تُعد النفايات المشعة من أخطر أنواع المخلفات الكيميائية الموجودة على سطح الأرض، حيث تشكل تهديدًا جسيمًا للصحة العامة وللنظم البيئية على حد سواء. وتنتج هذه النفايات في الغالب من استخدامات متعددة للمفاعلات النووية، سواء في الأغراض السلمية أو العسكرية.
فمنذ ثلاثينيات القرن العشرين وحتى يومنا هذا، لم يتوقف الإنسان عن استغلال العناصر المشعة لتوليد الطاقة أو لإجراء الأبحاث العلمية أو حتى لتطوير الأسلحة النووية. ونتيجة لهذا الاستغلال المستمر، تراكمت كميات ضخمة من هذه النفايات، حتى أصبحت عبئًا ثقيلاً يهدد الكوكب بأكمله.
تعريف النفايات المشعة ومصادرها
تشير النفايات المشعة إلى مواد كيميائية، أو وقود نووي مستخدم، ينتج عن العمليات داخل المفاعلات النووية. وتُستخدم هذه المواد في مجالات متعددة تشمل الطب، والتعدين، والبحث العلمي، وتوليد الكهرباء. ووفقًا للجنة التنظيم النووي بالولايات المتحدة، فإن أكثر من 100 منشأة نووية مرخصة تعمل داخل البلاد، وتوفر نحو 20% من الطاقة المستهلكة.
وعلى الرغم من أن مظهر هذه المواد قبل الاستخدام وبعده قد لا يختلف كثيرًا، إلا أن التغير الجوهري يحدث في تركيبها الكيميائي، مما يجعلها سامة جدًا وخطرة للغاية إذا لم يتم التعامل معها بشكل دقيق.
مخاطر النفايات المشعة على الصحة والبيئة
تشكل النفايات المشعة خطرًا كبيرًا على صحة الإنسان، فالتعرض لها يمكن أن يؤدي إلى أمراض خطيرة مثل السرطان، فقر الدم، العقم، تشوهات الأجنة، واضطرابات الجهاز المناعي والوراثي.
كما أن هذه المواد قد تظل مشعة لفترات طويلة جدًا، قد تصل إلى مئات السنين، مما يعني أن آثارها لا تقتصر على الحاضر فقط، بل تمتد إلى الأجيال القادمة أيضًا.
أنواع النفايات المشعة وتصنيفها
تنقسم النفايات المشعة إلى ثلاث فئات رئيسية:
- النفايات عالية المستوى: وهي الأخطر على الإطلاق، وتمثل نحو 95% من النشاط الإشعاعي الناتج عن المفاعلات. تكون عبارة عن وقود نووي مستنفد، ويظل مشعًا لفترات طويلة.
- النفايات متوسطة المستوى: وهي أقل إشعاعًا من النوع الأول، لكنها لا تزال تحتاج إلى تدابير وقائية خاصة، وتشكل حوالي 4% من النشاط الإشعاعي.
- النفايات منخفضة المستوى: تمثل نحو 90% من إجمالي النفايات، ولكنها لا تشكل إلا 1% من النشاط الإشعاعي. تُستخدم في المستشفيات، وعيادات الأسنان، والمرافق الطبية، ويمكن التخلص منها في مكبات النفايات، بشرط اتباع شروط أمان صارمة.
صعوبة التخلص من النفايات المشعة
تكمن المشكلة الكبرى في كيفية التخلص من هذه النفايات، لا سيما عالية المستوى منها. فالتخلص الآمن منها يتطلب مواقع خاصة بعيدة عن التجمعات البشرية والمصادر المائية، بالإضافة إلى مراقبة مستمرة لضمان عدم تسرب الإشعاع.
في الماضي، وتحديدًا عام 1949، كان يتم التخلص منها عبر تخزينها في أسطوانات معدنية تُلقى في أعماق المحيطات، اعتقادًا بأن المياه ستخفف من تأثيراتها الإشعاعية. ولكن مع مرور الوقت، ثبت أن هذه الطريقة تسبب أضرارًا بالغة للحياة البحرية وللبيئة عامة، ما أدى إلى التخلي عنها وانتقادها بشدة.
الحلول الحديثة لتقليل خطر النفايات النووية
في الوقت الراهن، بدأت بعض الدول باتباع طرق أكثر أمانًا، منها:
- إعادة المعالجة: حيث يُستخرج الوقود القابل للتخصيب من النفايات ويُعاد استخدامه.
- التحصين والتخزين: تُخلط النفايات المتبقية مع الأسمنت وتُخزن داخل أسطوانات حديدية مُبطنة بأكسيد المغنيسيوم، ثم تُدفن على أعماق كبيرة أو في مناجم مهجورة، بعيدًا عن المياه الجوفية.
- الحفظ الآمن للمواد الخطرة: مثل المواد الناتجة عن تخصيب اليورانيوم، حيث تُخزن في براميل أسمنتية مبطنة بالرصاص وتُدفن في مناطق نائية بعمق لا يقل عن 300 متر.
ورغم فعالية هذه الطرق، إلا أن الخوف ما زال قائمًا من حدوث زلازل أو كوارث طبيعية قد تعيد هذه النفايات إلى السطح، مما يؤدي إلى كوارث إشعاعية غير مسبوقة.
مقترحات جديدة.. هل نرسلها إلى الفضاء؟
من بين المقترحات غير التقليدية التي طُرحت مؤخرًا هو إرسال النفايات النووية إلى الفضاء، وذلك على متن صواريخ مخصصة.
وعلى الرغم من أن الفكرة تبدو منطقية على السطح، إلا أن تنفيذها محفوف بمخاطر جسيمة، أبرزها احتمال انفجار الصاروخ أثناء الإطلاق، ما قد يؤدي إلى تساقط النفايات المشعة على الأرض وتسببها في كارثة بيئية هائلة.
بالمناسبة؛ هل تعلم ⇐ لماذا لا يجب وضع البلاستيك أو المعادن داخل الميكروويف؟
ردود فعل دولية: الدعوة إلى وقف الطاقة النووية
بسبب هذه المخاطر المتزايدة، بدأت العديد من الدول باتخاذ مواقف حاسمة تجاه الطاقة النووية. بعد انفجار مفاعل تشيرنوبل عام 1986، ظهرت مبادرات تدعو إلى التوقف عن استخدام الطاقة النووية.
فقد أغلقت إيطاليا محطاتها النووية عام 1987، ولحقتها بلجيكا في عام 1999، ثم انضمت إسبانيا والنمسا لاحقًا. أما ألمانيا، فقد قررت إغلاق جميع محطاتها النووية بحلول نهاية عام 2022، والاعتماد كليًا على مصادر الطاقة المتجددة، وتبعتها سويسرا في القرار ذاته.
وهنا تعرِف ⇐ لماذا تتخذ الأجسام في الفضاء شكلاً كروياً؟
خاتمة: الحاجة إلى حل عالمي عاجل
إن التراكم المستمر للنفايات النووية، والذي بلغ 88 ألف طن، يطرح تساؤلاً وجوديًا: إلى أين ستذهب كل هذه النفايات؟ وفي ظل محدودية الخيارات المطروحة وصعوبة تطبيقها، يبقى التحدي الأكبر هو التوصل إلى حل عالمي شامل ومستدام لهذه المشكلة، قبل أن تتحول إلى كارثة لا يمكن تداركها.
هل تعتقد أن على العالم حظر الطاقة النووية بالكامل، أم البحث عن تقنيات أكثر أمانًا لإدارتها؟