خطبة الشيخ توفيق الصايغ حول ما يحدث في فلسطين

خطبة الشيخ توفيق الصايغ حول ما يحدث في فلسطين

عناصر الخطبة

  • الشعور بالألم والحزن تجاه ما يحدث في فلسطين.
  • أهمية الشعور بالقضية الفلسطينية.
  • مقياس الإيمان الحالي على المسلمين وما يشعرون به تجاه إخوانهم في الجهة المقابلة.
  • تذكير بتجربة النبي ﷺ مع رعل وزكوان.
  • أهمية الدعاء والضراعة إلى الله في هذه الشدَّة العصيبة.

مقدمة الخطبة

الحمد لله وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، اللهم صلِّ عليه ما نسنس الصبا، وما قام قمري بدوحٍ يغرد، وما خلق الرحمن في الأرض والسماء، وما سبح الرحمن عبدًا موحدُ.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾. أما بعد..

الخطبة الأولى

للمرة الثانية، نعم، اعذروني فقد تكسرت النصال على النصال، وذابت الجراح في الجراح، اعذروني، إن بدا حزني وإن حارت ظنوني، أو وجدتم في جفوني دمعة المكروب أو وجد الحزين، اعذروني إن بدا في نبرة الصوت اكتئابي، فقد استحكم في صدري عذابي، حين ساءلت لم أسمع جوابي، إن إن ما بي كاد ينحو بي إلى حد الجنونِ فاعذروني.

أكذبُ أيها السادة عليكم وأخون المنبر، إن قلت لكم أن كلماتي يمكن أن تتجسد صورة ثلاثية الأبعاد، أبلغ من الصورة التي رأيتموها، وأكذب أخرى إن قلت لكم أن صيحة المنبر ستكون أبلغ في خلع القلوب من صيحة الأم المكلومة التي فقدت أسرتها كلها عن بكرة أبيها، فصارت في باحة المستشفى تجري هنا وهناك بحثًا عن أسرتها كالمجنونة.

نعم؛ الحدث أكبر من الحديث، والخَطْب أعظم من كل تلك الخُطَب، ونحن نُفتَن في كل عام مرة أو مرتين، ونؤذى في ذلك الجزء، وفي ذلك المكون البشري، في كل عام مرة أو مرتين، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا.

سيصعد الخطباء إخواني هذه الجمعة، ليحدثونا عن أن واجب الوقت هو الدعاء، وأنا أتفق معهم في ذلك، لكنني في هذه الجمعة أؤصل لمقدمةٍ الدعاء إحدى مخرجاتها.

أيها السادة؛ دعونا نتفق أن هناك نقصًا ضمن ما انتقصناه في أدياننا وهو نقص الشعور بالقضية والمُكَوّن.

أنا أطالب نفسي وإياكم اليوم بأن نعرض أنفسنا على الميزان الذي وضعه النبي ﷺ حين قال: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر». اعرض نفسك على هذا الميزان، بمقدار ما انتُقِص شعورك فقد انتقص إيمانك، لأن المقدمة تعطي النتيجة.

النبي عليه الصلاة والسلام يقول: «المسلمونَ تتكافأُ دماؤهُم ويسعى بذمَّتِهم أدناهُم ويردُّ عليهم أقصاهُم وهم يدٌ على من سواهم». أسأل نفسي وإياك، ما الذي تغيَّر منذ أن رأينا الفظائع، وسمعنا الآهات والأوجاع والألم، صور الذين تفحمت أجسادهم وتقطعت أشلاؤهم، وبقرت بطونهم وهدمت بيوتهم ومساجدهم وصلواتهم، ما الذي تغير في برنامجك اليومي؟ هل أرِقت؟ هل تركت وجبة الغداء أو العشاء؟ هل سالت الدموع على المآقي؟ هل تغير شيء من برنامج الحياة؟

ما لم يحصل ذلك؛ فإننا متهمون في هذه المقدمة التي ينتج عنها بعد ذلك النتيجة؛ كالدعاء والبذل إلى آخره.

أنقلكم أيها السادة إلى سيد الأنام صلى الله عليه وآله وسلم، ها هو ذا في مدينته، ثم يبلغه أن سبعين من أصحابه هم القُراء قتلوا على بكرة أبيهم في بئر معونة، غدرت بهم الأعراب فقتلوا أصحاب النبي ﷺ. يقول أصحاب النبي في شهادتهم على رسول الله: ما رؤي النبي ﷺ في موقفٍ كان أشد منه من ذلك الموقف، تمعَّر وجهه الشريف ﷺ، وسالت دموعه على المآقي، وفزع إلى الصلاة، ﷺ شهرًا كاملا يدعو على رعل وذكوان.

نريد ما فعله النبي ﷺ، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

اللهم أجرنا في المصائب كلها واخلف لنا خيرًا منها.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والمواعظ والذكر الحكيم.

أقول ما تسمعون، ولا مزيد.. أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه، قد أفلح المستغفرون.

⇐ وهنا خطبة جمعة عن الحرب على غزة

الخطبة الثانية

الحمد لله على إنعامه والشكر له على توفيقه وامتنانه، ولا إله إلا الله تعظيمًا لشأنه، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه، أما بعد..

إذا تحرك فينا الشعور أيها السادة فإننا سنصل في الدعاء إلى مرحلة الاضطرار، التي هي من أعظم فواتح أبواب الإجابة والسماء. قال الحق جل ثناؤه: ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾.

الدعاء الذي نتحدث عنه -وهو أدنى درجات البذل مع عظم أثر الدعاء- أُساءِل البعض فأقول: “ماذا صنعتم في هذا الدعاء؟” فيقول بعضهم: “والله أدعو إذا تذكرت، وأغفل أحيانًا”. لا، ليس هذا المراد ولا هذا المطلب، المراد أيها السادة أن نُخصص هذه الجمعة في ساعتها المرجوة بالإجابة من عصر الجمعة إلى أذان المغرب دعاءً لإخواننا.

المُراد أن نضبط منبهاتنا على الأخير من الليل في الساعة التي لا يرد فيها الله ﷻ المسائل فنسأل الله تبارك وتعالى.

المراد أن نعجل بعبارات التسبيح في السجود لنستغرق مساحة طويلة في الدعاء لإخواننا، نُظهر لربنا سبحانه وتعالى أن هذا المتعلق الميسور المبذول لنا قد أخذنا فيه الوسع والطاقة.

⇐ وهذه أيضًا خطبة: طوفان الأقصى – مكتوبة كاملة

الدعاء

اللهم إنا نتوجه إليك ونسألك ونرجوك، ونحن نؤمن أنك السميع القريب المجيب، الذي لا يخفى عليه شيء، ولا يعزب عنه شيء، وهو رب كل شيء، أولٌ قبل كل شيء، وآخرٌ بعد كل شيء، ظاهرٌ فوق كل شيء، وباطنٌ دون كل شيء، لا يعجزه في الأرض ولا في السماء شيء، يقدر على كل شيء، وهو رب كل شيء، اللهم أنت الحي الذي لا يموت، والقيوم الذي لا ينام، جل ثناؤك، وعظم سلطانك، تبارك اسمك وتعالى جد ولا إله غيرك، ولا حول ولا قوة إلا بك، يا من على العرش استوى، يا من خلق فسوى وقدر فهدى وأعطى كل شيء خلقه ثم هدى، يا من يقول للشيء إذا شاءه كن فيكون، يا الله، يا الله، يا الله، يا مجيب المضطرين، يا محب الملحين، يا سامع الداعين، يا مجيب أنات الباكين، نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى، نسألك إليك من أسمائك، ولأقربها إجابة لديك، يا الله، يا الله، يا الله، أتيناك بضعفنا، وذلنا ومسكنتنا وفاقتنا واضطرارنا وحاجتنا ونحن نجأر إليك، وندعوك ونتوسل إليك، بأحب الأسماء إليك.

اللهم يا من لا يخيب السائلين، ولا يرد الطالبين، ولا يؤخر المُلحين، يا الله فرجًا عاجلا، يا الله مخرجًا قريبا.

اللهم صن واحمِ واحفظ إخواننا في فلسطين، اللهم احفظهم بحفظك واكلأهم بكلءك واحرسهم بعينك التي لا تنام، اللهم كن لهم ردءًا وظهيرًا، اللهم كن لهم عونًا ونصيرًا، اللهم احفظهم بما تحفظ به أوليائك، اللهم صن حرمتهم، اللهم احفظ مهجتهم، اللهم اسمع أنّاتهم، اللهم اجب ضراعاتهم، اللهم سلِّ مصابهم، اللهم عزِّ مصابهم، اللهم اجبر كُسُرهم، اللهم اقلِّ عثرتهم، اللهم تقبل شهداءهم، اللهم ارحم موتاهم، اللهم ارحم موتاهم، اللهم ارحم موتاهم، اللهم كن لهم ولا تكن عليهم، يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الجلال والإكرام.

يا ذا الجلال والإكرام، احفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم، وعن يمينهم وعن شمائلهم ومن فوقهم، اللهم احرسهم بعينك التي لا تنام، وابنِ عليهم سور عنايتك، اللهم حطهم برعايتك، اللهم ادخلهم في ضمانك، اللهم اجعلهم في أمانك، اللهم احرسهم بحراستك، اللهم ادفع عنهم ودافع.

اللهم يا الله، ابعث عليهم، ابعث لهم جندًا من جندك، يا من لا يعلم جنوده إلا هو.

اللهم تقرحت أكباد، اللهم تطايرت الأشلاء، اللهم هُدمت البيوت، اللهم بُقِرت البطون، اللهم تشتتت الأُسر، نشكو البث إليك يا الله، ولا يشكينا إلا أنت، ولا يجيب الضراع إلا أنت، يا من قال وقوله الحق (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)، يا من قال وقوله الصدق، (وقال ربكم ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)، اللهم اجبنا، فرجًا عاجلا يا الله، مخرجًا عاجلا يا الله.

اللهم عليك بالظالمين، اللهم عليك بالظالمين، أحصهم عددًا، واقتلهم بددًا، ولا تغادر منهم أحدًا، اللهم من قتل أطفالنا فقتلهم، اللهم من أفسد على المسلمين أجواءهم فأفسد عليهم أجواءهم، اللهم اسلبهم عافيتك، وارفع عنهم حلمك وغطاءك.

اللهم إنهم قد قطعوا عن إخواننا الكهرباء والماء، اللهم فاقطع عنهم أسباب العافية، اللهم اقطع عنهم أسباب العافية، اللهم أرنا فيهم ما لم ير ولم يسمع في السابقين واللاحقين، اللهم أرنا فيهم عظيم سطوتك، وعجيب قدرتك وبديع صنعك، يا من لا يعجزه شيء، امسخهم كما مسخت آباءهم من قبل.

اللهم يا من حرم الظلم على نفسه، وجعله بين العباد مُحرمًا، انتصر للمظلومين من الظالمين، اللهم انتصر للمقهورين من القاهرين، اللهم عليك بهم، استأصل شأفتهم، وأرنا فيهم عجيب قدرتك وبديع صنعك يا الله.

اللهم وردنا إليك ردًا جميلًا حتى نكون أهلًا لنصرتك، وحتى نكون أحق بمعيتك وولايتك.

إنا لله وإنا إليه راجعون، إنا لله وإنا إليه راجعون، إنا لله وإنا إليه راجعون.

اللهم أجُرنا في المصائب كلها، واخلف لنا خيرًا منها.

الحمد لله في النعماء والبلواء، الحمد لله في السراء والضراء، الحمد لله عند الرخاء والوجد، لا نقول إلا ما يرضي ربنا، الحمد لله رب العالمين.

أضف تعليق

error: