خطبة جمعة قصيرة جدًا وسهلة.. بعنوان: من محمد رسول الله

خطبة جمعة قصيرة جدًا وسهلة نسوقها إليكم تحت عنوان: من محمد رسول الله. الخطبة مكتوبة، مشكولة، مُقسَّمة إلى مُقدمة، وخطبة أولى وثانية.

نسأل الله ﷻ أن ينتَفع بها كل من قرأها واطَّلع عليها ونشرها وألقاها واستمع إليها.

مقدمة الخطبة

الحَمْدُ للهِ مُفِيضِ النِّعَمِ، وَاسِعِ المَغْفِرَةِ وَالكَرَمِ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، هُوَ الرَّبُّ وَهُوَ الحَكَمُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، المَوْصُوفُ بِالخُلُقِ الأَعْظَمِ، ﷺ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَأَتْبَاعِهِ ذَوِي المَكَارِمِ وَالهِمَمِ.

أَمَّا بَعْدُ، فَاتَّقُوا اللهَ – عِبَادَ اللهِ – ﴿يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ﴾، وَتَكُونُوا مِنْ أَهْلِ رِضْوَانِهِ وَمَغْفِرَتِهِ ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا﴾.

الخطبة الأولى

أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ: إِنَّ ذِكْرَ قَوْمٍ عَلَى لِسَانِ نَبِيٍّ أَوْ رَسُولٍ بِخَيْرٍ لَهُوَ وِسَامٌ لا يُمَاثِلُهُ وِسَامٌ، وَشَرَفٌ يَتَجَاوَزُ كُلَّ شَرَفٍ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ تِلْكَ الأُمَّةَ لَهَا خُصُوصِيَّةٌ، وَأَنَّ هُنَاكَ رِسَالَةً يُرادُ مِنْ تِلْكَ الأُمَّةِ أَنْ تَحْمِلَهَا، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ ذَلِكَ الذِّكْرُ بِالخَيْرِ مِنْ إِمَامِ المُرْسَلِينَ، وَتِلْكَ الرِّسَالَةُ مِنْ خَيْرِ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِينَ!

وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الشَّرَفِ أَنْ تَكُونَ الأُمَّةُ العُمَانِيَّةُ وَاحِدَةً مِنَ الأُمَمِ الَّتِي اخْتَصَّهَا النَّبِيُّ الكَرِيمُ ﷺ بِرِسَالَةٍ مِنْ أُمَمٍ خَمْسٍ أَرْسَلَ النَّبِيُّ ﷺ رَسَائِلَ عُظْمَى إِلَى مُلُوكِهَا؛ فَكَانَتْ تِلْكَ الرِّسَالَةُ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ إِلَى تِلْكَ الأُمَّةِ.

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ رَسَائِلَ النَّبِيِّ الكَرِيمِ العُظْمَى كَانَتْ إِلَى الأُمَمِ العَظِيمَةِ، وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ أُمَّةٌ عَظِيمَةٌ، وَقَدْ أَرَادَ لها النَّبِيَّ ﷺ أَنْ تَكُونَ أُمَّةً خَالِدَةً أَبَدَ الآبِدِينَ بِأَمْرِ اللهِ، وَقَدْ أَرَادَ لَهَا أَنْ تَكُونَ صَاحِبَةَ رِسَالَةٍ، تَحْمِلُ رِسَالَةَ الإِسْلامِ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً فِي مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، تَحْمِلُها بِأَقْوَالِهَا الحَسَنَةِ وَأَفْعَالِهَا الزَّاكِيَةِ، تَحْمِلُها بِأَخْلاقِهَا العَظِيمَةِ الَّتِي تَسْتَمِدُّ عَظَمَتَهَا مِنْ عَظَمَةِ أَخْلاقِ النَّبِيِّ ﷺ، تِلْكَ الأَخْلاقُ الَّتِي زَكَّاهَا رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَقَالَ فِي صَاحِبِهَا: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾.

تِلْكَ الأَخْلاقُ الَّتِي يَشْتَمِلُهَا اللِّينُ، وَيَكْتَنِفُهَا الرِّفْقُ، وَأَسَاسُهَا العَفْوُ، وَأَرْكَانُهَا الدُّعَاءُ بِالخَيْرِ لِلْأَتْبَاعِ وَالاسْتِغْفَارُ لَهَم، وَسَقْفُهَا مُشَاوَرَتُهُمْ وَمُشَارَكَتُهُمْ؛ حَتَّى إِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَظُنُّ أَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَى قَلْبِهِ الطَّاهِرِ، ذَلِكَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى أُمَّتِهِ.

وَما مِنْ قَوْلٍ يَصِفُ تِلْكَ السَّجَايَا أَعْظَمَ مِنْ قَوْلِ اللهِ جَلَّ جَلالُهُ: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾.

أَهْلَ الإِيمَانِ: أَرْسَلَ النَّبِيُّ ﷺ هَذِهِ الرِّسَالَةَ إِلَيْكُمْ لِتَكُونَ هَذِهِ الأُمَّةُ أُمَّةً مَذْكُورَةً غَيْرَ مَنْسِيَّةٍ، أُمَّةَ خَيْرٍ وَصَلاحٍ، يَتَذَكَّرُ كُلُّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهَا، صَغِيرُهُمْ وَكَبِيرُهُمْ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَرْسَلَ إِلَيْهِ رِسَالَةً، وَاخْتَصَّهُ بِمَا لَمْ يَكُنْ لِكَثِيرٍ مِنَ الأُمَمِ. وَلِذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْنَا أَلاَّ نَغْفُلَ عَنْ هَذَا المَعْنَى، وَلَيْسَ لَنَا أَنْ نَنْسَى هَذِهِ الرِّسَالَةَ، وَأَنَّنَا حَمَلَةُ رِسَالَةٍ، وَقَدْ وَعَى أَسْلافُنَا هَذَا المَعْنَى؛ فَانْطَلَقُوا إِلَى مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا حَامِلِينَ رِسَالَةَ الإِسْلامِ، فَدَخَلَ النَّاسُ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا، بَعْدَ أَنْ رَأَوُا الإِسْلامَ فِي حُسْنِ القَوْلِ، وَجَمِيلِ الفِعْلِ، رَأَوْهُ فِي الأَمَانَةِ فِي التِّجَارَةِ، رَأَوْهُ فِي الصِّدْقِ فِي المُعَامَلَةِ، رَأَوْهُ فِي السَّمَاحَةِ فِي البَيْعِ وَالشِّراءِ، وَالأَخْذِ وَالعَطَاءِ، رَأَوْهُ فِي إِعَانَةِ الضَّعِيفِ، وَقَضَاءِ حَاجَةِ المُحْتَاجِ، وَإِيتَاءِ المَالِ ذَوِي الفَقْرِ وَالمَسْكَنَةِ، رَأَوْهُ فِي رَحْمَةِ الصَّغِيرِ وَتَوْقِيرِ الكَبِيرِ.

فَدَخَلَتْ أُمَمٌ وَشُعُوبٌ فِي الإِسْلامِ – عِبَادَ اللهِ – مِنْ غَيْرِ إِشْهَارِ سَيْفٍ أَوْ قِيَامِ حَرْبٍ، مُتَحَقِّقًا وَعْدُ اللهِ لِنَبِيِّهِ بِدُخُولِ النَّاسِ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا؛ وَمَا كَانَ ذَلِكَ إِلاَّ مِنْ سَلامَةِ الصُّدُورِ الَّتِي بَشَّرَ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ مَنْ يُجِيبُ دَعْوَتَهُ، وَيَقْبَلُ رِسَالَتَهُ، فَقَالَ لِلْمَلِكَيْنِ: «أَسْلِمَا تَسْلَمَا»، وَقَدْ أَسْلَمَا فَسَلِمَا، وَسَلِمَتْ هَذِهِ الأُمَّةُ، وَبَقِيَ ذَلِكَ السَّلامُ النَّبَوِيُّ مُنْتَقِلًا فِي أَجْيَالِ هَذِهِ الأُمَّةِ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ ﴿فَضْلا مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾.

أَقولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتَجِبْ لَكُمْ، إِنَّهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيمُ.

وهنا أيضًا: خطبة في فضائل أهل عُمان

الخطبة الثانية

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، ﷺ ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَأَتْبَاعِهِ المُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ.

أَمَّا بَعْدُ، فَاتَّقُوا اللهَ – عِبَادَ اللهِ – وَاعْلَمُوا أَنَّهُ مِنْ تَوْقِيرِ رِسَالَةِ النَّبِيِّ ﷺ إِلَيْنَا أَنْ تَكُونَ مَنْقُوشَةً فِي قُلُوبِنَا، قَبْلَ أَنْ تَكُونَ مَرْفُوعَةً فِي بُيُوتِنَا وَمَجَالِسِنَا، يَنْقُلُهَا الكَبِيرُ إِلَى الصَّغِيرِ، وَالوَالِدُ إِلَى وَلَدِهِ، وَالمُعَلِّمُ إِلَى الطَّالِبِ، حَاضِرَةً فِي أَذْهَانِنَا، جَارِيًا ذِكْرُهَا عَلَى أَلْسِنَتِنَا، عَارِفِينَ أَنَّ وَرَاءَهَا أَمَانَةً وَتَكْلِيفًا، لِيَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا حَامِلًا لِتِلْكَ الرِّسَالَةِ الكَرِيمَةِ دَاخِلَ وَطَنِهِ وَخَارِجَهُ، يَنْشَأُ عَلَى تَوْقِيرِهَا الصَّغِيرُ، وَيَكْبَرُ عَلَى ذَلِكَ الكَبِيرُ، وَما أَحْسَنَ أَنْ يَراها الصَّغِيرُ مَرْفُوعَةً فِي بَيْتِ وَالِدَيْهِ وَفِي مَدْرَسَتِهِ، فَيَدْخُلَ وَهُوَ يَرَاهَا، وَيَخْرُجَ وَهُوَ يَرَاهَا! وَكَمْ هُوَ عَظِيمٌ أَنْ يَرَاهَا الدَّاخِلُ وَالخَارِجُ وَهِيَ مَرْفُوعَةٌ فِي المُؤَسَّسَاتِ، فَيَتَذَكَّرَ المُوَظَّفُ أَنَّهُ صَاحِبُ رِسَالَةٍ وَأَمَانَةٍ، وَتَرْتَفِعَ مَعْنَوِيَّاتُهُ، وَيَرْتَفِعَ إنتَاجُهُ، وَيَتَذَكَّرَ الدَّاخِلُ وَالخَارِجُ مِنَ المُرَاجِعِينَ، فَيَزْدَادَ خُلُقًا إِلَى خُلُقِهِ، وَتَدْخُلَ السَّعَادَةُ وَالطُّمَأْنِينَةُ إِلَى قَلْبِهِ.

وَكَيْفَ لا يَكُونُ ذَلِكَ وَالنَّاظِرُ إِلَى تِلْكَ الرِّسَالَةِ الشَّرِيفَةِ يَسْتَحْضِرُ ذَلِكَ المَوْقِفَ الجَلِيلَ، وَالنَّبِيُّ ﷺ يُمْلِي تِلْكَ الرِّسَالَةَ وَيُرْسِلُهَا إِلَى أَهْلِ عُمَانَ، فَيُدْرِكُونَ أَنَّهُمْ أَهْلُ حَضَارَةٍ وَأَصْحَابُ رِسَالَةٍ، فَيَسْتَقْبِلُونَ الرِّسَالَةَ اسْتِقْبَالَ مَنْ يَنْتَظِرُهَا، وَيُجِيبُونَ الدَّعْوَةَ، فَيَفْرَحُ النَّبِيُّ ﷺ بِإِسْلامِهِمْ، وَبِحَمْلِهِمْ رِسَالَةَ الإِسْلامِ، وَيُثْنِي عَلَيْهِمْ ثَنَاءً تَبْقَى بَرَكَتُهُ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

هذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ الأَمِينِ، فَقَدْ أَمَرَكُمْ رَبُّكُمْ بِذَلكَ حِينَ قَالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾. اللهم صل على محمد وآل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.


وبعد أن قرأنها هنا خطبة جمعة قصيرة جدًا وسهلة، كانت بعنوان: من محمد رسول الله. أوصيكم أيضًا أن تنهلوا من اقتراحي الأخير -في هذا الصَّفحة- ما شاء الله: خطبة عن المسجد الأقصى وما جرى فيه من أحداث مؤسفة

أضف تعليق

error: