مقدمة الخطبة
الحمد لله الكريم، جعل للوقت قيمة، وللانتفاع به أهمية عظيمة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريـك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، عرف للعمر قدره، فاصطفى من العمل خيره، واجتنب ضره وشره، ﷺ وعلى آله وصحبه أجمعين، وكل من تبع نهجه إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا عباد الله: اتقوا الله حق التقوى، واعرفوا لاستغلال العمر قدره تفلحوا دنيا وأخرى، ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾.
الخطبة الأولى
أيها المسلمون: اعلموا -هداكم الله لأحسن الأخلاق- أن المرء الحريص على دينه ووطنه هو ذلك الذي يستشعر أن عليه أن يتعلم، وينتج، ويرتقي بنفسه وغيره؛ لينشأ جيل واع حريص على المعرفة، معتصم بالهمة العالية، وحب العمل، والسعي إلى الخيرات؛ فبها ينال الأجر، ويدرك المجد، ويبلغ معالي الأمور، فكل خير يسعى إليه المؤمن هو من الصالحات التي وعد الله صاحبها بالحياة الطيبة: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
الأوقات -يا عباد الله- رأس مال المسلم، وخير ما ينبغي أن يحرص عليه، ويسعى جهده إليه، فعن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: «اغتنم خمسا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك»، ولفضلها أقسم الله بها، فقد أقسم بالليل، والعصر، والفجر، والضحى ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا﴾.
أيها الحريصون على أولادهم: ينتظر أصحاب الهمم -أمثالكم- الصيف بكل شوق؛ لأنه مستراح أولادهم، وموئل تغيير رتابة جدولهم، وفيه تخففهم من بعض الأعباء، فضلا عما في الصيف من التحاقهم بالبرامج التعليمية، والدورات التأهيلية، والرحلات الترفيهية.
وإن مما ينبغي أن يشتغل به الأولاد تعلم الصلاة، سواء تعليم والديهم لهم، أو إلحاقهم بالمراكز التعليمية، قال تعالى في الأمر بالصلاة: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾.
وفي الحديث: «مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر»، ومن خير ما ينشأ عليه الناشئة تعلم القرآن؛ فقد جاء عنه ﷺ: «علموا أولادكم القرآن؛ فإنه أول ما ينبغي أن يتعلم من علم الله هو»، وقد حض النبي عليه؛ لأنه يشفع لقارئه كما جاء في الحديث: «اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه»، فضلا عما في تعلمه وتعليمه من خيرية: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه»، ومن فضل الله علينا أن باتت حلقات القرآن منتشرة، ودورات تعليم التجويد مزدهرة لا تخلو منها ولاية.
هذا ومما ينبغي ألا يغفل عنه ولي الأمر أن ينشئ ولده على العقيدة الصحيحة المتمثلة في معاني الإسلام والإيمان والإحسان، فأما الإسلام فقد اختصره النبي ﷺ بقوله: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا».
وأما الإيمان فقد أجمله أيضا بقوله: «أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره»، ثم عرف لنا معنى الإحسان بكل بلاغة قائلا: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك»، فمن التزم هذا في نفسه ومع الناس فقد أتى خيرا عظيما، وعلم أولاده ركنا متينا.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.
وهذه أيضًا: خطبة عن الإجازة الصيفية
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي حبب إلينا استغلال الأوقات، ويسر لنا صنوف الطاعات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريـك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، خير المربين، وأفضل عباد الله الصالحين، ﷺ وعلى آله وأصحابه الطيبين، ومن سلك مسلكهم إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا عباد الله: لم يكن العلم يوما في جانب دون آخر، فكل ما فيه نفع للعباد علم مشروع، فينبغي لأولياء الأمور أن يغرسوا في أولادهم حب امتلاك المهارات المتنوعة؛ فكلما كان النشء ذا مهارة كان أكثر ثقة بنفسه، واستمتاعا بالحياة، ومن المهارات التي ينبغي أن يحرصوا عليها السباحة؛ فإنها تنقذ المرء من الغرق، وتجعله ينقذ غيره، جاء في الأثر: «علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل».
ومنها مهارة الخط الحسن، ومهارات الحاسوب؛ كلغات البرمجة، واستعمال المكتبات الإلكترونية في البحث العلمي.
ومنها حسن استعمال الذكاء الاصطناعي فيما فيه فائدة، ومهارة التسوق الإلكتروني الآمن، ومعرفة سبل الوصول إلى المعلومة الصحيحة، وكذلك ولوج دورات في الجوانب التربوية، ودورات في الجوانب الاجتماعية، والاقتصادية، والرياضية.
ومنها تعلم اللغات الأخرى، فقد ورد عنه ﷺ أنه أمر زيد بن ثابت بتعلم لغة أخرى لما رأى الحاجة إليها، وكذلك على الوالدين أن يحرصا على تشجيع البنات بما ينفعهن من دورات علمية، ومهارات مفيدة تناسب طبيعتهن ورغبتهن، فبهذا كله يرقى المجتمع ويشتد ساعده، ويتقدم وتقوى أركانه؛ فالمعرفة، وامتلاك المهارات قوتان معنويتان لا يستهان بهما.
فاتقوا الله -عباد الله-، واحرصوا على أن تعمروا صيفكم -وكل أوقاتكم- بالنافع المفيد؛ فإنه خير بناء للنفس، وأفضل تعمير للوقت، وهو رقي بالوطن والمجتمع.
هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين؛ محمد الهادي الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.