خطبة خاصة بالأردن بعنوان ﴿واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا﴾

خطبة خاصة بالأردن بعنوان ﴿واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا﴾

مقدمة الخطبة

الحمد لله ذي الجلال والإكرام، المتفرد بالعزة والفضل والإنعام، يعز من أطاعه واتقاه، ويذل من أضاع أمره وعصاه، سبحانه الرحيم بمن عصاه، والهادي لمن استهداه، مجيب دعوة الداعي إذا دعاه، من آوى إليه آواه، ومن توكل عليه كفاه، ومن استغنى به أغناه، ومن ترك شيئا لأجله عوضه فوق ما يتمناه، أحمده حمدا يملأ أرضه وسماه.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا معبود بحق سواه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ونبيه ومصطفاه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن والاه، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين أمــا بعـد: فاتقوا الله عباد الله (ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا) [الطلاق: 4].

الخطبة الأولى

أمر الله ﷻ هذه الامة بالاعتصام بحبله المتين، يقول الله ﷻ: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ آل عمران:103. ذلك أن الاعتصام بحبل الله ﷻ هو سبب النصر، والعزة، والكرامة. وحذرنا الله ﷻ من الفرقة والتنازع والاختلاف الذي يؤدي إلى الفشل والضعف والهوان. يقول الله ﷻ: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ الأنفال:46.

وما يحدث في غزة وشوارعنا في الأردن فلنعلم جميعاً أن موقف الأردن هو الذي وحدّ الامة وانقذ بعد الله ﷻ أهلنا في غزة.

  1. فأولاً: جلالة الملك هو أول من قام بتغيير الرأي العام العالمي، حيث كان الاحتلال ومن يدعون لإبادة أهل غزة كاملة. ولا يزالون يدعون إلى ذلك حتى الأمس القريب. فجلالة الملك والعائلة الهاشمية بعد الله ﷻ هم من قاموا بتغير الرأي العام وبالتالي انقاذ أكثر من مليوني من أهلنا في غزة من إبادة جماعية.
  2. ثانياً: جلالة الملك بعد الله ﷻ هو من قاد الحركة ضد التهجير. فكان من المخطط أن يهجروا إخواننا الفلسطينيين في غزة الى مصر وأهل الضفة الى الأردن فبفضل الله وبجهود جلالة الملك لم يكن ذلك .
  3. ثالثاً: الأردن والنشامى في القوات المسلحة لهم الدور الأكبر في إيصال الإسعاف والمساعدات الطبية داخل غزة فكل المستشفيات دمرت ما عدا مستشفيات الأردن بالرغم من القصف عليهم.
  4. رابعاً: الأردن هي التي بدأت وبادرت في إيصال المساعدات الجوية بالرغم من شح الموارد. ولم تستأذن في ذلك أحداً وبمجازفة الطيران بما فيهم جلالة الملك وابنته الاميرة سلمى، وكل المساعدات الدولية التي نزلت بالطيران كلها بالتنسيق مع الأردن.
  5. خامساً: الأردن أول من وضع آلية لتنسيق المساعدات سواء من رفح أو من الجو أو من البحر فهنالك باخرة دخلت من البحر بالمساعدات.

وبفضل الله ﷻ الأردن قام بواجبه نحو إخواننا في غزة فغيّر بقلبه ولسانه ويده ما يمكن على الأرض رغم المعاناة. لقول النبي ﷺ: «مَن رَأَى مِنكُم مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيَدِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسانِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وذلكَ أضْعَفُ الإيمانِ» اخرجه مسلم. وكل الأردنيين شاركوا في ذلك فمنهم بالدعاء ومنهم بالمساعدات ومنهم في القوات المسلحة الذين خاطروا بحياتهم. ولا يزال الأردن يعمل بأقصى طاقته لوقف الحرب في غزة.

والجهاد في الإسلام هدفه: حفظ الدين، والعرض، والوطن، والإنسان. فالجهاد مبناه على الحكمة ومراعاة المصالح ودفع المفاسد، ويعلنه ولي الأمر في الوقت المناسب لشعبه ومصلحة بلده. وليس لأحد آخر أن يبت في ذلك. يقول الله ﷻ: ﴿ِإذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ سورة النساء:83.

والجهاد ليس افساداً في الأرض ولا تضييعاً للحكمة وليس بثاً للفرقة بين أبناء الوطن الواحد بالدعوة الى الاعتداء على رجال الأمن بل إن ذلك فساد في الأرض وكبيرة من الكبائر يستحق صاحبها العقوبة وهو كذلك فتنة. يقول الله ﷻ: ﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾ سورة البقرة:191. ويقول ﷻ: ﴿وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ﴾ سورة البقرة:217. والأردن بيّن الخطوط الحمر فلا يزاود عليه أحد.

وعلينا أن لا نفوت الفرصة في ليلة القدر المباركة .يقول الله ﷻ: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾ القدر: 1-5.

يقول ﷺ: «مَن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ» أخرجه مسلم. فعليكم بليلة القدر أن تدعو لأنفسكم وأهليكم وللأردن ولشعبنا في غزة والضفة وسائر المسلمين في العالم الإسلامي.

اللهم إنا نتوجه اليك في أهل غزة والضفة وأهل فلسطين أن تنصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين. وارحم شهداءهم وتقبلهم في الصالحين. وخصَّ برحمتك أولئك الذين قضوا تحت الأنقاض ولم يتمكن أحد من الوصول اليهم أو الصلاة عليهم أو العثور عليهم من حجم الدمار وتطاير الأشلاء. اللهم وأنزل عليهم السكينة والطمأنينة، وشافي الجرحى والمصابين والمكلومين منهم. وخفف عنهم واربط على قلوبهم يا رب. ونؤكد على قيامنا بواجب أداء صلاة الغائب على شهدائنا في غزة و الضفة . ونذكّر أن الصلاة على الغائب من الشهداء والذين هم تحت الأنقاض بعد الصلاة والاذكار والسنة البعدية للجمعة. سائلين المولى ﷻ أن يتقبلهم في الشهداء ويتغمدهم بالرحمة والمغفرة.

⇐ وهنا أيضًا خطبة: الاعتصام بالله سبيل النجاة – مكتوبة – ﴿واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا﴾

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ سورة آل عمران:102.

واعلموا عباد الله ان الله قد أمركم بأمر عظيم بدأ به بنفسه وثنى بملائكة قدسه، فيقول الله ﷻ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ سورة الأحزاب: الآية 56، عن أُبي بن كعب رضي الله عنه: (أنّ من واظبَ عليها يكفى همه ويُغفر ذنبه)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: “مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا”، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، يقول الله ﷻ:﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ سورة الأحزاب: الآية 43، وهذا يتطلب التخلق بأخلاقه ﷺ ونقتدي بسنته في البأساء والضراء وحين البأس.

واعلموا أن من دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه، ومن قال: “سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر”.

وفي المصائب والكرب والشدة أوصى الرسول ﷺ بدعاء الكرب وهو: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم) رَوَاه الْبُخَارِيّ. فندعو به في شدائدنا وشدائد أهل غزة وفلسطين، واعلموا أن هذا الدعاء يناجي الله ﷻ في اسمه العظيم تذللاً لعظمة الله، والحليم رجاءً لحِلم الله، وربّ السموات والأرض ربّ العرش العظيم يقيناً بأن الأمر كله بيد الله، وأكثروا عند تكالب الأعداء علينا من قول (حسبنا الله ونعم الوكيل)، لأنّ الله ﷻ يقول: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ آل عمران:173، 174

والحمد لله ربّ العالمين..

أضف تعليق

error: