هل أتزوج غير المحجبة؟ صراع بين الواجب والحب

هل أتزوج غير المحجبة؟ صراع بين الواجب والحب

«عبدالهادي» يسأل: أنا عمري 24 سنة وأريد أن أُكمل نِصف ديني وأن أتزوج ولكن الأهل يقترحون عليّ أن أتزوج من أقاربي بسبب يقولون أنها تعرفنا وتعرف عاداتنا، والغريبة لا نعرفها جيدا، ومن الصعب أن نجد الفتاة المناسبة؛ وأنا والحمد لله متدين وأريد أن أتزوج فتاة متدينة وتربي أولادي تربية دينية صالحة وهذه المواصفات غير متوفرة في أي بنت من أقربائي إلا أنه هناك بنت جميله جامعية ومهذبة واتوقع انها تحبني وهي أصغر مني بخمس سنوات ولكنها غير ملتزمة بالزي الشرعي (الحجاب) وفي اعتقادها انه المتدينة متزمتة ومتخلفة مع أنها تصلي وتصوم وتقرأ القرآن مع التوضيح أنها لا تلبس اللباس الشرعي لأن أهلها لم يربوها على لبس الحجاب ونحن عيلة محافظة ومتدينة والحمد الله ولكن الاهل يقولون لي انني استطيع ان اهاديها واني استطيع أن اقنعها ان تلبس اللباس الشرعي.

ولكنني احب ان اتزوج الفتاة التي تربي أولادي التربية الصالحة وانا محتار في امري فانصحوني جزاكم الله خيرا مع التنويه باني احس انني استطيع ان شاء الله ان اهديها.

الإجابـة

الأخ الكريم: حيرك وشغل بالك أمر اختيار زوجتك ومعك كل الحق؛ فهذا أمر جد خطير وقد يكون من أهم أمور الحياة التي تستحق التروّي والتأني، فلماذا؟ لأن الزوجة الصالحة هي خير متاع الدنيا كما أخبرنا حبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهى الأم صانعة الأجيال ومربية النشء وحاضنة الأطفال وهى التي ترضعهم – مع لبنها – القيم والأخلاق.

ولهذا كانت عناية الإسلام بأمر اختيار الزوجة فقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: “اظفر بذات الدين تربت يداك”، كما حرص على توافر الحد الأدنى من القبول العاطفي فقال صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة الذى خطب امرأة ولم يراها: “أنظر إليها فإنه عسى أن يؤدم بينكما” أي أن يكون بينهما من الود ما يكفل لهما حياة زوجية سعيدة، ولقد أكدنا مرارا على أن الإنسان عندما يريد اختيار شريك الحياة عليه أن يحدد بدقة ما يجب أن يتوافر من الميزات، وما لا يستطيع أن يتحمله من عيوب، والمواصفات الشكلية المطلوبة، وضوابط التكافؤ الاجتماعي من وجهه نظره، وكذلك عليه أن يحدد ما يمكن أن يتنازل عنه من مميزات وما يمكن أن يتقبله من عيوب، وهذه المتطلبات تختلف من شخص لآخر ولن يحددها إلا الشخص نفسه، وبعد ذلك يبدأ في البحث عمن تتوافر فيه الصفات المطلوبة، وعليه أن يخضع اختياره لحكم العقل والقلب معا بعد استخارة المولى عز وجل، واستشارة من يثق بحكمته من الأهل والأصدقاء.

ونأتي بعد ذلك لما تورده في رسالتك عن قريبتك هذه وعن الحجج التي تسوقها مبررا لارتباطك بها، ولقد شعرت من كلامك أنك ترتضى هذه الفتاة أو تجد في نفسك قبولا وميلا عاطفيا نحوها، وهذا لا حرج فيه بالطبع، ولكن حسك الدينى يعارض ذلك لأنك تريدها أكثر تدينا، فذهبت تسوق الحجج؛ فتارة تذكر رغبة الأهل لأنها تعرفكم والغربية لا تعرفكم ولا تعرفونها، وتارة تحاول أن تلتمس لها الأعذار وتلقى باللوم على أهلها، وتارة تذكر أنك تشعر أن الفتاة تحبك، وتارة أخرى تذكر أنك تستطيع أن تهديها، وأنك تستطيع أن تلزمها بارتداء الزى الإسلامي، وليس لنا أن نعترض على اختيارك، ولكننا نشعر أنك تريد أن تنتزع منا موافقة على ما تريده، تبرر بها لنفسك التي تلومك قبولك لمن هي أقل تدينا من طموحاتك، فإذا وجدت بعد ذلك أن مستوى تدينها قد أثر سلبا على علاقتكما أو أنها لم تكن الأم التي تريدها لأطفالك؛ قلت لقد عملت ما على وأديت واجبى وأستشرت، وهنا نحب أن نؤكد أننا لا نختار لأحد ولكننا نوضح ميزات وعيوب كل اختيار، وعلى المرء أن يختار لنفسه ويضعها حيث يريد، ونؤكد مرة ثانية أننا لسنا ضد أن تختار قريبتك هذه، ولكن لأنك ترى محاسن هذا الاختيار وتسوق الحجج لتأييده؛ نرى لزاما علينا أن نوضح لك عواقب هذا الاختيار ونترك لك حرية القرار بعد ذلك، فزن أمورك جيدا وتحسب لخطواتك قبل أن تخطوها.

تعال بداية ننظر لحجة الأهل في أن الغريبة لا تعرفكم وأن القريبة هي التي تعرف طباعكم كما تعرفونها؛ وهذه الحجة مردود عليها بأن الكثير من الزيجات تنجح برغم كون الزوجان غريبان، بينما تفشل بعض زيجات الأقارب، والعبرة ليست في معرفة الشخص وطباعه، ولكن العبرة في نضج طرفي العلاقة بحيث يتحمل كل منهم مسئولياته وأولها مسئولية الاختيار، هذا بالإضافة لما يؤكده العلماء من أن زواج الأقارب قد يؤدى إلى ظهور بعض الأمراض الوراثية.

الأمر الثاني -وهو أهم الجوانب على الاطلاق- والذى يجب أن تنظر إليه وتضعه في اعتبارك فعلا هو تدين هذه الفتاة، والتزام الفتاة بالزي الشرعي -على أهميته- لا يعتبر الدليل الأوحد على التدين فهو مظهر ينم عن الجوهر؛ وكثير من الفتيات لا يلتزمن بارتدائه ولكنهن يشعرن أن ما يفعلنه خطأ، وأنهن يرتكبن معصية تستوجب التوبة وطلب المغفرة من الله، أي أنهن يشعرن بتقصيرهن، وهؤلاء الفتيات لو وجدن تشجيعا من الزوج سارعن بارتداء الزى الشرعى بطواعية وبدون إجبار، وكلامي هذا بالطبع لا يعنى ترك اللباس الشرعي ولكنه يعنى في المقام الأول التفرقة بين من يرتكب ذنبا أو يقصر في حق من حقوق الله ولكنه يستشعر الندم؛ هذا الندم يشفع له ويدفعه دفعا لترك هذا الذنب، والأمر مختلف بالنسبة لقريبتك هذه التي تصلى وتصوم وتقرأ القرآن ولكن لا يمنعها ذلك من أن تتهم من تلتزم بالزي الإسلامي بالتزمت والرجعى.

ومعذرة أخي الكريم فهذا التصور يتنافى مع جوهر الإيمان بالله سبحانه “فالإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل” ويتنافى مع صريح القرآن “وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم” وقوله سبحانه: “إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون”، ونخشى أن نقول أن هذه الفتاة تستنكر أو تسخر مما هو معلوم من الدين بالضرورة، لأن هذا أمر جد خطير ويرجع في هذا لقسم الفتوى، وأغلب الظن أن دافعها لذلك أنها تجهل عظم ما تذهب إليه، وخصوصا أنها ما زالت صغيرة، وهنا عليك دور في تصحيح تصوراتها قبل أن تلزمها بارتداء الزى الإسلامي، لأنه في أمور العبادات والطاعات يؤجر المرء بنيته ويجب أن يكون دافع المسلم ابتغاء مرضاة الله، فأين النية في القسر والإجبار والإلزام؟ وعليك أن تبدأ هذه الخطوات قبل أن تخطو أي خطوة في طريق الارتباط بها، ويمكن أن يتم ذلك عن طريق احدى أخواتك فيتدارسا معا الآيات التي تشرح ضوابط الزى الإسلامي أو تهديها بعض الكتب التي تتحدث في هذا الأمر. فإذا وجدت منها استجابة فتوكل على الله.

وإذا لم تجد الاستجابة المطلوبة فالأمر متروك لك، ومسئولية إقامة البيت المسلم وتربية الأبناء تقع على عاتقك، فاحسب أمورك جيدا ولا تنسى الاستخارة، وأهلا بك دائما.

⇐ هذه أيضًا بعض الاستشارات السابقة:

⇐ أجابتها: سحر طلعت

أضف تعليق

error: