أجمل خطبة جمعة لموضوع هام.. بعنوان: الملل المذموم

أجمل خطبة جمعة لموضوع هام.. بعنوان: الملل المذموم

أعتقد أنكم مشتاقون لتعرفوا ما لدينا الآن؛ إنها فعلا أجمل خطبة جمعة —أو قُل من أجمل وأنْدَر خُطَب الجمعة— نظرًا لكونها حول موضوع هام وخطير، ونادرًا ما تجِد خطيبًا يتحدَّث عنه؛ وهو الملل المذموم.

الخطبة هنا مكتوبة؛ لكنها في الأصل مُلقاة من فضيلة الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ —جزاه الله خيرًا—.. فلنبدأها الآن.

مقدمة الخطبة

الحمد لله، خَلَقَ الخَلْقَ وأَوْدَعَهُم مِنَ الغرائز والأخلاق ما تحار فيه عُقُول ذوي الألباب. الحمد لله الذي جعلنا من المسلمين به، والمسلمين له المتَّبِعِين رسوله عليه الصلاة والسلام، له أهل من المحامد، وأُثْني عليه الخير كله، وأشكره ولا أَكْفُرُه.

أحمد الله بما هو وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله وصفيه وخليله، نشهد جميعًا أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصحنا كما نصح الأُمة، وجاهد في الله حق جهاده، اللهم صلّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد كفاءَ ما أرشد وعلم وكفاء ما جاهد، اللهم صل وسلم عليه ما تتابع الليل والنهار، كلما صلى عليه المصلون، وكلما غفل عن الصلاة عليه الغافلون، وسَلَّمِ اللَّهُمَّ تسليمًا كثيرًا.

الخطبة الأولى

أما بعد.. فيا أيها المؤمنون، أُوصيكم ونفسي بملازمة تقوى الله ﷻ في كل حال، وتذكر لقاء الله ﷻ، أُوصيكم بألا تَغُرنا هذه الحياة الدنيا، فإنما الحياة الدنيا متاع الغُرور، هذه الحياة عَرَضُ زائل لا بد أنها ستنتهي قصر العُمر أم طال، ولكن الشأن في الحياة الأبدية التي لا انقضاء لها ﴿فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾.

أيها المؤمنون، إن العاقل يتفكر في نفسه، ويتفكر في آفات النفس، وينظر إلى آفات نفسه، ويسعى في أن يتخلص من الآفات، حتى تزكو نفسه؛ فقد أمرنا الله ﷻ أن نسعى في تزكية النفس فقال: ﴿وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾.

وإن من تلكم الغرائز التي هي مجهولة في الأنفس ولا بد من الرعاية لها، ولا بد من العناية بها دفعا لِمَا حَرَّم الله ﷻ، وجلبًا لما أحبَّ الله ﷻ؛ إن من تلكم الغرائز وتلكم الميول: غريزة الملل!..

والملل قد ذكره الله ﷻ في القرآن، وبيَّن أن حال أهل الملل الذين ملُّوا نعمة الله ﷻ، وملوا ما أنعم الله به عليهم، وطلبوا أمرًا آخر، ولم يشكروا الله على النعم الجزيلة؛ بيَّن أن حال أولئك أنهم لم يكونوا على الصراط المستقيم، وأنه ﷻ عاقبهم، بين ﷻ أن الذين ملُّوا مِنَ الْأَمْن والأمان، وملوا من كثرة الأمن والترحل في بلادهم؛ أنهم لما ملوا ذلك ظلموا أنفسهم بالمعصية، فبين ﷻ أنه عاقب أولئك المالين من نعم الله، عاقبهم بأنواع من العقوبات، وجعلهم أحاديث.

ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ اللهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا؛ لأن الله قاهر عزيز جبار، وأنه ﷻ ذو الحكمة البالغة، فإذا ترك العبد طاعة الله، وترك شكر نعمه، ورغب بعد ملله فيما لم يأذن الله به، أو فيما هو أدنى مما أعطاه الله ﷻ إيَّاه؛ فإن الله ﷻ يُجازيه على ذلك، وينصرف عنه. نه عِزّةً منه ﷻ.

فهو ﷻ لا يمل من الإنعام، ولا يمل من العطاء، ولا يمل من الإثابة، ولا يمل من تثبيت النعمة، ولا يمل من تثبيت الأمن والطمأنينة في البلاد؛ حتى يمل العباد من ذلك فيتركوا موجباته، فعند ذلك يُغَيِّرُ الله ﷻ حالهم: ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾.

أيها المؤمن، لقد قص الله ﷻ قصة موسى عليه السلام، وما دعا قومه من التوحيد، وأن الله ﷻ نجاهم من العدو الأعظم لهم؛ ألا وهو فِرْعَوْن، ولَمَّا نجاهم وأغرق عدوهم، وصاروا في الصحراء بين صخور وشمس حارة؛ لما كانوا كذلك أنعم الله ﷻ عليهم جزاء ما استجابوا فيه لموسى عليه السلام، وجزاء توحيدهم وخروجهم مع موسى عليه السلام، ومضادتهم للكفر ولأهل الكفر؛ أنعم الله عليهم وهم في صحراء وتحت شمس محرقة بأنه ﷻ ظَلَّل عليهمُ الغَمَام، وفجر لهم الأرض عيونا، وأنه ﷻ أعطاهم المَنَّ بأنواع الحلوى، وأنه ﷻ أعطاهم السَّلْوَى؛ وهو طير يَعُزّ وجوده، فأنعم الله عليهم بذلك.

فلما طال عليهم الأمد مع أنه كان منهم ما كان مَلُّوا هذه النعمة العظيمة من أنواع المآكل والمشارب وأنواع الظلال، فقال ربنا ﷻ مُخْبِرًا عن قولهم ومبينًا سوء حالهم، وسوء مللهم، وسوء أخلاقهم: ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ﴾ يعني أتستبدلون تلك النعم العظيمة من المآكل والمشارب بهذه المأكولات التي هي أقل منها والتي هي أدنى، لم فعلتم ذلك؟!

إنهم فروا وملوا من تلك النعم العظيمة ولم يشكروا الله عليها، وظنوا أن تلك النعم لا قيمة لها، فأرادوا الأقل مللا ولم يشكروا الله عليها، ولم يشكروا الله على الأكثر، لهذا قال ﷻ: ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ﴾.

ثم إن الله ﷻ بَيَّنَ لنا في القرآن قِصَّة سَبَا، وما أنعم الله به عليها: ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ﴾، لقد أنعم الله عليهم بأنواع النعم في الملابس، والتجارات، وفي المآكل، وفي الزروع والفواكه: ﴿جَنَّتَانِ عَن يَمِينِ وَشِمَالِ، فلما طال عليهم العهد جعل الله ﷻ أمنًا وأمانًا بينهم وبين القرى التي ينتقلون بينها، فلا يحتاجون إلى أخذ طعام ولا إلى أخذ شراب. فماذا كان من حالهم؟ ملوا ذلك؛ لأن النعمة عند ذوي النفوس المريضة تُمَلَ: ﴿فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾.

ولقد أنعم الله على الأغنياء في مصر لما كان فيهم يوسف عليه السلام بأنواع النعم، فسادوا الناس، وفيهم الأموال، وهم يسكنون القصور، وفيهم أنواع النعم، وعندهم الخدم والعبيد، ولهم أنواع المشارب وأنواع المآكل، حتى تطوروا في أنواع الآلات التي يستخدمونها في مآكلهم ومشاربهم ونظموا ذلك، ففسق كثير من نساء الأغنياء، وسكت الرجال عن المعصية؛ لأنهم ملوا النعم، وراحوا يطلبون المَلَذَّاتِ التي لم يَأْذَنِ الله بها.

فهذه ﴿امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا﴾ [فتركت زوجها لأجل] خادم عندها، تركت زوجها الذي هو العزيز الغني الذي بيده أشياء كثيرة من المال والسكن وملت ذلك، وطمعت في خادمها؛ وذلك لأجل ما جبلت عليه النفوس من هذه السيئة التي يجب دفعها، ألا وهي سيئة الملل التي من أصابته فإنها أصابت من نفسه مقتلًا، وهكذا في مواضع كثيرة من كتاب الله، فتدبروها أيها المؤمنون.

فَلْيَنْظُرِ المؤمنُ إلى ما فيه أمل من نعمة الله ﷻ؛ نعمة الله على عباده أن جعلهم مسلمين، وجعل قلوبهم غير مرتابة، مُخْبِتِينَ الله مُسْتَسْلِمِينَ له، إن هذه نعمة، فهل مَلَّتْ منها بعضُ الأَنْفُسُ وأخذت ترتاب في دين الله وتتردد؟! إذا كان بعضهم كذلك فليتذكر قول الله ﷻ ﴿فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ﴾.

لقد ملت أنفُس من الطاعة فتركوها أو تركوا المداومة عليها، وتركوا المساجد؛ لأنهم ملوا من الصلاة في خمسة أوقات، وإلى أي شيء تركوا هذا الخير العالي؟ تركوه إلى ما هو دونه، وكأنهم نزل فيهم قول الله: ﴿أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ﴾ فملوا العادة الشرعية، وملوا العبادة المؤقتة إلى عادات أخرى، لكنهم لا يعقلون.

لقد ملت طائفة بعد أن سيطر الملل على نفوسهم، فملوا مما أباح الله ﷻ من النساء فذهبوا إلى غيره، أعطاهم الله الحلال ولكن الشيطان قبَّح الحلال في أعينهم وفي قلوبهم ورَأَوُا اللَّذَّة في التجديد، رأوا اللذة كما رأتها امرأة العزيز في الذي هو أدنى، رَأَوْها في الخبيثات، رأوها في اللواتي لسن طاهرات ولسن عفيفات، وتركوا الخير؛ تركوا الطاهرات العفيفات لأنهم ملوا ما أباح الله ﷻ، وهذه امرأة العزيز مع أنها ابتغت وليا من أولياء الله ونبيًّا صالحًا، فكيف بمن رام الخبيثات ! ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ﴾.

أيها المؤمنون، إن طائفةٌ مَلُّوا من المَكْسَب الحلال، وملوا من الربح الحلال، فأرادوا كثرة المال في هذه الحياة القصيرة، لِتَلْحَقَ بهم تَبِعَاتُه في الحياة الباقية الأبدية، فملوا الطاعة، وملوا مصابرة النفس، وملوا مدافعة الشيطان، فاستسلموا للإغراءات المختلفة؛ من إغراءات المال بالربا وبالغش وبالخيانة، وبأنواع الرشوة، ملوا الحلال واطَّرحوا في الحرام، نسأل الله العافية.

نعم أيضا إن الصالحين قد يدركهم مَلَلٌ، إن طائفة ممن فيهم صلاح نراهم ملُّوا قراءة القرآن والأُنس بكتاب الله ﷻ، فصاروا لا يقرؤون القرآن إلا قليلا ومنهم من حفظ القرآن ثم نَسِيَه، ومنهم من أراد طلب العلم ورامه وسلك سبيله ثم مل ذلك وتركه ناسيًا قول المصطفى ﷺ: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ».

مل طائفة من ملازمة المنهج الصحيح، ومن ملازمة السنة، ومن ملازمة طريقة السلف الصالح في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي أنواع التعامل مع ما يستجد، وظنوا أن الخلاص وأن الإصلاح في غير السنة، فملوا السنة وذهبوا إلى العقليات المختلفة، ولم يدركوا خيرًا، وإنما أدركوا شرا، والسنة واجب ملازمتها.

نعم أيها المؤمنون، لقد مل طائفة من المصابرة على الإخوة الصالحين، وعلى ملازمة من يرجو الله والدار الآخرة، ملوهم وأخذوا يجالسون الأشرار، فزَلَّتْ بهم،أقدامُهم نَسُوا قول الله ﷻ: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾.

إذن أيها المؤمن — العلاج في الصبر، العلاج في المصابرة، أن تُصَبّر نفسك، وألا تَغُرَّنَّك الحياة الدنيا، وألا يغرنك بالله الغَرور، لا يأتيك الشيطان فيجعلك تَمَل من الطاعة وتذهب إلى المعصية، وتمل من رزق الله الحلال وتذهب إلى رزق الله المحرم الذي ابتلى الله به العباد لا يأتيننا الشيطان فيجعل بعضنا يمل مما أحل الله له من النساء، فيذهب إلى المحرمات..

إن مِنَّا من يُصابر نفسه ويجاهد ولكنه مل المصابرة ومجاهدة النفس، ويقول: الناس يفعلون كذا والأمر قد اتسع وكثر أنواع الفساد، فمل من المصابرة، فنقول لهم: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.

أيها المؤمنون، هذا هو الملل المذموم، إنه الملل من طاعة الله والملل من نعمة الله، والملل من شكر الله، والملل من عبادة الله، والملل من الإخبات إلى الله والإقبال عليه وملازمة هدي المصطفى ﷺ.

وهناك نوع آخر من الملل محمود لأصحابه مِمَّن غَشِي المعصية، وممن أعرض، وممن قَسَا قلبه فمَلَّ بعد تطاول الزمان عليه، فمَلَّ من المعصية بعد أن رأى أن عاقبتها إلى خسارة، ومل من قسوة القلب، ومن عدم السعادة ومن عدم اللَّذَّة، م من ذلك ففكّر وتأمل في نفسه، وقاده ذلك إلى الإنابة إلى الله ﷻ، وإلى ملازمة المساجد وتلاوة القرآن وإصلاح نفسه وبيته، وهجر المعاصي بأنواعها، وهذا الملل محمود لأصحابه..

فامللوا أيها المسلمون من كل معصية، وأقبلوا على كل طاعة! وأما الملل المذموم فإنه إن أدركنا وشاع بيننا فإننا والله مُؤذَنُون بخطر وعقاب من الله، فقد قصَّ الله علينا القصص ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الأَلْبَابِ﴾. وقال ﷻ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾.

وقال رسوله: «إِنَّ اللهَ لا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا». أسأل الله ﷻ أن يجعلني وإياكم من الثابتين على دينه المستمسكين بحبله، الشاكرين له على نعمائه، اللهم اجعلنا شاكرين لك على أنواع نعمك باعتقادنا وقلوبنا وبألسنتنا ذكرًا وتحدثًا، وبأعمالنا طاعةً وإنابة، اللهم فاستجِبْ.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ﴾.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المؤمنين من كل ذنب، فاستغفروه حقا، وتوبوا إليه صِدقًا، إنه هو الغفور الرحيم.

وهنا نجِد خطبة مكتوبة مؤثرة ومبكية.. بعنوان: الأمراض — آثار رحمة الله

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وآله وصَحْبه، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فأيها المؤمنون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فإن التقوى فَخَارُنا ورِفْعَتُنا عند الله، إن أكرمكم عند الله أتقاكم.. هذا واعلموا أن أحسن الحديث كتاب الله، وخيرَ الهَدْيِ هَدْيُ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ، وشرَّ الأمور مُحْدَثَاتها، وكلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة؛ فإن يد الله مع الجماعة، وعليكم بلزوم هَدْي المصطفى الله، وهدي صحابته، وهدي التابعين، وهدي العلماء العاملين؛ فإن ذلكم هو النجاة لمن أراد الله نجاته.

أيها المؤمن، ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: «إِنَّ لِكُلِّ عَامَلٍ شِرَّةٌ» وفي رواية «إِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةٌ، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ، فَمَنْ كَانَتْ شِرَّتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدْ أَفْلَحَ، وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَىٰ غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ» يعني له عنفوان وله إقبال وله قوة. «وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةً»: لكل قوة وإقبال ركود وفترة، وهذا من جراء الملل ولكن هذا الملل إن كان مع عدم تفريط بالواجب فهذا هو الخير، وإن كان بمثل ترك بعض المستحبات حِينًا من الدهر ثم يرجع إليها فهذا قد يَعْرِضُ للنفوس جميعًا، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «فَمَنْ كَانَتْ شِرَّتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدْ أَفْلَحَ» يعني أنه إذا ملَّ لم يأتِ الحرام، ولكنه ترك بعض المستحبات وسيرجع إليها؛ لأن من طبيعة النفس الملل، فمن كانت فترته إلى سنة فقد أفلح وأنجح، ومن كانت فترته إلى معصية أو إلى بدعة فقد خاب وخسر، وهذا هو الملل المذموم.

أسأل الله ﷻ أن يُجَنِّبْنِي وإيَّاكم مساوئ الأخلاق، وأن يُصْلِحَ نُفُوسَنا، وأَن يُزَكِّيَهَا، اللهمَّ آتِ نُفُوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكَّاها، أنت وليها ومولاها.

هذا واعلموا — رَحِمَني الله وإياكم — أنَّ الله ﷻ أَمَرَنا بالصلاة على نبيه، فقال ﷻ قولاً كريمًا: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، وعنا معهم بعفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين، وعنِ الصَّحْبِ والآل ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وهذه أيضًا خطبة اليوم بعنوان: من مقاصد أحكام يوم الجمعة

الدُّعـاء

  • اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حزة الدين، وانصر عبادك المخلصين، اللهم انصر عبادك الموحدين الذين يجاهدون لتكون كلمة الله هي العليا يا أكرم الأكرمين.
  • اللهمَّ أَمنَّا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، ودلهم اللهم على الرشاد، وفتح لهم أبواب الخيرات، وغلق عنهم أبواب الشرور والمنكرات، يا أرحم الراحمين.
  • اللهم واجعلنا وإياهم من المتعاونين على البر والتقوى على ما أمرت يا ربَّنا، اللهم نسألُكَ أَن تُبْرِمَ لهذه الأُمَّة أمرَ رُشْد يُعَزُّ فيه أهل الطاعة، ويَعِفُ فيه أهل الغفلة والمعصية، ويُؤْمَر فيه بالمعروف ويُنْهَى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء.
  • اللهم جنبنا مُضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن عن هذا البلد بخاصة وعن سائر بلاد المؤمنين بعامة، يا أرحم الراحمين. اللهم وفقنا للتوبة النصوح، التي بها تَرْضَى عنا، اللهم وفقنا لِمَا فيه رضاؤك من الأقوال والأعمال والاعتقادات، نعوذ بك أن نَضِل أو نُضَل، أو نَذِل أو تذل، أو نَجهل أو يُجهَل علينا، ونعوذ بك أن نظلم كما نعوذ بك أن نظلم.

عِبادَ الرَّحمن، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾، فاذكروا الله العظيم الجليل يَذْكُرْكُم، واشكروه على عموم النعم يَزِدْكُم، ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.

وأقِـم الصَّـلاة..

الآن يا إخواني؛ قد وصلنا إلى نهاية خطبتنا؛ وهي -إن شاء الله- أجمل خطبة جمعة لموضوع هام وخطير.. بعنوان: الملل المذموم. ولا أترككم قبل أن أُوصيكم أيضًا بالاطلاع على خطبة جمعة عن اليقين في الرزق. نسأله ﷻ أن يُيسِّر لنا أمورنا ويوفقنا لكل خير.

أضف تعليق

error: