شرط الإيمان وسر سعادة بني الإنسان

صورة , الإيمان , السعادة , مساعدة الآخرين
مساعدة الآخرين

خلق الله الناس متفاوتين في أواصافهم، وأنماط شخصياتهم، وفضل بعضهم على بعض في الرزق وفي الدين وفي هبات الله المختلفة، ووضع الضوابط الشرعية التي تنظم التعامل بين الناس، حتى لا يجور أحدهم على الأخر ولا يفرط في اتباع هواه، ولا يتعدى على من دونه بالقول أو الفعل.

ووضع ضوابط تهذب مشاعر الناس فيما بينهم، فللكبير مكانة وللصغير رحمة وللغني التزامات وللفقير أداب يراعيها، وعلمنا كيف نكبح جماح المشاعر السلبية ونسيطر على ما يدور في قلوبنا وعقولنا من أفكار تؤذينا أو تؤذي غيرنا، وهنا سوف يكون الحديث عن قاعدة من قواعد سياسة النفس وتروضيها، تحمل بين ثناياها كنزا من كنوز سعادة البشرية وتحل نصف مشكلاتها وتقضي على نصف معاناتها، والتي تلخصها كلمات نبوية قصيرة المبنى، عميقة المعنى، عظيمة الأثروهي قول الحبيب-عليه الصلاة والسلام-: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).

شرح الحديث

يمثل هذا الحديث قاعدة ربانية من قواعد التعامل بين الناس، ويربط بين الإيمان وبين حب الانسان لأخيه ما يحبه لنفسه، بل يجعله شرطا لا يكتمل الإيمان إلا به، فقوله لا يؤمن لا يقصد به نفي الإيمان عنه أو انسلاخه منه، ولا يقصد به الإيمان بمعناه العقائدي المعروف، الذي هو الإيمان بوجود الله وتوحيده، وإنما يُقصد منه تمام الإيمان واكتماله على الوجه الأفضل.

وجملة يحب لأخيه ما يحب لنفسه تشمل كل ما يحبه الإنسان لنفسه من أوجه الخير ومجامع السعادة والعافية والسلامة والنجاة من كل مكروه، وهي دعوة لتعويد النفس على الشعور بغيرها وتقديرحاجات هذا الغير، وتصور ألمه والتعاطف معه والتخفيف عنه.

يشمل الحديث عبارة ضمنية وهي أن يكره لأخيه كل ما يكرهه لنفسه من خسارة أو مصيبة أو ألم أو تعب أو نصب من أي نوع وبأي صورة.

إقرأ أيضاً عن: ما هو الجهاد الأكبر

لماذا جعل حب الخير للغير وكراهة الشر له شرطا لاكتمال الإيمان؟

هذا المبدأ من أصعب المبادئ التي يشق على الإنسان تطبيقها، ويشق على النفس تحملها لأنها تتعارض مع جزء من الطبيعة التي فطر عليه الإنسان، ولأنها تقوم جزْا من الاعوجاج المركب في النفس البشرية، بمعنى أن الإنسان مجبول على الأنانية وحب الذات، يحب أن يستأثر بالمتع والملذات ويود لو حيزت له الدنيا بما فيها وأقبلت عليه السعادة بكل أسبابها وصورها.

ومن ثم فإن ترويضه على التخلي عن أنانيته والأثرة، والحرص على تقديم النفع لغيره ودفع الضر عنه درجة عالية من درجات الرقي التي لا يبلغها الإنسان إلا بالدربة والمران، والطمع في إرضاء الحنان المنان.

آثار تطبيق هذا المبدأ في تعامل الإنسان مع أخيه الإنسان

من أهم المحاور في هذا الموضوع أن نتعرف على أثار تلك الفضيلة ومدى فائدة تطبيقها التي تعود على الأفراد والجماعات على حد سواء، ويمكن توضيح ذلك في شرح مختصر يشمل مجامع الفائدة، فلو أن كل شخص قبل أن يسلك سلوكا معينا تجاه أخيه، فكر في أخيه ووضع نفسه في موضعه ونظر إلى الأمر بعينه، وتساءل وفكر جيدا فيما يمكن أن يلحقه من ضرر أو يسبب له من أذى، وكان تفكره سببا في تراجعه عنه، لسلم المجتمع من آفات الحقد والحسد والبغضاء والكراهية، ولما دبر أحد المكائد لأحد ولما تربص أحد بقريب أو جار، ولا أضمر له السوء ولا بطش به ولا ظلمه، ولا سمح لنفسه أن يغتال سعادته ويتسبب في وجعه أو حزنه أبدا.

فضلا عن كل ذلك فإن الإنسان متى ارتقى إلى هذه الدرجة من حب الخير لغيره والحرص على نفعه، بات قرير العين هانئ البال لا يعكر سعادته أي مشاعر سلبية أو نوايا سيئة.

كما يريح الإنسان نفسه من تحمل حقوق العباد وأن يلقى الله وعليه مظالم للناس، فيأخذ هذا من حسناته وياخذ هذا من حسناته حتى يقف بين يدي الله، خالي الوفاض وقد ضاعت حسناته هباء وربما حمل من ذنوب غيره.

كيف نربي النفس على حب الخير للغير

ولتعويد النفس على هذه المثل القيمة ينبغي أن نغرس فيها أولا الحرص على إرضاء الله وابتغاء فضله من تعاملاتنا، وأن نعلم أن كل إنسان كما يدين يدان فمن صفا قلبه وامتلا بالخير لغيره، وجد الخير أمامه وسخر الله له من الناس من يقوم على حوائجه ويسعى في مصالحه.

أضف تعليق

error: