لماذا تتخذ الأجسام في الفضاء شكلاً كروياً؟

لماذا تتخذ الأجسام في الفضاء شكلاً كروياً؟

على الرغم من الفروقات الكبيرة بين كواكب المجموعة الشمسية من حيث الحجم، وبعدها عن الشمس، واختلاف تراكيبها الداخلية، إلا أن هناك سمة مشتركة واضحة تجمع بينها، وهي شكلها الكروي. فكل كواكب المجموعة الشمسية، بل ومعظم الأجسام الكبيرة في الفضاء، تتخذ شكلاً قريبًا جدًا من الكرة. ومن هنا يُطرح تساؤل بديهي: لماذا الشكل الكروي تحديدًا؟ لماذا لا نجد نجمًا مربعًا أو قمرًا أسطوانيًا أو كوكبًا هرمي الشكل؟

للإجابة عن هذا التساؤل، لا بد من العودة بالزمن إلى أكثر من أربعة مليارات سنة، وتحديدًا إلى الحقبة التي بدأت فيها الأجسام السماوية بالتكوّن داخل مجموعتنا الشمسية. لنأخذ الكواكب مثالًا، إذ تشير الفرضيات العلمية إلى أن تشكُّلها بدأ داخل سديم هائل من الغاز والغبار الكوني. ومع مرور الوقت، بدأت هذه المواد تلتف حول مركز السديم، وتجمعت كميات أكبر منها تدريجيًا، مما أدى إلى تكوّن جسم ضخم بدأ في الانكماش على نفسه بفعل الجاذبية.

وبسبب الضغط الناتج عن هذا الانكماش، ارتفعت حرارة المركز بشكل كبير، حتى وصلت إلى درجة مكّنته من بدء تفاعلات الاندماج النووي، والتي حوّلت الهيدروجين إلى هيليوم، مما أدى إلى تكوّن نجم جديد: الشمس. وبانفصال هذا النجم عن السديم، بدأت جاذبيته تؤثر على الأجزاء المحيطة، فإما أن تنجذب إليه أو تبدأ بالدوران حوله، ومع هذا الدوران بدأت تتكوّن الصخور من الغبار والغازات، ثم تصطدم ببعضها لتُشكّل صخورًا أكبر، ومع الوقت تتكون الكواكب.

وفي كل مرة كانت المواد تتراكم داخل الكوكب، كانت الجاذبية تزداد، مما أدى إلى انجذاب المزيد من المواد نحو المركز، إلى أن استقرت بعض الأجسام في مدارات محددة حول الشمس. ومن الجدير بالذكر أن هذه العملية برمتها يمكن تلخيصها في كلمة واحدة: الجاذبية.

فالجاذبية هي القوة التي تجعل أي جسم في الكون متماسكًا، وتحافظ عليه في حالة من التوازن. وبالنسبة لأي كوكب، فإن الجاذبية تسحب كل المادة المكوّنة له باتجاه مركزه، من جميع الاتجاهات وبشكل متساوٍ، مما يؤدي إلى تشكُّل الشكل الكروي تلقائيًا. فالهندسة الكروية هي الوحيدة التي تتيح تساوي المسافات بين المركز وأطراف الجسم، وبالتالي تحقق التوازن المطلوب.

لكن الجاذبية ليست العامل الوحيد، إذ يدخل أيضًا في الاعتبار عامل الضغط الحراري الناتج عن محاولة الكوكب التخلص من الحرارة الداخلية، في مقابل قوة الجاذبية التي تسحب المواد إلى الداخل. وهذا التوازن بين الضغط والجاذبية يُعرف بالتوازن الهيدروستاتيكي، وهو ما ينتج عنه الشكل الكروي المستقر للأجسام الكبيرة.

ولكن هل هذا يعني أن كل الأجسام في الفضاء تتخذ شكلًا كرويًا؟ في الواقع، لا. فالعوامل التي ذكرناها لا تنطبق على جميع الأجسام، بل تحتاج إلى شروط محددة، أهمها الحجم. فحجم الجسم هو ما يحدد مدى قوة جاذبيته وسرعة دورانه، وهو ما يؤثر بدوره في الشكل النهائي.

لذلك، الأجسام الصغيرة مثل الكويكبات غالبًا ما تكون ذات أشكال غير منتظمة، لأنها لا تملك الجاذبية الكافية لفرض تماسك مادي يجعل شكلها كرويًا. ويمكننا أن نقول بشكل تقريبي إن أي جسم قطره أقل من 1000 كيلومتر — أي أصغر من القمر بحوالي ثلاث مرات ونصف — لا يمتلك القدرة الكافية ليأخذ الشكل الكروي.

وعلى الرغم من أن الحجم الكبير شرط أساسي للتكوّن الكروي، إلا أن هناك حالات استثنائية مثيرة للاهتمام. فبعض الأجسام الكبيرة، مثل كوكب زحل أو كوكب المشتري، ليست كروية تمامًا، بل تبدو منتفخة عند خط الاستواء. والسبب في ذلك هو دورانها السريع للغاية، حيث تصل سرعة دوران زحل إلى نحو 35,000 كم/ساعة، بينما تبلغ سرعة المشتري أكثر من 47,000 كم/ساعة. هذا الدوران السريع يجعل المواد على السطح عند خط الاستواء تندفع للخارج بفعل قوة الطرد المركزي، مما يؤدي إلى انتفاخ واضح يُعرف باسم الانبعاج الاستوائي.

ومن المثير للدهشة أن زحل يُعتبر أكثر كواكب المجموعة الشمسية تأثرًا بهذا الانبعاج، على الرغم من أن حجمه أصغر من المشتري. فعند قياس قطره من القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي، سنجد أن شكله أبعد ما يكون عن الكرة المثالية.

أما الكواكب التي تدور بسرعة أقل مثل الأرض والمريخ، فهي أقرب بكثير إلى الشكل الكروي المثالي. على سبيل المثال، نسبة الانبعاج في الأرض لا تتجاوز 0.3%، وفي المريخ حوالي 0.6%، ما يعني أن شكل كل منهما يمكن اعتباره كرويًا إلى حد كبير.

في النهاية، وعلى الرغم من الاختلافات الطفيفة بين كواكب المجموعة الشمسية، فإنها تبقى من أكثر الأجسام التي تُظهر الكروية بوضوح في الفضاء. ومهما تنوعت أشكال الأجسام الكونية، فإن الغالبية العظمى منها بدأت كشكل كروي بفعل الجاذبية، ومن ثم تطورت أشكالها إما بالحفاظ على هذا الشكل أو بالتغير نتيجة لعوامل أخرى مثل السرعة أو الحجم أو التركيب الداخلي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error:
Scroll to Top