قصص في المواطنة للأطفال

قصص في المواطنة للأطفال

تميز جيل أطفال الثورة بأنه عاصر انتفاضة شعب ثار على الظلم وسعى بكل الوسائل السلمية ليحصل على حقوقه المهدرة؛ ولكنه في الوقت نفسه عاصر ما صاحب هذه الثورة من انقسامات وفتن لم تكن الأجيال السابقة تعرف لها طريق، ولأن الحكماء يقولون أنه إذا أردت أن تبني مستقبلاً يحقق الأمجاد فلا بد أن تكون لك ماضي تنطلق من ثقافته وتبحث عما فيه من قيم تدعمك.

صلاة جماعية

وهذا هو ما سعى إليه الكاتب عبد التواب يوسف –من رواد أدب الطفل- في كتابه الذي صدر حديثاً وقدمه بأنه كتاب لأي طفل أو شاب، أب أو أم، صغير أو كبير، إلا أنه طبق حكمة القدماء وسعى لتقديم علاج تأثير أزمة “الفتنة الطائفية” التي تشتعل وتهدأ من حين لآخر في السنوات الأخيرة على الأطفال من خلال البحث والتنقيب بين دفاتر التاريخ المصري ليخرج بقصص التآخي بين المصريين بمسلميها ومسيحييها التي وصلت إلى حد التضحية بالنفس والمال.

هذه الثقافة القائمة على التآخي والتسامح أصيلة في المصريين؛ ففي الفصل الأول من الكتاب يسرد مواقف أقباط مصر مع الدعوة الإسلامية منذ خطاب المقوقس وحتى بعد فتح البلاد على يد عمرو بن العاص ويبدأ الفصل بما قاله الرسول –صلى الله عليه وسلم- عن مصر متنبئاً بفتحها وموصياً المسلمين بأهلها خيراً بعد أن صاهرهم بزواجه من المصرية “مارية القبطية”.

وفي الفصل الثاني يروي الكاتب ما حدث في عهد محمد علي عندما تأخر فيضان النيل في أحد الأعوام، وأقام علماء الأزهر الشريف صلاة الاستسقاء في مسجد “عمرو بن العاص” إلا أن مستوى المياه ظل على حاله، وبعد يومين اقترح البعض أن يشارك الأقباط في الصلاة فاجتمع عدد من القساوسة في إحدى نواحي المسجد يتلون صلواتهم جنباً إلى جنب مع المسلمين.

يد واحدة ضد العدوان

ومع دخول الحملة الفرنسية إلى مصر ألقى الفرنسيون القبض على شيخ مسلم ومسيحي من الثوار وطالبوهم بدفع فدية باهظة وإلا عوقبوا بقطع ألسنتهم فيرفض الشيخ دفع الفدية لنفسه حتى يطمئن على خروج أخوه المسيحي فيجمع أصدقائه المبلغ المطلوب لهما معاً، ليأتي بعدها من يتبرع من المسلمين ببناء كنيسة يشاركه فيها عمال مسلمين.

وحينما أنشأ الفرنسيون “الديوان” وحاولوا أن يشعلوا الفتنة داخله بين المسلمين والمسيحيين بإثارة قضية المواريث لدى النصارى وأي قانون يطبق عليها حسم أحد الأعضاء —”ميخائيل كحيل”— الجدال قائلاً: “أرجو أن يسكت الفرنسيون.. بالنسبة إلينا نحن النصارى فإننا نترك لعلماء المسلمين أمر المواريث الخاصة بأبناء طائفة الأقباط”.

ومن الحملة الفرنسية إلى الاحتلال الإنجليزي استمرت محاولات الاستعمار في إشعال الفتنة بين المصريين وتستمر معها المقاومة المصرية التي بلغت حداً تبادل فيه القساوسة والشيوخ الخطب على منابر المساجد والكنائس حتى أن القمص “سرجيوس” قال في خطبته: “إذا كان الاستقلال موقوفاً على الاتحاد وكان الأقباط حائلاً دون ذلك فإني مستعد لأن أضع يدي في يد إخواني المسلمين للقضاء على الأقباط أجمعين لتبقى مصر أمة متحدة”.

ويختتم عبد التواب كتابه بالواقعة التي حدثت في نوفمبر 1919 حينما تشكلت حكومة برئاسة القبطي “يوسف وهبة باشا” وأعلن المصريون رفضهم لها من داخل الكنيسة المرقصية، وعندما استمر الوضع كما هو خرج أحد الأقباط على موكب رئيس الوزراء في 15 ديسمبر ملقياً بقنبلتين انفجرتا ولكن لم يصيبا الرئيس، فصرخ الناس بالقبطي أن يهرب حتى لا تتمكن الشرطة من القبض عليه إلا أنه رفض التحرك من مكانه مستسلماً لقواتها، وحينما سألوه عن سبب عدم هروبه أجاب: “خوفاً من أن يتهموا مسلماً بمحاولة قتل رئيس الوزراء”.

بقلم: آيات فاروق

أضف تعليق

error: