خطبة: عناية القرآن بالزمن وحديثه عن الأيام والسنين — مكتوبة

خطبة الجمعة القادمة , عناية القرآن بالزمن وحديثه عن الأيام والسنين , خطب مكتوبة

عُدنا إلى الخُطَب المنبريَّة المتميّزة؛ وتحديدًا مع خطبة الجمعة هذه، والتي تأتيكُم تحت عنوان: عناية القرآن بالزمن وحديثه عن الأيام والسنين. والتي نوافيكُم بها لتكون طريقكم لإلقاء مُميَّز متميّز ومؤثر لهذا الموضوع الهام؛ والذي عُمِّمَ على جميع المساجِد.

مقدمة الخطبة

الحمد لله ربّ العالمين، القائِل في كتابه الكَريم: {يُقَلِّبُ ٱللَّهُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِى ٱلْأَبْصَٰرِ}، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا مُحمدا عبده ورسوله، اللهم صَلّ وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين.

الخطبة الأولى

وبعد؛ فإن المتأمل في القرآن الكريم يدرك أنه أولى الزمن عناية بالِغة، مما يدل على أهميّته، وضرورة اغتنامه بالأعمال الصَّالحة النافعة، حيث أقسم الحق ﷻ في القرآن بأوقات مختلفة، فقد أقسم ﷻ بالفَجر، وأفرد له سورة سماها باسمه، فقال ﷻ: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ}.

وأقسم بالضحى، وأفرد له سورة سماها باسمه، فقال ﷻ: {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}، كما أقسم ﷻ بالعصر وأفرد له سورة باسمه فقال ﷻ: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}.

وأقسم ﷻ بالصبح وبالليل وبالنهار حيث يقول: {وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ}، ويقول ﷻ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى}.

وقد جعل الحق ﷻ مرور الزمان والأيام والسنين آية من آياته الدالة على كمال علمه وقدرته، حيث يقول الحق ﷻ: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا}، فالكون يسير وفق نظام دقيق بديع لا يتخلف ولا يضطرب، حيث يقول الحق ﷻ: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}.

ويقول ﷻ: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.

ويقول ﷻ: {يُولِجُ ٱلَّيْلَ فِى ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِى ٱلَّيْلِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِى لِأَجَلٍۢ مُّسَمًّى ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ ٱلْمُلْكُ وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِۦ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ}.

ويعظم قدر الزمن وتشتد أهمية اغتنامه بما أكده القرآن العظيم من ربط أداء العبادات بأوقاتها المحددة المشروعة، حيث يقول الحق ﷻ في شأن الصلاة: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}.

ويقول ﷻ: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}.

ويقول ﷻ في شأن الصيام: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}.

ويقول ﷻ في شأن الزكاة: {وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ}.

ويقول ﷻ في شأن الحج: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ}.

وكما يرشدنا القرآن الكريم إلى الاعتبار بالأيام والسنين الماضية، والنظر في عواقب الأمم السابقة، حيث يقول الحق ﷻ: {هَلْ يَنتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ}.

ويقول ﷻ: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}.

ويقول ﷻ: {وذَكِّرْهم بِأيّامِ اللَّهِ إنَّ في ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ}، يقول سيدنا عبد الله بن عباس (رضي الله عنه): أي: بوقائع الله في الأمم السالفة.

ويقول الطبري (رحمه الله): وعظهم بما سلف في الأيام الماضية لهم، وبما كان في أيام الله من النعمة والمحنة.

وهذه: خطبة عن الوقت هو الحياة

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد ﷺ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

كما تحدث القرآن الكريم عن أيام الحياة الدنيا فإنه يذكرنا بأيام الآخرة؛ لنعمل لها أحسن العمل، ونستعد لها حق الاستعداد؛ فإلى الله ﷻ المصير، وإليه المرجع والمآب، حيث يقول الحق ﷻ: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.

ويقول ﷻ: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ * فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا * يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ * وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا}.

ويقول ﷻ: {وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍۢ مِّمَّا تَعُدُّونَ}.

ويقول ﷻ: {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا * وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا}.

ويقول ﷻ: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍۢ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍۢ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوٓءٍۢ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُۥٓ أَمَدًۢا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُۥ وَٱللَّهُ رَءُوفٌۢ بِٱلْعِبَادِ}.

فما أحوجنا إلى الوعي بقيمة الزمن، والاعتبار بمرور الأيام والسنين، والعمل لديننا ودنيانا، لأنفسنا ولأوطاننا، ففي ذلك تذكرة وعظة، ودافع إلى الجد والاجتهاد واغتنام الأعمار فيما ينفع النفس والبلاد والعباد، حيث يقول الحق ﷻ: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا}.

ويقول نبينا ﷺ: (لا تَزُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَدَمَا عَبْدٍ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ خِصالٍ: عن عُمرِه فيما أفناه، وعن شبابِه فيما أبلاه، وعن مالِه من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن عِلمِه ماذا عمِل فيه).

اللهم احفظ مصرنا، وارفع رايتها في العالمين.

والآن إخواني؛ وبعد أن قدَّمنا لكم نَصّ خطبة الجمعة: عناية القرآن بالزمن وحديثه عن الأيام والسنين؛ نوَدّ أن نقترح عليكم المزيد أيضًا؛ فهذه خطبة عن عناية القرآن الكريم بالقيم الأخلاقية. نسأل الله الحليم الكريم العظيم ﷻ أن ينفعنا وإياكم، وجميع المسلمين، بهذه الخُطَب والدروس والمواعِـظ.

أضف تعليق

error: