أغرب القبائل البدائية: عالم آخر يعيش بيننا في عزلة تامة

أغرب القبائل البدائية: عالم آخر يعيش بيننا في عزلة تامة

مع اقتراب عدد سكان كوكب الأرض من حاجز الـ8 مليارات نسمة، أصبح أكثر من نصفهم متصلين بالإنترنت، ما يجعل العالم يبدو وكأنه قرية صغيرة يمكنك التفاعل مع سكانها بضغطة زر. لذلك، قد يبدو من المستغرب أو حتى غير قابل للتصديق، أن هناك من لا يزال يعيش كما عاش أسلافنا قبل آلاف السنين، دون أي اتصال بالعالم الحديث. هؤلاء هم سكان القبائل البدائية المعزولة، الذين لم تصلهم التكنولوجيا، ولا يعرفون شيئًا عن السيارات أو الكهرباء أو الإنترنت.

القبائل المعزولة في أمريكا الجنوبية: عالم منسي داخل الغابات

تشير التقديرات إلى أن حوالي 97% من القبائل البدائية المعزولة حاليًا تعيش في قارة أمريكا الجنوبية، وتحديدًا في أعماق غابات الأمازون المطيرة. هناك أكثر من 100 قبيلة ما زالت تحافظ على طقوسها وتقاليدها الخاصة، لدرجة أنك إن شاهدت حياتهم اليومية قد تشعر وكأنك تشاهد فيلمًا وثائقيًا عن العصور الحجرية.

تختلف هذه القبائل من حيث الحجم والثقافة، فهناك قبائل كبرى مثل قبيلة “توكانا” التي تضم المئات، وأخرى تقلصت حتى لم يبقَ منها سوى فرد واحد، مثل “رجل الحفرة”، الذي نجا من إبادة قبيلته بالكامل في ثمانينيات القرن الماضي بعد قطع الأشجار في منطقته. هذا الرجل رفض أي تواصل مع العالم الخارجي، وفضّل البقاء وحيدًا في أعماق الغابة.

قبيلة يانومامي: مجتمع يعيش في دائرة الطبيعة

تُعد قبيلة “يانومامي” من أشهر قبائل الأمازون وأكثرها عزلة. يعيش أفرادها في شمال البرازيل وجنوب فنزويلا، وسط الغابات المطيرة والجبال. ويُعتقد أن أسلافهم هاجروا من آسيا عبر مضيق بيرينغ قبل حوالي 15 ألف سنة، واستقروا تدريجيًا في أمريكا الجنوبية.

يبلغ عدد سكان القبيلة حوالي 38 ألف نسمة، وتغطي الأراضي التي يقطنونها في البرازيل وحدها مساحة تتجاوز 90,000 كيلومتر مربع – أي ما يعادل ضعف مساحة سويسرا – بينما يعيش جزء آخر منهم على مساحة تقدر بـ800,000 كيلومتر مربع في فنزويلا.

يعيش أفراد القبيلة في بيوت دائرية ضخمة تُعرف باسم “اليانوس” أو “الشابونوس”، ويمكن أن تضم هذه البيوت أحيانًا أكثر من 400 ساكن. وتُستخدم الساحة المركزية لهذه البيوت لإقامة الطقوس والاحتفالات.

ويتميز نظامهم الغذائي بنمط تعاوني غير مألوف، إذ لا يأكل الصياد فريسته التي يصطادها، بل يبادلها مع صياد آخر، فيأكل كل منهم ما اصطاده الآخر. أما النساء، فمهمتهن الأساسية زراعة المحاصيل، التي تُشكّل نحو 80% من غذاء القبيلة، إلى جانب جمع المكسرات، والعسل، واليرقات، والحشرات. ونتيجة لفهمهم العميق للنباتات، يستخدمون أكثر من 500 نوع منها لأغراض الطعام، والدواء، وبناء المساكن.

قبيلة كورواي: من العزلة إلى البيوت فوق الأشجار

تم اكتشاف قبيلة “كورواي” في عام 1974، وهي إحدى أكثر القبائل بدائية في العالم. حتى ذلك العام، لم يكن لأفرادها أي اتصال بالعالم الخارجي. وتعيش هذه القبيلة في منطقة غابات نائية تبعد حوالي 150 كم عن بحر “أرافورا”، في جنوب شرق مقاطعة بابوا الإندونيسية.

يبلغ عدد أفراد القبيلة نحو 3000 شخص، ولا يزالون حتى اليوم مستقلين عن أي تدخل خارجي. يعيش معظمهم على الصيد، ويصنعون أدواتهم من الحجارة، ويستخرجون الملح بأنفسهم، ولديهم معرفة زراعية جيدة.

ومن أشهر ما يميز هذه القبيلة هو بناؤهم لمنازلهم على الأشجار بارتفاعات تصل إلى أكثر من 30 مترًا، أي ما يعادل مبنى من عشرة طوابق. والمثير أن هذه البيوت ليست بسيطة، بل قد تكون مقسّمة إلى غرف متعددة. كما أن هناك تقارير تفيد بأن بعض أفراد القبيلة كانوا يمارسون أكل لحوم البشر، وهو ما أثار دهشة وصدمة الكثيرين حول العالم.

قبيلة سنتينل: الأكثر غموضًا ورفضًا للعالم الخارجي

في جزيرة نائية تُعرف باسم “سنتينل الشمالية”، تقع في المحيط الهندي وتتبع للهند، تعيش قبيلة تُعتبر من أكثر قبائل العالم عزلة وغموضًا: قبيلة “السنتينليين”. يُقدّر عمر هذه القبيلة بأكثر من 60,000 سنة، وقد نجحت في عزل نفسها تمامًا عن أي اتصال بالعالم الخارجي حتى يومنا هذا.

لا يُعرف عدد أفرادها بدقة، إذ يُقدّر ما بين 40 إلى 500 شخص فقط. ويعود السبب في هذا الغموض إلى العنف الشديد الذي يُبديه أفراد القبيلة تجاه أي محاولة اقتراب منهم. فهم يهاجمون فورًا أي شخص أو مركبة تقترب من الجزيرة، كما حدث في عام 2004 عندما حلّقت مروحية هندية فوق الجزيرة بعد تسونامي، فاستقبلها السكان بوابل من السهام.

تعيش القبيلة على صيد الأسماك وجمع الفواكه، ولا يعرف أفرادها أي شيء عن الزراعة. وعلى الرغم من محاولات الباحثين لفهمهم، إلا أن معظم هذه المحاولات انتهت بالفشل، وبعضها انتهى بمآسٍ، مثل حادثة 1867 التي هاجم فيها سكان الجزيرة سفينة تحطمت قرب الشاطئ.

ويُرجع بعض الباحثين هذا العداء الشديد إلى حادثة وقعت عام 1880، عندما اختطف ضابط بريطاني اثنين من البالغين وأربعة أطفال من القبيلة، وتوفي البالغان لاحقًا نتيجة أمراض لم تكن القبيلة تعرفها، وعاد الأطفال الأربعة لاحقًا، وهو ما جعل السكان يعتقدون أنهم تعرضوا للقتل، وبالتالي ازداد شعورهم بالعداء لكل الغرباء.

لماذا لا تزال هذه القبائل منعزلة؟

السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا تستمر هذه القبائل في عزلتها التامة رغم تطور وسائل الاتصال وانتشار التكنولوجيا؟ الإجابة ببساطة، تكمن في أن معظم الحكومات التي تقع ضمن أراضيها هذه القبائل قررت تركها وشأنها.

وجاء هذا القرار بعد تجارب مريرة في التواصل، إذ إن محاولات الاتصال السابقة غالبًا ما كانت تنتهي بكوارث. على سبيل المثال، بعد وصول الأوروبيين إلى “العالم الجديد” في عام 1492، مات ما بين 80% إلى 95% من السكان الأصليين خلال أقل من 150 عامًا، بسبب أمراض مثل الجدري والحصبة التي لم يكن لديهم مناعة ضدها. وبالتالي، أصبحت العزلة وسيلة بقاء، وليست مجرد خيار ثقافي.

إضافة إلى ذلك، تتعاون منظمات دولية مثل “سيرفايفال إنترناشونال” والمؤسسة الحكومية البرازيلية “فوناي”، لحماية هذه القبائل من أي تدخل خارجي قد يهدد حياتهم أو ثقافتهم، سواء من قبل الأفراد أو الحكومات.

خلاصة القول

في عالمنا المتسارع الذي يسير نحو الذكاء الاصطناعي والاستكشاف الفضائي، ما زال هناك بشر يعيشون في عالم مختلف تمامًا، أقرب للطبيعة منه للحضارة. هؤلاء الأشخاص يمثلون جزءًا نادرًا وثمينًا من التنوع البشري والثقافي على هذا الكوكب. واحترام عزلتهم، هو في حقيقته احترام لحقهم في الحياة بالطريقة التي اختاروها، أو التي فرضتها عليهم الجغرافيا والتاريخ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error:
Scroll to Top