الوسواس والرهاب.. عندما يجتمعان

الوسواس والرهاب.. عندما يجتمعان

تفاصيل الاستشارة: لم أعلم بأن ما أعانيه هو مرض يمكن أن يصيب غيري من البشر وأنه طبيعي ويمكن علاجه أو الحد من المعاناة التي يسببها إلا من خمس سنوات مضت عن طريق مواقع الشبكة المختلفة.

أما بداية المرض فتعود إلى أربعة عشر سنة ولا تستغربوا فالمجتمع الذي أعيش فيه وخاصة في الفترة الماضية محدود الثقافة بالمرض النفسي ودائما ما يربطه بالجنون وأعتقد أن هذه النظرة في العديد من المجتمعات، بالإضافة إلى أن ما أعانيه شيء عظيم تكاد تتصدع الجبال وتنهد منه ولم يخطر يوما في بالي بأني سأتكلم عما أجد حتى بعث الله لنا نعمة الإنترنت ووجدت ضالتي في التعرف على أن ما أعانيه لا يتعدى كونه مرض تداخلت فيه العديد من العوامل النفسية كالاستعداد للقلق والتوتر والعوامل البيولوجية المتمثلة في الاختلال الكيميائي للناقلات العصبية والعوامل البيئية الأخرى والتي تمثلت في حالتي طلاق الأم وأنا مازلت طفلا ثم وفاة والدي وخروجي للعب والمشي مع شباب أكبر مني سنا ولم يكن هناك أحاديث غير الجنس والجنس المثلي وما شابه ذلك.

وأنا حتى هذه اللحظة التي أكتب لكم فيها أجد نفسي متردداً وأكاد لا أصدق نفسي أني سأتكلم أخيرا فما عانيته هو الوسواس القهري في صورة أفكار اجترارية وليست أفعال وطبيعة الفكرة هو والعياذ بالله شتم الذات الإلهية بأقبح وأبشع ما يمكن تخيله، بدت الفكرة بصورة واحدة عندما كنت في سن السابعة عشرة ومرت علي بشكل عابر مع تأثير بسيط ومحاولة دفعها بآيات القرآن الكريم.

ولم تعاودني الفكرة لمدة سنتين إلا أنني أتجنب في تلك الفترة ما قد يثيرها من قراءات دينية أو غيرها، ففي عقلي دائما ما يدفعني للابتعاد عنها حتى عاودتني كالسيل المنهمر بعد سنتين عندما كنت أمر بوعكة صحية (خفقان وسرعة في دقات القلب) وقال الأطباء بأن كل شيء سليم بعد إجراء الفحوصات، وصاحبها بعض التفكير السلبي في ظروفي وأوضاعي المادية وهذا كان مع بداية دخولي الجامعة وكلما حاولت دفع هذه الأفكار يزيد انهمارها فضاقت علي الدنيا بما رحبت وكاد التوتر والقلق يقتلني ولم أشعر بطعم الحياة فكلما حاولت أن أدفعها بقراءة الكتب تزيد هذه الأفكار وتزيد معها حالات الخوف والذعر وأحس بتنميل وقشعريرة ورعشة في كل جسمي ويكاد رأسي ينفجر من شدة الخوف وقوة التوتر والصداع ومن لا يخاف وهو يسيء لرب العزة والجلال.

وأصبحت أعيش في جحيم وأصبحت هذه الأفكار مسيطرة على كل شيء في حياتي، وبمرور الأيام تخف حدتها وتتحسن أعراض الخوف والقلق وتظهر فجأة بصور وتخيلات أقوى وكلها حول نفس الفكرة شتم الذات الإلهية حتى أنه أحيانا أربط كل شيء أشاهده بالفكرة وأعيش في صراع دائم مع الرد والتحليل لهذه الأفكار (الجِنسـ.ـية) وأردها بصفات الله الحسنى وغيرها واستطعت بالفطرة مواجهتها ولله الحمد فالتوتر والخوف بدأ يقل والأفكار تزيد فترة وتخف فترة وهكذا عشت طوال فترة دراستي الجامعية ومع ذلك فقد وفقني الله وأكملت دراستي بنجاح.

وعلى العكس من ذلك كنت أعيش طبيعيا مع زملائي وأهلي وكنت أحاول أن أكون مرحا بينهم وفي داخلي ذلك الصراع وأحيانا عندما تعاودني الأفكار بقوة أجهش بالبكاء عندما أكون وحدي وتمنيت ودعوت ربي كثيرا بأن يرزقني الموت وليس تفكيرا في الانتحار والعياذ بالله، كما حاولت أن أزيد من التزامي الديني فأنا ملتزم بأداء الفروض والابتعاد عن معظم الكبائر إلا من بعض شطحات الشباب.

وأسال الله السلامة في ذلك وعندما حاولت الالتزام أكثر لم أجد الحل في ذلك بل على العكس تماما زادت حدة هذه الأفكار وتعددت صورها ونتج عن ذلك إصابتي بأمراض الجهاز الهضمي (غازات وعسر هضم مستمر وصعوبة في بداية النوم أحيانا مع عدم وجود ألم معين إنما إحساس بالانتفاخ والتعب وصعوبة النوم) ومضت حالتي على هذا المنوال ووفقني الله في الحصول على عمل.

عرفت بعد ذلك الإنترنت وبالبحث عن الأمراض النفسية عرفت أن هذا مرض وقرأت عن الحالات المشابهة وتابعت تفاصيله الدقيقة ووجدت في ذلك راحة عظيمة ومن ثم تعرفت على بعض طرق العلاج السلوكي ومن أهم ما اتبعتها عدم مواجهة الفكرة والرد عليها ومحاولة عدم التأثر والاستجابة عند مواجهة الفكرة واستحضار أن المرض هو الفكرة وليست فكرتي أنا ومع تطبيق هذا بدأت فترات المرض تتباعد أكثر وبدا التأثير من قلق وتوتر يخف إلا أنه بين الفترة والأخرى تنتكس الحالة من قوة الفكرة وعدم القدرة على وقفها أو الخوف أصلا منها وفوق كل ذلك توكلت على الله وتزوجت وأنجبت ولدين ولله الحمد الأول أربع سنوات والثاني سنتان.

الآن الأفكار تعاودني بين الفترة والأخرى ولكن التأثير ليس بالقوة ذاتها لكنه مزعجا ودائما ما أحاول على وقف هذه الأفكار خاصة وأن بعض الأحداث كمآسي الزلازل وغيرها من الكوارث والحكمة من قتل مئات الآلاف من البشر تزيد من ورود الأفكار وأنا مطمئن بإيماني من حكمة الله التي قد تكون مخفية عنا وأن كل إنسان طال الدهر أم قصر سيموت وأن من يموت في مثل هذه الكوارث شهيد عند الله ولكنها الأفكار العنيدة قبحها الله تزيد وكلما اقتنعت بأمر من خلال معلومة قرأتها تأتي فكرة أخرى مثلا لماذا هذا غني وهذا فقير وكلها تنصب في الشتم والعياذ بالله وكلما حاولت أن أستبدل بهذه الأفكار تعود من جديد حيث ارتباطها بما تسببه من قلق فأفكار الشتم هي التي تسبب القلق أما غيرها من الأفكار فلا وبالتالي تتردد علي هذه الأفكار وأحس أن هذه الأفكار تأتيني بقصد أن تسبب لي القلق والتوتر وليس القصد أن تأتيني الفكرة فحسب.

أما المشكلة الأخرى فهي الخوف الاجتماعي حيث اكتشفت ذلك من خلال بعض اجتماعات العمل عندما أتحدث أحس بقلبي يتفجر من قوة الدق وبتنميل وتعرق والفترة محدودة ثم يغيب بالله عليكم أليست هذه هي معنى المعاناة بعينها ومع ذلك أيضا ونظرا لقلة مثل هذه الاجتماعات مرت حياتي بنجاح ولله الحمد فتم ترقيتي في وظيفة أكبر، وهنا المشكلة ففي هذه الوظيفة تكثر الاجتماعات ومقابلة المسئولين وإلقاء الكلمات أو المحاضرات وعشت في جحيم آخر وأنا أتجنب ما أستطيع تجنبه وهذا المرض هو الذي استطعت التحدث به مع زوجتي وصديق مقرب وبسبب استبعاد المرض النفسي من حسابات المجتمع تم توجيهي للمعالجة بالأعشاب المقروء فيها عند أحد المشايخ.

وبالفعل تحسنت الحالة مع الوقت وكذلك من خلال العلاج السلوكي وهو أنني أقوي الإرادة وأتحمل ما أعانيه في بداية الحديث وأثبتت التجارب جدوى هذا الأمر إلا أنه بقي أمر هام جدا وهو رجفة شديدة وواضحة في الأرجل وخاصة اليمين يصعب إخفاؤها مما تسبب لي عقبة كبيرة فما أحسه داخلي أستطيع أن أتحمله ولكن بقت هذه النقطة التي يلاحظها الجميع حتى عندما تقدمت لإمامة الصلاة ذات مرة كانت الرجفة واضحة فهو أمر لا ينفع معه مواجهة ولا تعرض ولا غيره.

لا أخفي عليكم بأني قررت في نفسي أخيرا عرض مشكلتي على طبيب نفسي والبداية عن طريق شبكات الإنترنت ولا تستغربوا تأخيري فإحساسي بأني أتكلم عن مشكلة هذه الأفكار أمر مخيف. وأخاف كثيرا من الأعراض الجانبية التي قرأتها عن الأدوية وخاصة ما يتعلق بزيادة العصبية والضعف الجِنـ.ـسي وقلة النوم والذي هو في حد ذاته مشكلة بالنسبة لي كما أني عرضت مشكلتي عندكم لثقتي الكبيرة من خلال متابعتي لردودكم الفاضلة على الأخوة وعدم تطور الطب النفسي أو لضعف الخبرات في هذا المجال إضافة إلى ما نسمعه دائما أن الأطباء يعتمدون على الدواء أكثر من العلاجات السلوكية وقليلا ما يناقشون لظنهم بعدم استيعاب المريض أو تفرغهم أو غيرها.

وبالتالي لجأت إليكم لتفيدوني بكل ما يمكن أن يساعدني في التخلص من هذا البلاء العظيم فردودكم دائما كالبلسم الشافي والحقائق التي توضحونها تزيد من قوة الشخص في وقف مثل هذه الأفكار من خلال توضيحكم لتفاهتها وعدم جديتها فلا تبخلوا علي بشيء بارك الله لكم.

أعلم أني أطلت وأثقلت عليكم فمنكم العذر.. وفقكم الله والسلام عليكم.

⇐ د. مأمون مبيض «استشاري الطبّ النفسي» أجاب السائل؛ فقال: غفر الله لنا ولك أخي الكريم وتقبل منا ومنك صالح الأعمال، وشكرا على سؤالك ووضوح التفاصيل المفيدة فيه والتي تساعد في تقييم الحالة والرد عليها بما يفيد إن شاء الله، كما أرجو أن تكون على ثقة بأنك ستجد لدينا دائما صدرا رحبا بسماع شكواك مهما بلغ طولها فلا داعي للاعتذار.

بعد قراءة رسالتك يا أخي أعتقد أن الأمر واضح جدا بالنسبة لك خاصة مع اطلاعك الجيد وقراءتك حول مرضك بتجولك على صفحات الإنترنت، وحالتك هي عبارة عن وسواس قهري حيث تأتي على المصاب الأفكار المزعجة وخاصة فيما يعزّ عليه كحبه وتقديره للذات الإلهية والقرآن والصلاة وغيرها.

ويحاول المصاب جاهدا دفع هذه الأفكار وصرفها عنه، ولكنها تعاود حشر نفسها في ذهنه رغما عنه، وقد تأخذ هذه الأفكار عدة أشكال كلها مزعجة لصاحبها، وأحيانا تأتي الأفكار على شكل شعور ضاغط بالتصرف بطريقة معينة كالشعور بضرورة غسل الأيدي أو كامل الجسد مرات ومرات بالرغم من نظافته.. وقد تصل إلى درجة اهتراء جلد يديه!.

وفي كثير من الحالات يترافق الوسواس مع شعور بالاكتئاب، إما بسبب درجة تأثير الأفكار الوسواسية عليه وعلى حياته أو كمرض آخر مرافق للوسواس ومستقل عنه. وفي بعض الحالات تكون هناك بعض أعراض نوبات الذعر أو الخوف والتي قد توجد عندك مما وصفت في سؤالك من شعورك بتسرع ضربات القلب والتعرق والارتعاش، وخاصة ما تأتي هذه النوبات في الأماكن المزدحمة، والأماكن العامة الكبيرة.

وكما ذكرت في سؤالك أن من أفضل العلاجات هي المعالجة النفسية المعرفية والسلوكية، عن طريق تغيير قناعات الإنسان وأفكاره، فلا يعود ينظر إليها بنفس النظرة السلبية، وبذلك يصبح أكثر تفاؤلا في الحياة، وأقدر على حماية نفسه، فأنت يا عزيزي تعلم جيدا علاجك وكل ما ينقصك هو المتابعة مع مختص (أخصائي نفسي)، حيث تفيد أيضا بعض الأدوية المضادة للاكتئاب، سواء كان الوسواس بمفرده أو ترافق مع الاكتئاب، وتبقى مضادات الاكتئاب مفيدة في تحسين معظم حالات الوسواس. وهناك نصائح عامة تجدها أخي الكريم مع أجوبة الأسئلة المشابهة لسؤالك على صفحة مشاكل وحلول للشباب وهذه بعضها:

كذلك الأمر بالنسبة لحالة الرهاب الاجتماعي التي أشرت لها والتي يمكنك قراءة المزيد عنها في الرابط التالي:

ختاما عزيزي أنصحك بألا تخش من التأثيرات الجانبية للأدوية طالما أنك أخذتها بالطريقة التي يصفها لك الطبيب. ولكن يبقى العلاج الأنجع هو التغيير السلوكي المعرفي.، لذا أنصحك بمراجعة طبيب نفسي أو أخصائي نفسي في مدينتك، بالإضافة إلى القراءة والاطلاع على طبيعة المرض وطرق العلاج.

ويمكنك مثلا مراجعة كتابي: “المرشد في الأمراض النفسية” د.مأمون مبيض- مطبوعات المكتب الإسلامي- بيروت، وللمكتب الإسلامي موقعا على الإنترنيت يمكنك البحث فيه.

ويفيدك أيضا أن تعرف زوجتك بطبيعة المشكلة لتقف معك في هذه المحنة، فقد وجد أن مما يساعد الإنسان في حالات الوسواس وجود فرد من العائلة يتفهم الأمر ويساعد المصاب.

وفقك الله وكتب لك الشفاء، وأخبرنا عما يجري معك مشكورا.

أضف تعليق

error: