علاقة وطيدة بين المشاكل العائلية والتبول اللاإرادي

علاقة وطيدة بين المشاكل العائلية والتبول اللاإرادي

تفاصيل الاستشارة: أيها السادة أحتاج إلى مشورتكم في هذا الأمر نظرا لأنه يتعلق بأحب إنسانة إلى قلبي ألا وهى أختي الصغيرة، فهي تبلغ من العمر 8 سنوات من المفروض أنها في الصف الثالث الابتدائي، ولكنها لا تذهب إلى المدرسة بسبب والدي، وهو يخاف عليها من أن يقوم أي أحد بإيذائها من الأشخاص الذين لهم معه خلافات.

وحتى ساعتنا هذه تتبول على نفسها وهى نائمة وبشدة وأكثر من مرة، مما أدى بها إلى حدوث تسلخات شديدة لجلدها، ولا أستطيع أخذها إلى طبيب، فلن يرضى أحد بذلك.

أرجوكم أنا لا أعلم سببا لذلك التبول، والأطفال الأصغر منها يشعرون أثناء نومهم ويقومون لعمل حمام، أما هي فلا، وحاولنا في كل مرة أن ندفئها وأن لا نخيفها مهما حدث، ولكن دون جدوى. لا أعلم سببه، أهو نفسي أم مرض عضوي؟!

ورغم شكي في أسباب نفسية، وهى كثيرة، منها أننا بيت خلافات ومشاكل ووالدي عصبي بشكل رهيب، كما أنها غير كل الأطفال، فهي تسهر حتى الفجر تشاهد مصارعة وأفلاما أجنبية، ودائما وحدها وتلعب وحدها طوال الوقت، وزاد الأمر سوءا أننا نسكن في مكان بعيد تماما عن العمار، الأسباب كثيرة، وهو يرفض أن تذهب للمدرسة بحجة أنه يعلم ما يحدث في المدارس ولا يستحق أن يجعلها تذهب، وهى تقضي أياما لا تلعب مع أحد ولا تخرج، ونادرا ما يأتي أحد للعب معها، وحتى لو أتى فهي لا تتفق معهم لأنها لا تدرك أنهم صغار، حتى الكرتون الذي تشاهده كله قتل ودم ووحشية ومؤامرات.

لا أعلم ما الحل ولكنى أطلب منكم وصف دواء يساعدني على علاجها.. أرجوكم.

⇐ د. أمل المخزومي «طبيب نفسي» أجابت السائلة؛ فقالت: أختي السائلة، وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.. أود أن أحييك على رغبتك في متابعة حالة أختك بهذا الاهتمام، وأدعو الله أن يجعله في ميزان حسناتك، وأن ينعم عليها بالشفاء العاجل.. إنه ولي ذلك والقادر عليه.

دعينا أولا نلقي نظرة بسيطة على أسباب التبول اللاإرادي من الناحيتين العضوية والنفسية:

1- الأسباب العضوية: ومنها ما يتعلق بالجهاز البولي من ضعف والتهاب أو قصور وعدم نضج المثانة، وطبيعة المسالك البولية التي تؤثر على نشاط المثانة وقدرتها على السيطرة وضبط عملية التبول وتنظيم أوقاتها، كما أن الإصابة بالأمراض الجسمية المختلفة كثيرا ما تؤثر على تلك العملية، والتي تعمل على زيادة ونقصان كمية الإدرار لدى الفرد.

وهناك بعض الأفراد يشكون من ضعف في قدرة مثانتهم على الاحتفاظ بكميات كبيرة من البول؛ وهو ما يجعلهم يتبولون في اليوم عدة مرات، وأحيانا لاإراديا أثناء النوم إذا لم يضعوا برنامجا لذلك.

وأهم ما أنصحك به – عزيزتي – هو مراجعة الطبيب المختص بالمسالك البولية والتناسلية لمراجعة الأسباب العضوية لتلك الظاهرة، ومن ثم البحث عن الأسباب النفسية في حال انتفاء أي سبب عضوي.

2- الأسباب النفسية: إن أظهر الفحص الطبي والتحليلي سلامة الفرد من الناحية العضوية.. فعلينا أن نلجأ إلى النظر في تأثير العوامل النفسية المختلفة، والتي تتعلق بالانفعالات المختلفة التي تؤثر على ميكانزمات الجسم من الناحية العضوية، فكثيرا ما تؤثر حالة الفرد النفسية على فعاليات ونشاط الأجهزة الجسمية المختلفة، ومنها الجهاز البولي الذي نحن بصدده.

من هذه الانفعالات الخوف والقلق وعدم الاطمئنان الناتج عن المثيرات التي يتعرض لها الفرد في حياته العملية والعائلية مثلما ذكرت، والأزمات العاطفية التي تجعله في حالة استنفار دائم، والتي تسبب له ارتباكا في جهازه البولي؛ وهو ما يفقده السيطرة على عملية التبول.

هناك حالات كثيرة تشير إلى أن بعض الأفراد يتبولون عند حدوث مشاجرة حادة أو قلق شديد، كذلك يحدث لبعض الأفراد كثرة التبول في ساعات الامتحان أو السفر، وذلك بسبب القلق الشديد الناتج عن تلك المواقف، كما يحدث التبول للأفراد الذين يتصفون بالعناد والغيرة والكراهية لمن يتعاملون معهم.

وأريد أن أخبرك بشيء هام، وهو أنه عندما يتعرَّض الجهاز العصبي للطفل لعدد من التوترات والضغوط الشديدة أثناء النهار، فإنه يحتاج في فترة الليل للاسترخاء الشديد، ونتيجة لتلك الحاجة، فإنه يتوقف عن الاستجابة للأوامر الصادرة من العقل، ومن بينها الانتباه إلى ضرورة الاستيقاظ عند امتلاء المثانة.

وإليك بعض الإجراءات العامة التي لا بد من القيام بها:

  • تقليل شرب الطفل للسوائل قدر الإمكان بعد الساعة السابعة أو الثامنة مساء.
  • تجنب الأطعمة المحتوية على مدرات للبول في وجبة العشاء وما يليها من وجبات، مثل البطيخ أو الخيار.
  • تقليل التوترات التي يمكن أن يتعرض لها الطفل طوال النهار.

فكل طفل يولد بدون مشاكل أو بدون جهاز نفسي أصلا، ولكن يولد باستعداد وراثي لبناء هذا الجهاز النفسي، ونحن كأسرة من يقوم عبر رسائلنا المختلفة التي نبثها لطفلنا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بتكوين هذا الجهاز، تماما كلعبة “الميكانو”، فنحن نشتريها أجزاء مفككة، ونقوم بتركيبها بطرق مختلفة؛ لنكون منها الأشكال التي نريدها.

وبالتالي فإن نفسية أطفالنا السعيدة الهادئة أو التعيسة المتوترة، هي من صنعنا ومن تشكيلنا بطريقة تربيتنا لهم، وبأفعالنا التي نسلكها تجاههم.

وبالتالي أنصحكم بالتعامل مع هذه المشكلة بالآتي: الامتناع عن مواجهة هذا الأمر بالعقاب البدني أو اللفظي، بل مواجهته بالهدوء وبالتدعيم النفسي والمادي للطفل كما ذكرت.

أما نفسيا فيجب: أولا البحث عن الأسباب التي أدَّت إلى إصابة الطفلة بهذه المشكلة، أعلم أنكم ربما لا تخرجون من بحثكم بشيء، فقد تغيب عنا الأسباب التي أدت لأي نتيجة سلوكية في أطفالنا، لكن وعينا واستشعارنا بمسئوليتنا عنها يلعب دورا كبيرا في تحملنا كل ما يمكن أن نلاقيه من صعوبات في رحلة تغيير هذا السلوك، وأقول وعينا واستشعارنا المسئولية، وليس الذنب، فأحاسيس الإثم والضيق تمنع الأسرة والابن من السعادة بعلاقتهم الحميمة التي يجب أن يستمتعوا بها، وهو كما يرى الجميع أمر مؤسف تمامًا.

وربما تساعدكم الإجابة عن هذه الأسئلة في تقصي الأمر:

  • ما طبيعة علاقتها بوالديها؟
  • ما الذي يمكن أن يكون قد أدَّى لوقوعها تحت ضغط يسبِّب لها أي نوع من أنواع التوتر؟
  • هل علاقتها بجميع الإخوة والأخوات جيدة أم أنها تتعرض لعدم التقبل والمنافسة منهم؟
  • هل يحظى الإخوان الآخرون بقبول ومعاملة أفضل منها أم لا؟

ما أريد أن أقف عليه هو ديناميكية الأسرة، وأعني طبيعة العلاقات السائدة بين أفرادها؛ لما لذلك من أثر بالغ في الوصول إلى فهم أكبر للطفلة، بما يعني قدرا أكبر من مساعدتها في تخطي هذا الأمر بسلام.

وأنصحك بأنه يجب أن توصلا لها وبكل الوسائل الممكنة أنها مقبولة ومحبوبة من الجميع، وأن هذا الحب لذاتها، فهي في ذاتها قيمة كبيرة، فأي طفل عندما يخطئ أو تعرض له مشكلة فإنه يسمع توجيهات والديه الرامية إلى مساعدته على تجاوز هذا الخطأ أو المشكلة دون ضيق، فقط إذا كان على يقين من أن والديه يكنان له الحب، وأن صوتهما الموجِّه لا يحمل أي إحساس بالرغبة في مضايقته أو أي إحساس بالذنب تجاهه.

ويجب أن تمتنعا عن نهرها وعقابها، وعن تعريضها لأي شيء يمكن أن يسبب ضغطًا على جهازها العصبي، وهو ما يتيح لها شعورًا أكبر بالسعادة والارتياح، ويتيح للجهاز العصبي قدرًا أكبر من التخفف من كل ما يمكن أن يؤثر على كفاءته أثناء الليل والنهار.

اعلمي عزيزتي أن الأمر يحتاج إلى صبر ومجهود وطاقة، ولكن إذا لم تعملي على تجاوز الطفلة هذه المشكلة قبل دخولها مرحلة عمرية أخرى، فمن الممكن أن تتعقد المشكلة.

ويمكنك الاستعانة بجهاز يباع بالصيدليات يوضع أثناء النوم ويقوم بتنبيه الطفل عند امتلاء مثانته، لكن الوصول إلى استخدام هذا الجهاز يجب ألا يكون إلا برغبة من الابنة نفسها، بمعنى أن تطلب منك وبصدق تستشعرين منه أنها ترغب في المساعدة في تجاوز هذا الأمر، وأنها على استعداد لفعل أي شيء، في هذه اللحظة اعرضي عليها أمر هذا الجهاز بطريقة لا تظهر على أنها حل، وإنما عرض لما عندك، بحيث ينبع قرار استخدام هذا الجهاز كلية منها، فأحيانا يسبب استخدام هذا الجهاز لبعض الأطفال شعورًا بالمهانة، الأمر الذي قد يعقّد المشكلة أكثر وأكثر.

ولمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع يمكن الرجوع إلى بعض استشاراتنا السابقة:

وختاما – عزيزتي – فبالصبر والتحمل والتدعيم للطفل سيصل إلى الهدوء، وامتلاء نفسه بشعور من الارتياح سيكون أقوى دافع له على تخطي هذا الأمر وتجاوزه.

وفي انتظار أخباركم السعيدة.

ولا بد أن تعلمي عزيزتي أن العلاج لا يتم إلا بمعرفة السبب أولا، ثم البدء بطرق العلاج المختلفة التي تتعلق وتعتمد على نوع السبب.

أضف تعليق

error: