الشيخ الدكتور سعد البريك: مسيرة دعوية حافلة بالعطاء

الشيخ الدكتور سعد البريك: مسيرة دعوية حافلة بالعطاء

يُعدّ الشيخ الدكتور سعد البريك، الذي وُلد عام 1381هـ الموافق 1962م، وتوفي عام 1446هـ الموافق 2025م، من أبرز الشخصيات الدعوية في المملكة العربية السعودية. فقد كان داعيةً مؤثرًا، وإمامًا وخطيبًا مرموقًا، كما شغل عدة مناصب قانونية واستشارية، وتميّز بحضوره القوي في القضايا الاجتماعية، لا سيما تلك المرتبطة بالشباب، إلى جانب دفاعه المستمر عن القيم الإسلامية ومناصرته لقضايا المسلمين في شتى أنحاء العالم.

النشأة والتحصيل العلمي

وُلد سعد بن عبد الله البريك في مدينة الرياض، يوم الاثنين الرابع عشر من شهر رمضان عام 1381هـ، الموافق للتاسع عشر من فبراير عام 1962م. بدأ مسيرته التعليمية بحصوله على شهادة البكالوريوس من كلية الشريعة، قسم الاقتصاد، في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1403هـ. ثم واصل دراساته العليا ليحصل على درجة الماجستير من قسم الفقه المقارن، حيث تناولت رسالته موضوع “التأمين التجاري في الإسلام”، وهو من الموضوعات التي تجمع بين الفقه والواقع المعاصر.

ولم تتوقف مسيرته الأكاديمية عند هذا الحد، إذ نال شهادة الدكتوراه من المعهد العالي للقضاء، قسم الفقه المقارن، بدرجة ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى، وكانت أطروحته بعنوان “تنصيص اختيارات الإمام الخطابي الفقهية”. ومن خلال هذا العمل العلمي الموسّع، أثبت البريك تمكنه العميق من العلوم الشرعية وقدرته على البحث المقارن الدقيق.

المناصب والأنشطة

على صعيد الوظائف، تقلّد الشيخ سعد البريك العديد من المناصب التي تجمع بين العمل الدعوي والاستشاري. فقد عمل مستشارًا ونائبًا لرئيس اللجنة العليا في مكتب الأمير عبد العزيز بن فهد للبحوث والدراسات، كما كان عضوًا في لجنة التربية العليا التي ترأسها الأمير سلطان بن عبد العزيز، ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام آنذاك.

بالإضافة إلى ذلك، شارك في اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجنة العليا، والتي ترأسها الشيخ الدكتور عبد الله المطلق. وقد برز اسمه ضمن الفريق المخصص لمناصحة السجناء ممن يحملون أفكارًا متطرفة، مما يدل على حرصه على تصحيح المفاهيم وإعادة بناء الوعي.

وتولى أيضًا الإشراف العام على المكاتب التعاونية للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات في منطقتي البديعة والصناعية الجديدة، كما كان عضوًا في الهيئة الشرعية للندوة العالمية للشباب الإسلامي. وتوسّع نشاطه الدعوي إلى خارج المملكة، حيث انضم إلى مجلس أمناء مؤسسة الوقف الإسلامي في السويد، ومجلس أمناء مسجد التوحيد في مدينة “هاتشي يوتشي” بطوكيو، اليابان.

أما على الصعيد المحلي، فقد عُرف إمامًا وخطيبًا لجامع الأمير خالد بن سعود بحي ظهرة البديعة لأكثر من خمسة وعشرين عامًا، مما أتاح له بناء علاقة روحية وثقافية مستمرة مع المجتمع المحلي.

مشاركاته ومؤلفاته

شارك الدكتور سعد البريك في العديد من المؤتمرات والندوات داخل المملكة وخارجها، من بينها مؤتمرات أُقيمت في الولايات المتحدة، وبريطانيا، وبلجيكا، والسويد، وألمانيا، والقاهرة، مما يعكس مكانته الدعوية عالميًا.

أما في ميدان التأليف، فله إنتاج علمي غزير ومتنوع، من أبرز مؤلفاته:

  • الاختيارات الفقهية للإمام الخطابي، دراسة مقارنة، في ستة مجلدات، وهي أطروحته للدكتوراه.
  • الإيجاز في بعض ما اختلف فيه الألباني وابن عثيمين وابن باز، في مجلدين.
  • فتاوى الفضائيات: الضوابط والآثار.

وقد نُشرت له العديد من الأبحاث في مجلات علمية محكّمة، فضلًا عن مشاركاته عبر موقعه الإلكتروني الرسمي www.saadalbreik.com، الذي احتوى على الكثير من المواد العلمية والفكرية.

برامجه التلفزيونية

لم يقتصر تأثيره على المنابر والمجالس العلمية، بل امتد أيضًا إلى الشاشات التلفزيونية، حيث قدّم عدة برامج ذات طابع دعوي وتربوي، منها:

  • برنامج خذوا عني مناسككم
  • برنامج وثبت الأجر
  • برنامج وإنك لعلى خلق عظيم
  • برنامج فاستبقوا الخيرات
  • برنامج النجاة
  • برنامج سواعد الإخاء

هذه البرامج أسهمت في إيصال رسالته إلى جمهور أوسع، وربطت بين الأصالة الشرعية والتقنيات الحديثة في الإعلام.

وفاته

رحل الشيخ الدكتور سعد البريك مساء يوم السبت الخامس من شهر ذي القعدة لعام 1446هـ، الموافق الثالث من مايو عام 2025م، بعد أن قضى عمره في خدمة الدين والدعوة، وقد ناهز عمره خمسًا وستين سنة. ومن المقرر أن يُصلّى عليه بعد صلاة الظهر من اليوم التالي، الأحد، في جامع الراجحي بالرياض، ويُوارى الثرى في مقبرة النسيم.

وبذلك، يُطوى فصلٌ من فصول العمل الدعوي المضيء في المملكة، تاركًا خلفه أثرًا لا يُمحى في قلوب تلامذته ومستمعيه ومحبّيه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error:
Scroll to Top