البخاري ومسلم عن النبي ﷺ أنه قال: «إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ، قَالُوا: وَمَا حَقُّهُ؟، قَالَ: غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الْأَذَى، وَرَدُّ السَّلَامِ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ».

وفي هذا الحديث دلالة على رعاية حقوق الطريق وآدابها، فإنه يستحب لزوم المنزل لمن كان خروجه مؤذياً للآخرين، سواء كان بإطلاق بصره في المحرمات، أو لسانه بالأذى، فإن لم يقدر على ذلك وقع في المخالفة، ذلك أن الرسول ﷺ أذن في الجلوس بالأفنية والطرقات لمن كف الأذى وأعطى الطريق حقه.

إخوة الإيمان: إنّ من حقوق الطريق التي أمرنا بها النبي ﷺ: غض البصر؛ لأن الإسلام يحرص على نقاء المجتمع وطهارته، ويهدف إلى عدم إيذاء الآخرين وهو مظهر من مظاهر الحياء العام، والحياء خير كله، ولذلك جاء الإسلام بشريعته بإرشادات وتوجيهات تعين على غضّ البصر، فمن ذلك أمر الله ﷻ عباده بغضّ بصرهم، فقال ﷻ: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ [النور: 30]. وقال ﷻ: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾ [النور:31]، وفي الحديث «يَا عَلِيُّ لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ» رواه الترمذي.

فالحفاظ على آداب الطريق سبب موصل إلى مرضاة الله ﷻ، وذلك بالتخلّي عن الرذائل والتحلّي بالفضائل وفهم روح الإسلام، وما فيه من عدل وصدق وتسامح، وإنّ ديننا هو دين عظيم جعل الأخلاق السوية ركناً فيه، فينبغي أن يتحلّى أبناؤنا وبناتنا بسلاح الأخلاق في طرقاتهم وفي مدارسهم وفي جامعاتهم وفي كل شأن من شؤون حياتهم، ويبتعدوا عن مواقع الفتنة والرذيلة ليكونوا رافعة بناء وتقدم ورقي لأمتهم ومجتمعهم.

أيها المؤمنون: ومن صور كف الأذى الواجبة على مستخدمي الطريق صون اللسان عن التلفظ بالألفاظ النابية الشاذة، والدخيلة على أعرافنا وتقاليدنا والمخالفة للذوق العام، والمؤذية للسامع والجارحة لشعوره، فقد قال رسول الله ﷺ مخاطباً معاذاً رضي الله عنه وقد أمسك بلسانه وقال له: «كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا» ، فقال: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟» رواه الترمذي.

ومن صور كف الأذى كذلك عدم رفع الصوت في الطرقات بوجه يؤذي الآخرين ويقلق راحتهم، ويدخل في ذلك استخدام مكبرات الصوت في الأفراح أو استخدام مضخمات الصوت في السيارات أثناء مسيرها، فمن وصايا لقمان لابنه والتي ذكرها القرآن الكريم قوله: ﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ [لقمان: 19].

وللأسف؛ فالمتأمل لبعض أحوال مستخدمي الطريق في هذا الزمان يرى استهتاراً كبيراً بهذا الحق العظيم الذي يتصل اتصالاً مباشراً بالإنسان الذي كرمه ربنا عز وجلّ، حيث قال الله ﷻ: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء:70].

عباد الله: ومن جملة الآداب التي ينبغي مراعاتها، بل يجب الالتزام بها قواعد السير وأنظمته؛ فلا يجوز تجاوز السرعة القانونية، أو قطع إشارات المرور وهي حمراء، أو استخدام الهاتف النقال أثناء القيادة، فكل هذا وغيره من المخالفات التي طالما عرضت حياة الآخرين للخطر، وكم أدت أمثال هذه المخالفات إلى إفناء أسر بأكملها، أو ترمل نساء، وتيتم أطفال، وثكل أمهات، والتسبب في إعاقات وعاهات مستديمة، وهدر لآلاف من الدنانير، وفواجع يطول حصرها.

فماذا يبقى إذا هانت الأرواح ورخصت الدماء؟ فمتى يا ترى تستيقظ مشاعر الإحساس بالمسؤولية في نفوسنا، ومتى يعقل المستهترون، ويستفيق الغافلون؟!

عباد الله: إن الشريعة الإسلامية لا تكتفي بمجرد كفّ الأذى عن الطريق، بل ترتقي بالمسلم إلى أعلى مظاهر الحضارة الإنسانية؛ وذلك بالحثّ على تعاهد الطريق ورعايته وإماطة الأذى عنه، فقد رتب الإسلام الأجر العظيم على ذلك، وعدّه من خصال الإيمان، فقال رسول الله ﷺ: «إِنَّهُ خُلِقَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَى سِتِّينَ وَثَلَاثِمِائَةِ مَفْصِلٍ، فَمَنْ كَبَّرَ اللهَ، وَحَمِدَ اللهَ، وَهَلَّلَ اللهَ، وَسَبَّحَ اللهَ، وَاسْتَغْفَرَ اللهَ، وَعَزَلَ حَجَرًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ شَوْكَةً أَوْ عَظْمًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ، وَأَمَرَ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ، عَدَدَ تِلْكَ السِّتِّينَ وَالثَّلَاثِمِائَةِ السُّلَامَى، فَإِنَّهُ يَمْشِي يَوْمَئِذٍ وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنِ النَّارِ» رواه مسلم.

وقَال ﷺ: «لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ، فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ» رواه مسلم.

فمن لم يستطع إماطة الأذى فلا يكن ممن يؤذي طريق المسلمين؛ بإلقاء النفايات، وإطلاق البصر واللسان وأبواق السيارات بسبب وبدون سبب.

نسأل الله ﷻ أن يحفظ وطننا وسائر بلاد المسلمين من السوء والأذى.

⬛️ وهنا خطبة مهمة جدًا بعنوان: حياتك أمانة

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].

عباد الله: إنّ حقوق الطريق وآداب المسير في ديننا كثيرة ودقيقة إذا نظرنا إلى مجموع الأدلة الشرعية من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، فهذه الآداب جميعاً تحقق مراعاتها أمان الناس وطمأنينتهم، وتسهم في دوران حركة الحياة بصورة ميسرة وسهلة، فمن ذلك: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذكر الله كثيراً، وهداية الضال، وإعانة الأعمى، وإرشاد الأصم، وإغاثة المظلوم، ومساعدة العاجز في حمل متاعه، والمشي على الأرض هوناً، والقصد في السير، وخفض الصوت، والكلمة الطيبة، وسلام الماشي على القاعد، والراكب على الراجل، والصغير على الكبير، وتبقى السعادة والهداية والأمن والأمان في الطرقات وغيرها بامتثال أوامر الشرع الحنيف، فهنيئاً لمن علم فعمل وسمع فامتثل.

نسأل الله ﷻ أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه والحمد لله رب العالمين.

أضف تعليق

error: