خطبة ﴿ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون﴾.. مكتوبة

خطبة ﴿ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون﴾.. مكتوبة

عناصر الخطبة

  • تأكيد أن الله حرّم الظلم على نفسه وجعله محرّماً بين عباده.
  • توجيهات دينية تحث على تجنب الظلم والاعتداء على الآخرين.
  • التنويه إلى أن الظلم يمكن أن يتخذ أشكالًا مختلفة ويمتد من منع المساعدة إلى العنف والجريمة.
  • الربط بين الظلم والعقوبة في الآخرة والتحذير من عاقبته يوم القيامة.
  • التركيز على الظلم الذي يُمارسه بعض الأطراف ضد الأبرياء في فلسطين وغزة، مما يشكل انتهاكات لحقوق الإنسان.
  • الدعاء للمظلومين والشهداء، والطلب من الله تعالى أن ينصرهم ويحقق لهم العدالة.
  • الدعاء لرفع الظلم والتخفيف من معاناة الناس في غزة وفلسطين بشكل عام، ولشفاء الجرحى وتقديم العون للمتضررين.

الخطبة الأولى

الحمد لله..

حرَّم اللهُ ﷻ الظلم على نفسه، وجعله محرَّماً بين عباده، قال الله تعالى: (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) سورة الكهف: 49، وقال سبحانه في الحديث القدسي “يَا عِبَادِي إِنِّي ‌حَرَّمْتُ ‌الظُّلْمَ ‌عَلَى ‌نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا” رواه مسلم. وقد حذَّرَ النبيُّ ﷺ من الظلم، وبَيَّن أنَّ عاقبته وخيمة يوم القيامة فقال: “اتَّقُوا ‌الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ” رواه مسلم.

والظلم هو نقيض العدل، ومخالفةٌ لله تعالى الذي قال في كتابه العزيز: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) سورة النساء: 58. فمن لم يؤدِّ الامانات الى أهلها كان ظالماً محجوباً بظلمات الباطل والجور والجهل، عن نور الحق والقسط والعدل، ومستحقاً لوعيد الله بالعقاب والمهانة والذّل، وشتان بين من أحياه الله تعالى بنوره وطهارة دينه، وبين من هلك بظلمه وكبره وسوء عمله، قال تعالى: (أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ۚ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) سورة الانعام: 122.

إنَّ الظلمَ أنواع. والظلم يبدأ من منع الماعون وينتهي بقتل النبيين، قال تعالى: (الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) سورة الماعون 6-7، وقال تعالى: (وَقَتْلَهُمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ) سورة آل عمران: 181، وهذا كله تعدٍّ عن الحق إلى الباطل.

ومما لا شك فيه أن منع الحق من صاحبه هو ظلمٌ عظيم، وهذا غير مقبول عند الله تعالى لا في الدنيا ولا في الآخرة، قال تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ) سورة إبراهيم: 42.

عبادَ الله، وإنَّ ما نراه اليوم من جرائم بحق الإنسانية على يد اليهود المجرمين في فلسطين المحتلة وغزة الصابرة، بقتلِ وترويعِ وتهجيرِ الأبرياء الآمنين من الأطفال والنساء والشيوخ والكبار، وتدميرِ المساجد والكنائس والمستشفيات والمدارس، والشجر والحجر، في مشهدِ إبادةٍ جماعيةٍ وعدوانٍ صارخٍ، عنوانه الكِبرُ والاستعلاءُ والغطرسةُ والاستقواء.

ولله تعالى الحكمة البالغة في تعجيل العقوبة للظالمين وتأخيرها، يقول الله تعالى: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء * وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ * وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ * وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ * فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ * يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ * لِيَجْزِي اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * هَذَا بَلاغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ﴾ سورة إبراهيم: 42-52.

ولا يغيب عنّا ما رواه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: “إِنَّ اللهَ ‌لَيُمْلِي ‌لِلظَّالِمِ، حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ”، قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)” أخرجه ابن حبان في صحيحه.

كما أحذركم واحذر نفسي أن أكون من الظالمين، بأي أنواع الظلم كبيراً أو صغيراً، فلا تدخل بظلم ولو كان صغيراً، فالعقاب الذي وعد به الله سبحانه وتعالى الظالمين شديد.

اللهم ارفع الظلم عن أهلنا في غزة وفلسطين، وانصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين، وارحم شهداءهم وتقبلهم في الصالحين، وخُصَّ برحمتك أولئك الذين قضوا تحت الأنقاض ولم يتمكن أحد من الوصول اليهم أو العثور عليهم من حجم الدمار وتطاير الأشلاء، اللهم وأنزل الشفاء على الجرحى والمصابين والمكلومين، وخفف عنهم واربط على قلوبهم يا ربَّ العالمين.

⇐ وهنا: خطبة عن الظلم وعاقبة الظالمين.. «مكتوبة» مع الآيات والأحاديث والقصص المؤثرة

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران: 102.

لا تنسوا الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ﷺ، فعن أُبي بن كعب رضي الله عنه: (أنّ من واظبَ عليها يكفى همه ويُغفر ذنبه)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: “مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا”،

وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ الأحزاب: 43،

ومن دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه، ومن قال: “سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر”.

ولنُكثر أيها المسلمون من قول: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم) رَوَاه الْبُخَارِيّ.

واعلموا أن هذا الدعاء يناجي الله تعالى في اسمه العظيم تذللاً لعظمة الله، والحليم رجاءً لحِلم الله، وربّ السموات والأرض ربّ العرش العظيم يقيناً بأن الأمر كله بيد الله، وأكثروا عند تكالب الأعداء علينا من قول (حسبنا الله ونعم الوكيل)، لأنّ الله تعالى قال: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ آل عمران: 173،174

والحمد لله ربّ العالمين..

أضف تعليق

error: