لماذا يستخدم العلماء الفئران تحديداً في التجارب؟

لماذا يستخدم العلماء الفئران تحديداً في التجارب؟

في عالم البحث العلمي، تتردد كثيراً عبارة “فأر تجارب“، خصوصاً عند الحديث عن التجارب الطبية أو السريرية. إذ يبدو أن الفئران باتت الرفيق الدائم للباحثين والعلماء في المختبرات. فأي علاج جديد، أو عقار طبي لم يُختبر بعد، غالباً ما تكون الفئران أول من يتعرض له. هذا يدفعنا للتساؤل: لماذا الفئران تحديداً؟ ولماذا لا تُستخدم حيوانات أخرى مثل الأرانب، أو الكلاب، أو حتى الضفادع؟ وهل ساهمت الفئران فعلاً في اكتشاف علاجات لأمراض خطيرة؟ وما تأثير هذا الاستخدام المكثّف على وجودها في الطبيعة؟

الأسباب العلمية لاختيار الفئران

الحقيقة أن استخدام الفئران في التجارب العلمية ليس من باب الصدفة، ولا يُعد استقصاداً لها دوناً عن غيرها. بل يعود ذلك إلى مجموعة من الخصائص الفريدة التي تجعل منها كائنات مثالية لإجراء التجارب المعملية، ومنها:

  • صغر الحجم وسهولة التكيف: الفئران صغيرة الحجم، مما يسهل الاحتفاظ بها في المختبرات دون الحاجة إلى مساحات كبيرة. كما أنها تتأقلم بسرعة مع البيئة المحيطة بها.
  • سرعة التكاثر وتوافر الأعداد: تتكاثر الفئران بمعدلات عالية، مما يضمن توفّرها بشكل دائم. وهذا أمر ضروري عند الحاجة لدراسة عينات متعددة أو أجيال مختلفة.
  • قِصر دورة الحياة: عمر الفأر لا يتجاوز في الغالب 2-3 سنوات، مما يسمح للعلماء بدراسة تأثير دواء معين على أكثر من جيل خلال فترة قصيرة. وهذا يسهم في تسريع نتائج التجارب وتحليلها بدقة أكبر.
  • التكلفة المنخفضة: الفئران تُعد رخيصة نسبياً مقارنة بحيوانات أخرى، مما يجعل استخدامها اقتصادياً بالنسبة للمؤسسات البحثية.

تشابه بيولوجي وجيني كبير مع الإنسان

ما يمنح الفئران مكانة مميزة في الأبحاث الطبية ليس فقط سهولة التعامل معها، بل أيضاً التشابه الكبير بين تركيبها الجيني والبيولوجي وتركيب الإنسان. فهي تنتمي إلى فصيلة الثدييات، وتشترك معنا في كثير من العمليات الحيوية والسلوكيات، كما أن معظم الأمراض التي تصيب الإنسان يمكن أن تظهر على الفئران بطريقة مشابهة.

وقد استطاع العلماء من خلال التطورات الحديثة في علم الوراثة إنتاج سلالات من الفئران معدّلة جينياً لتشبه الإنسان بدرجة أكبر، بل وتم تعديل بعض الجينات لتُحاكي تلك التي تسبب أمراضاً خطيرة عند البشر، مثل السرطان. وهذا يتيح للعلماء دراسة آليات المرض بشكل دقيق، والتعرف على التفاعلات الكيميائية التي تؤدي إلى تطوّره.

سهولة التشريح والتجارب التشريحية

بسبب صغر حجم الفئران، فإن تشريح أجسامها يُعد أمراً بسيطاً نسبياً، وهو ما يسهّل على الأطباء والباحثين دراسة الأجهزة الحيوية داخلها مثل الجهاز الهضمي، والدوري، والتنفسي. كما أن هذه الأجهزة متشابهة إلى حد كبير مع نظائرها عند الإنسان، بنسبة تصل إلى 90%، مما يجعل الفأر نموذجاً مناسباً لتجارب التشريح الأولية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الصفات الوراثية في الفئران لا تختلف كثيراً بين الذكر والأنثى، مما يمنح التجارب دقة واستقراراً أكبر، ويجعل من السهل تعميم النتائج.

الاعتياد والمعرفة المتراكمة

من الأسباب المهمة التي تدفع العلماء للاستمرار في استخدام الفئران، هو تراكم المعرفة العلمية الدقيقة حول أجسامها ووظائفها. فالعلماء أصبحوا على دراية تفصيلية بكل جزء في جسم الفأر، وهذا يسهل عملية تصميم التجارب وتفسير نتائجها، دون الحاجة إلى إعادة دراسة الخصائص البيولوجية من الصفر.

هل تعلَم أيضًا ⇐ لماذا نشعر بحرارة الفلفل وبرودة النعناع؟

إسهامات الفئران في اكتشاف علاجات لأمراض خطيرة

الفئران لم تُستخدم فقط في التجارب النظرية، بل كان لها دور حاسم في اكتشاف وتطوير علاجات لأمراض خطيرة، مثل:

  • السكري وارتفاع ضغط الدم
  • السرطان والزهايمر
  • أمراض القلب والشيخوخة
  • الإيدز والتهاب العين وأمراض الجهاز التنفسي
  • ضمور العضلات والحبل الشوكي والشلل الرعاش
  • الإدمان والتغذية والسلوك العصبي

كما يتم استخدامها في تطوير أنظمة تغذية صحية، وفي اختبار تأثير الأنظمة الغذائية الجديدة والأدوية المضادة للإدمان.

هل الفئران معرّضة للانقراض بسبب التجارب؟

رغم الكثافة العالية لاستخدام الفئران في المختبرات، فإن خطر انقراضها غير وارد حالياً. ذلك لأن هذه الفئران تُربّى خصيصاً لهذا الغرض في مزارع ومراكز أبحاث، وتتكاثر بسرعة كبيرة. وبالتالي، فإن أعدادها تبقى مستقرة نسبياً ولا تتأثر بشكل مباشر من حيث التواجد الطبيعي.

يُمكنك -معنا- أيضًا أن تتعرَّف على أغرب القبائل البدائية: عالم آخر يعيش بيننا في عزلة تامة

الانتقادات والبدائل المقترحة

ورغم الدور المحوري للفئران في الأبحاث الطبية، إلا أن هناك العديد من الانتقادات الموجهة لاستخدامها، حيث تُعاني غالباً من ظروف قاسية مثل الجوع، الحروق، الأمراض المصطنعة، وحتى القتل بعد انتهاء التجربة. كما يشير بعض المعارضين إلى أن النتائج التي نحصل عليها من الفئران قد لا تكون دقيقة أو قابلة للتطبيق على الإنسان بشكل مباشر.

وتُستشهد بعض الأصوات الناقدة بحوادث سابقة مثل:

  • في خمسينيات القرن الماضي، تسبب عقار اجتاز التجارب على الحيوانات في ولادة أكثر من 100,000 طفل بتشوهات.
  • عقار آخر للقلب أظهر نجاحاً كبيراً على الحيوانات، لكنه تسبب في أكثر من 27,000 حالة اضطرابات قلبية عند البشر.

ومع أن هذه الحالات تُعد استثناءات، فإنها دفعت العلماء إلى البحث عن بدائل أكثر أماناً.

البدائل الحديثة للفئران في التجارب

في ظل التطور العلمي، ظهرت عدة بدائل تُستخدم في التجارب بدلاً من الحيوانات، من أبرزها:

  1. زراعة الخلايا: حيث يتم أخذ خلايا بشرية أو حيوانية وزراعتها في بيئة مختبرية مناسبة، وإجراء التجارب عليها دون إيذاء أي كائن حي.
  2. المحاكاة بالحاسوب: تُستخدم برامج متطورة لمحاكاة تأثير العقاقير أو المواد الكيميائية على جسم الإنسان، وتُستخدم في مجالات مثل صناعة مستحضرات التجميل والصابون.
  3. الرقائق الحيوية: وهي أنظمة ميكروية تُستخدم لتسريع نتائج التجارب وزيادة دقتها، ضمن وقت أقصر من الطرق التقليدية.

ورغم أن هذه البدائل ما زالت في مراحل التطوير الأولى، إلا أنها تشكّل خطوة مهمة نحو تقليل الاعتماد على الكائنات الحية في الأبحاث.

وختامًا..

يمكن القول إن الفئران لعبت، وما تزال، دوراً جوهرياً في تطور العلوم الطبية والدوائية. وعلى الرغم من الجدل القائم حول استخدامها، فإن مساهماتها لا يمكن إنكارها. وفي الوقت ذاته، يسعى العلماء إلى تطوير بدائل أكثر إنسانية وأماناً، توازن بين التقدم العلمي والحفاظ على حقوق الكائنات الحية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error:
Scroll to Top