ذنوب الخلوات نذير الهلاك

صورة , السرقة , ذنوب الخلوات

اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك، هذا أفضل ما يمكن أن نستهل به حديثنا في هذا المقال عن ذنوب الخلوات، تلك المصيبة التي تصيب المرء في دينه، فتؤدي به إلى موارد الهالكين.

وهنا سنحاول أن نفهم الحكمة والعلة في خطورة هذه النوعية من الذنوب، ولماذا حذر منها النبي –صلى الله عليه وسلم-، وما خطرها على الإنسان والإيمان.

لماذا تعتبر ذنوب الخلوات قدح في الإيمان ونقص في العبودية؟

إن أكبر المصائب التي تنطوي عليها ذنوب الخلوات والتي تجعلها في أحط دركات المعصية، أنها تدل على الاستهانة بالله عز وجل، وإنزال الناس مكانة أعلى من الله في قلب العاصي.

فالمرتكب لهذه الذنوب، يبيت منشغلا بالستر عن الناس، وارتكاب الذنب بعيدا عنهم، وينسى أو يتناسى أن الله مطلع عليه، قادر على أن يفضح أمره بين لحظة وأخرى.

ومن الأحاديث التي تبعث الرعب في قلب أي انسان لم يزل يخالطه بعض الإيمان، قول ابن عباس –رضي الله عنه وأرضاه-: (قال ابن عباس عن المذنب في الخلوات: “وخوفك من الريح إذا حرَّكت سِترَ بابك وأنت على الذنب، ولا يضطرب فؤادك من نظر الله إليك أعظم من الذنب إذا عمِلته” فالمصيبة الكبرى أن تخشى الناس والله أحق أن تخشاه.

ومن الكلمات التي تحرق القلب وتمزق الروح خجلا من الله وحياءا منه عز وجل ذلك العتاب من رب العزة لعبده الذي يستتر بستره، ويبارزه بالمعصية، ويستهين بنظره إليه حين يقول عز وجل مخاطبا إياه في حديث قدسي: (عبدى إن كنت تظن أنى لا أراك فذاك شك في ايمانك، وإن كنت تظن أنى أراك فلم جعلتني أهون الناظرين اليك؟).

آثار ذنوب الخلوات على الإنسان في الدنيا والآخرة

قرأت عن أثار ذنوب الخلوات وخطرها على أصحابها، فوجدت ما يقشعر له البدن، ويشيب لهوله الغلمان، ووجدتها أكثر من أن تُحصى وأصعب من أن تُحتمل، وأقسى ألف مرة من أن يُعرض عنها، ولكن لأن المقام لا يتسع لحصرها فيكفي أن نذكر أسوأها وأعظمها خطرا وأشدها وقعا على الإنسان، وأعنفها وجعا لقلبه وأشدها فتكا لروحه وعلى رأسها ما يلي:

سوء الخاتمة

أعاذنا الله وكل المسلمين من سوء الخاتمة التي يعاقب الله بها من كان أشد حرصا على رضا الخلق من رضا الخالق، وعظم الناس في قلبه ولم يعظم رب الناس.

فقد ورد في الأثر أن سوء المنقلب والموت على المعصية، لشخص ظاهر الطاعة والتقوى، علامة سوء باطنه، وتلبسه بذنوب الخلوات. عافانا الله جميعا.

الفضيحة على رؤوس الأشهاد

من أقسى العقوبات التي يعاقب بها مرتكب ذنب الخلوات أن يحدث ما كان يخشاه في حياته، بصورة أعنف وأقسى مما يمكن أن يخطر بباله.

فبينما كان يخشى أن يطلع نفر من الناس على معصيته، فيوم القيامة يٌطلع الله العالمين على ذنبه، فياله من مشهد تنصهر الروح خجلا ورعبا من شدته.

ضياع الحسنات وذهاب القربات

من المعروف أن ذنوب الإنسان في سره تذهب بحسن صنيعه في علانيته، ولا عجب فمن يخش الناس ويخاف أن يطلع أحدهم على ذنبه أكثر من خوفه من علم الله بهذا الذنب، لا يسلم من أن تكون حسناته في العلن درب من الرياء والنفاق، فبقدر تشوه سريرته يزين علانيته.

ولكن الله مُطَّلِع، ولا تخفى عليه خافية، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

ومن الأحاديث الواردة في هذا الشأن قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث ثوبان رضي الله عنه: «لأعلمن أقوامًا من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء، فيجعلها الله عز وجل هباءً منثورًا». قال ثوبان: يا رسول الله! صِفهم لنا، جلِّهم لنا ألا نكون منهم ونحن لا نعلم. قال: «أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها».

وأخيرا أخي المسلم وأختي المسلمة أذكركم ونفسي بتقوى الله في السر والعلانية، وأسال الله أن يقسم لنا من خشيته ما يحول به بيننا بين معصيته، وأن يسبل ستره علينا ولا يفضحنا، وأن يصلح سرائرنا فنحن لا قبل لنا بغضبه ولا طاقة لنا بفضيحته، ولا صبر عندنا على سوء خاتمة، تبدل خالنا من النجاة إلى الهلاك، اللهم سَلَّم، يا رب سلم!!

أضف تعليق

error: