خطبة ﴿إن هذه أمتكم أمة واحدة﴾ مكتوبة كاملة

خطبة ﴿إن هذه أمتكم أمة واحدة﴾ مكتوبة كاملة

مقدمة الخطبة

الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وأكرمنا فكنا خير أمة أخرجت للناس بفضل الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جلت نعمه علينا وعظمت عطاياه، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله ونبيه ومصطفاه، ﷺ، وعلى آله وصحبه ومن تأسى به وسار على دربه وترسم خطاه.

أما بعد، فاتقوا الله –عباد الله–، فإن من اتقى الله فاز فوزا عظيما، ونال من الله مقاما كريما، يقول الحق تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن تَتَّقُواْ اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾.

الخطبة الأولى

أيها المؤمنون: لقد أراد الله لهذه الأمة أن تكون أمة واحدة، أمة واحدة في آمالها وآلامها، أمة واحدة في مسيرها ومصيرها، أمة واحدة في مصالحها وأحوالها، فجاء القرآن منبها على هذا المعنى فقال: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾، وقال في سورة المؤمنون: ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾، وفي الآيتين الكريمتين إشارة إلى أننا مستحقون لأن نكون أمة واحدة من أن الله ربنا، وأن الإنسان يصل إلى الشعور بأنه فرد من هذه الأمة بالعبودية والتقوى، والعبودية الخضوع لله، فتكون حال المنضوي تحت لواء العبودية لله قوله: ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾، لا حال من قالوا: ﴿سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا﴾، والتقوى في أصلها الاجتناب، فيجتنب المتقي ما حرم الله، بحيث يكون القلب نقيا من الأدران والران، فيكون مستعدا للتحلي بكل فضيلة بعد أن تخلى من كل رذيلة، وقد استعمل القرآن التقوى في اجتناب المناهي وإتيان الأوامر، وقد أجاد من قال إنها الزهد في المحارم، والمسارعة إلى تأدية اللوازم.

وبتحقق العبودية والتقوى –عباد الله– يكون الإنسان فردا من أمة، وعضوا من جسد، يسره ما يسر أمته، ويحزنه ما يحزن أمته، على الصفة التي جاءت عن رسول الله في قوله: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر»، ولننظر في ترتيب القرآن العجيب؛ فإن الآية التي ذكرت العبودية قبل الآية التي ذكرت التقوى؛ لأنه لا تقوى من غير عبودية، فالمقام الأول مقام العبودية، ومقام التقوى أثر عن المقام الأول، فلا يترك ما نهى عنه الله، ولا يستجيب لما أمر الله به إلا من تحققت فيه العبودية، ووقع منه الخضوع، بل يصل الحال بالمؤمنين أن يتركوا بينهم وبين نواهي الله مسافة أمان، وهي التي عبر عنها الأثر بالشبهات، مخافة الوقوع في المحرمات، ففي الأثر عن رسول الله أنه قال: «فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه».

وبذلك –أيها المؤمنون– يصلح القلب، وإذا صلح القلب صلحت الجوارح، وعند ذلك يكون شعور الانتماء إلى الأمة. وإن من أجل الحكم المحمدية وجوامع الكلم النبوية قول النبي : «ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب»، ولننظر كيف أن القرآن يحرص على ترسيخ مفهوم الأمة في قلوب أتباعه؛ فقد ذكر كلمة «أمة» تسعا وأربعين مرة، وجاء ذكر كلمة «أمم» في القرآن الكريم ثلاث عشرة مرة، وقد أضاف القرآن كلمة «أمة» إلينا؛ فقال «أمتكم» مرتين، وكأن الأمة ملك لنا، أو شيء مختص بنا، ومن ملك شيئا حافظ عليه تمام المحافظة، وتعهده حق التعهد حتى لا يضيع منه، ومن اختص بشيء كان ذلك الشيء غاليا على قلبه، عزيزا على نفسه؛ ولذلك كانت المصلحة العامة قبل المصلحة الخاصة في الإسلام، ومن الشعور بالانتماء إلى الأمة أن يحب المؤمن لأخيه ما يحبه لنفسه، عملا بالهدي النبوي القائل: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه».

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.

⇐ وهنا خطبة: أرض أولى القبلتين – مكتوبة كاملة

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، ﷺ، وعلى آله وصحبه وأتباعه الأبرار المتقين.

أما بعد، فاتقوا الله –عباد الله–، واعلموا أن من آثار الانتماء إلى الأمة الواحدة تلك الأقوال الحسنة والأفعال الزاكية التي ظهر بها الأنصار تجاه إخوانهم المهاجرين، فقد آثروهم على خصاصتهم، وقدموهم على أنفسهم، وتحقق من التكافل الاجتماعي ما كان سابقة في تاريخ الأمم، ونبراسا لمن يأتي بعدهم من العالمين، حتى استحقوا ثناء الله عليهم بقوله: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، وهذا الخلق الحي الذي جاوز حب المرء لأخيه ما يحب لنفسه إلى الإيثار ولو كانت هناك خصاصة، ينبغي أن يكون حاضرا بين أبناء الأمة الواحدة، ومن هنا كان واجب النصرة لأرض المسجد الأقصى ومن عليها، والوقوف معهم في محنتهم وآلامهم.

ومن آثار الانتماء إلى الأمة الواحدة –عباد الله– تربية الأولاد تربية حسنة رشيدة، يعرفون بها واجبهم تجاه ربهم، وتجاه أنفسهم وأوطانهم وأمتهم، يعرفون ما يقال متى يقال، وما يفعل متى يفعل، ويعون أن هناك حلالا وحراما وشبهات وعادات وتقاليد وآدابا، فيضعون كل شيء في موضعه، ويقدرون المصلحة خير تقدير فيما يقولون ويفعلون، ويقدرون مآلات الأمور، وتلك هي الحكمة التي من أوتيها فقد أوتي خيرا كثيرا، ومن الذكر الحكيم قول العزيز الحكيم: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ﴾.

هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين؛ محمد الهادي الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.

⇐ ولا يفوتكم هنا خطبة ملهمة.. ﴿ففروا إلى الله﴾ مكتوبة كاملة & بالعناصر

الدعاء

  • اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما، واجعل تفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تدع فينا ولا معنا شقيا ولا محروما.
  • اللهم أعز الإسلام واهد المسلمين إلى الحق، واجمع كلمتهم على الخير، واكسر شوكة الظالمين، واكتب السلام والأمن لعبادك أجمعين.
  • اللهم كن عونا لإخواننا في أرض الأقصى المبارك، وكن معهم وثبتهم واربط على قلوبهم وصبرهم، واخذل عدوك وعدوهم، واجعل الدائرة عليه يا ذا الجلال والإكرام.
  • اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا أنت سبحانك بك نستجير، وبرحمتك نستغيث ألا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أدنى من ذلك، وأصلح لنا شأننا كله يا مصلح شأن الصالحين.
  • اللهم أنزل علينا من بركات السماء وأخرج لنا من خيرات الأرض، وبارك لنا في ثمارنا وزروعنا وكل أرزاقنا يا ذا الجلال والإكرام.
  • ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
  • اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعاء.

أضف تعليق

error: