الكذب رأس الخطايا

صورة , الكذب , الكلام

كل أمر لا ُراعَى الله فيه فهو ذنب، وكل عمل لا يأتي وفقا للشريعة ومنهجها هو داع من دواعي المؤاخذة، إلا أن الذنوب تتفاوت في درجاتها وخطورتها وتبعاتها، ومن أخطر الذنوب ما تجر المرء لغيرها، ومن أقبحها ما تفتح بابا للمزيد منها، وتيسر السبيل إلى الخطايا.

هنا سوف نتناول في حديثنا نمطا من الذنوب الذي لا يقف خطره وضرره على ارتكاب الذنب نفسه، بل يمتد ليشمل غيره من الذنوب ويمهد لها ويجعلها أسهل في عين العاصي، وهو الكذب، فلنذكر أنفسنا وإياكم بخطورته، ومدى قبحه وكيف يفتح أبواب المعصية على مصراعيها، ويكيف يكون عونا على ارتكاب الخطايا.

تحذير الشريعة الإسلامية وتنفيرها من الكذب

نفرت الشريعة من الكذب كما لم تنفر من غيره، وحذرت منه تحذيرا شديدا وصريحا وأخبرت أنه طريق النار وأنه المؤدي إلى الفجور والمعصية، فقال –صلى الله عليه وسلم- مؤكدا هذا المعنى في حديثه الذي نحفظه جميعا عن ظهر قلب: (وإيّاكم والكذِبَ، فإنّ الكَذِبَ يَهْدِي إلَى الفُجُورِ، وإِنّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النّارِ وَمَا يزَالُ العبْدُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرّى الكَذِبَ حَتّى يُكْتَبَ عِنْدَ الله كَذّابا).

ومن أشد ما حذر به النبي من الكذب تصريحه بأن الكذب ينقص الإيمان ويلغيه ويقضي عليه، فلا يجتمع الإيمان والكذب في قلب واحد أبدا، ومن ذلك قول النبي ردا على سؤال بعض أصحابه عن الكذب وإمكانية وقوعه من المؤمن في الحديث الشريف، فعن عن عبد الله بن جراد، أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ” يا نبي الله، هل يزني المؤمن؟ قال: (قد يكون من ذلك)، قال: يا رسول الله، هل يسرق المؤمن؟ قال: ( قد يكون من ذلك)، قال: يا نبي الله هل يكذب المؤمن؟ قال: (لا)، ثم أتبعها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال هذه الكلمة: (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون).

في هذا إشارة أن الكذب يتنافى مع الإيمان، ويقدح في كماله وصحته، ولا يفهم من الحديث أن المؤمن يمكن أن يسرق أو يكذب ولا يؤاخذ بذلك، بل هي معصية كبرى وذنب عظيم وقد يزل المؤمن رغم إيمانه بدافع الشهوة والاحتياج فيقع فيهما، ويتوب إلى الله أما الكذب فما الذي يحمل المؤمن عليه، كما أن الكذب هو عادة عند البعض يعتادها فيصبح الكذب أسهل عنده من الصدق، ويصبح تأليف الأعذار واختلاقها من العدم مهارة، وهذا درب من الفجور.

لماذا حذر الإسلام من الكذب وما هي مخاطره؟

من أخطر الاعتبارات التي تجعل الكذب محرما أنه يعين الإنسان على المعاصي ويسهل له ارتكاب الجرائم، فمتى تيسر للإنسان الكذب فيصبح لديه ردا على كل تهمة ومخرجا من كل ورطة، فيأمن العقاب ويرجوا النجاة بأخطائه.

وللكذب على الإنسان أضرار نفسية واجتماعية ودينية لا حصر لها ومنها:
إن الإنسان الذي يعتاد الكذب يفقد القدرة على الثقة بمن حوله، ويفترض أن الكل يكذب، وهذا يترتب عليه اضطرابات في الأفكار وفهم الأحداث وما يترتب على ذلك من القرارات الخاطئة والدخول في متاهات القلق والخوف من الناس غيرها.

الكذب عملية عقلية معقدة، فالمرء حين يكذب يعود نفسه أن يردد ما يعلم أنه كذبا، فيبرمج العقل الباطن على تلك البلبلة والخلط، ويشوش عليه حتى يألف هذا النمط من التفكير ويصبح أسهل من الإقرار بالحقائق والاعتراف بها.

الإنسان متى عرف بين أقرانه بالكذب، سقط من نظرهم وفقد ثقتهم، فيبتعد عنه من حوله ويتعاملون معه بمنتهى الحذر والقلق، وفي هذا من الضغط النفسي ما فيه.

المجتمع الذي يسوده الكذب من الصعب التعايش معه، فلا سبيل إلى الاعتراف بالأخطاء ولا سبيل إلى حلها، فالكاذب كالزئبق لا تستطيع الإمساك به أبدا، لا تستطيع أن تحصل منه على معلومة حقيقية تهتدي بها.

كل هذه الأثار في جانب وما ينتظر الكاذبين من عقاب الله وسخطه عليهم في جانب آخر.

أضف تعليق

error: