خطبة: وصايا مفيدة لبناء أسرة سعيدة

خطبة الجمعة , وصايا مفيدة لبناء أسرة سعيدة , خطب مكتوبة

«وصايا مفيدة لبناء أسرة سعيدة» العنوان المُمَيَّز هذا لموضوع في غاية الأهمية بالطَّبع. وهو الأُسرَة المسلمة، وما توجهه من تحدّيات في التربية والتعليم واتباع النهج السّوي الذي أرشدنا إليه ديننا الحنيف، متمثلا في آيات كتاب ربنا ﷻ وأحاديث سُنَّة نبينا المختار ﷺ.

فما رأيكم أن نقرأ ما لدينا الآن في هذه الخطبة –المكتوبة–، ونسوقه –بدورنا نحن الخطباء– إلى المسلمين في كل أرجاء العالم الإسلامي!

مقدمة الخطبة

الحمد لله القائل: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ﴿وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى﴾، وحثهما على ما فيه خيرهما في الدنيا والأخرى.

ونشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، أفضل من أقام المجتمعات، وحماها من كل فرقة وشتات، ﷺ وعلى كل من أدرك واجبه في ارتقاء الأمم، فاعتنى بأسرته بكل همة وعزم.

الخطبة الأولى

أما بعد، فـ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾، ثم اعلموا – وفقني الله وإياكم – أن من خير ما يتقرب به العبد إلى الله أن يحرص على بناء أسرة سعيدة، متصفة بكل الخصال الحميدة؛ لأن المجتمع مجموعة أسر، إن قويت عائلاته قويت المجتمعات وارتقت، وتقدمت وازدهرت، وإلا رجعت القهقرى، وكانت خلف الركب؛ إذ العائلة منبع الرحمة والمودة ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾، ومكان الألفة والسكينة، وهي بيت المجتمع المسلم وموئله، وفيها مصنعه ونشأته، وهي صلاحه وأساسه، وقائدته إلى المعالي ونبراسه، وهي – للمتأمل – محضن الأجيال، ومعقد الآمال، ومدرسة يستقي منها الأولاد دروس الحياة؛ لينطلقوا بعد ذلك يمشون في مناكبها دون وجل.

عباد الله: إن لبناء أسرة سعيدة، وعائلة حميدة مبادئ يحسن بكم الاهتمام بها، ولفت النظر إليها، ومن ذلك أن تدرك أي أسرة أن سعادتها كامنة فيما فيه طاعة الله ومرضاته، وشقاءها فيما فيه مخالفته ومعصيته، قال ﷻ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾، ولا تكون الوقاية من النار إلا بالحرص على الطاعات، ومنها الصلاة، قال ﷻ: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾، فما أجمل أن ترى الأولاد مسارعين إلى الصلاة، لا يتأخرون عنها؛ لأنهم يقرؤون قول الله عنها: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا﴾، ولا يغفلون عن أدائها؛ لأنهم يدركون معنى حديث النبي ﷺ: «إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة».

وأي فرح ينتاب المسلم وهو يرى أولاده إلى الخيرات يتسابقون، هذا يوقظ أخاه، وتلك توقظ أختها؛ فلا أجمل من جيل جعل همه الصلاة، هي حياته وأنسه، وبها اشتغاله وهمه.

وهكذا فإن كل مرب للأسرة مسؤول عن أسرته، جاء عنه ﷺ: «كلكم راع ومسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل في أهله راع وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها».

وهذا الشأن في الصلاة، ويقاس عليه كل العبادات والشعائر؛ فإن أساس سعادة الأسرة تمسكها بدينها، وتطبيقها العبادات بأصنافها، وليس أكثر حرمانا، وأعظم خسارة من أب يرى أولاده عازفين عن الصلاة وهو لا يحرك ساكنا، فلا يأمرهم بها، ولا يحضهم عليها، والله المستعان.

أيها المربون الكرام: إن مما يجعل بناء الأسرة قويا متماسكا أن تكون روح الحوار بينهم حاضرة، وقبول الرأي عادة متوافرة؛ فإن الرأي إنما يقوى بأخيه، والفكرة تعضد بأختها، ومتى ما غرس الوالدان هذا المسلك التربوي في أولادهم كانوا أقرب إليهم؛ لأنهم سيشعرون أن لرأيهم قيمة، ولوجودهم معنى، وهذا من أهم ما يعزز فيهم ثقتهم بأنفسهم، فتتولد لديهم الفصاحة والطلاقة، والجرأة والمبادرة، فلا ينشؤون منعزلين، غير قادرين على الحديث وعاجزين عن كل نقاش، فضلا عن فوائد أخرى للحوار، ومنها أن الابن إن وقع في خطأ استشار أباه وأمه، ولا يهرع إلى غيرهم ممن لا يعرف صلاحه أو خبرته؛ فإن الأولاد كثيرا ما يلجؤون إلى مشورة أصحابهم ممن تنقصهم الخبرة، وقد يضرهم رأيهم، فإن وجدوا الباب مشرعا للحوار مع والديهم فإنهم سيكونون ملجأهم عند كل نائبة، ومرجعهم عند كل مشكلة.

فاتقوا الله –عباد الله– تسعدوا، واحرصوا على بناء أسركم تفلحوا.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.

⬛️ وهذه: الأسرة سكن ومودة — خطبة الجمعة مكتوبة وجاهزة ومُنسَّقة

الخطبة الثانية

الحمد لله على سابغ عطائه، والشكر له على مننه وسخائه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، الداعي إلى طاعته، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وأهل محبته.

أما بعد، فيا عباد الله: إن المسلم العاقل ليحرص كل الحرص على تكوين عائلة لها بصمات في مجتمعها، ومما يؤدي إلى ذلك أن يزرع الوالدان في نفوس الأولاد حب تنمية المهارات؛ فإن الشخص الذي يمتلك مهارات يكون عادة فاعلا في الحياة.

ومن المهارات المهمة مهارة التواصل الفعال، وذلك بأن يحرص الشخص حين يتواصل مع الناس أن يكون أسلوبه لطيفا ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ﴾، وينتقي من العبارات أحسنها ﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾، وأن لا يقاطع الآخرين حديثهم، بل عليه أن يكون منصتا جيدا؛ فقد مدح القرآن المؤمنين بقوله: ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾، ثم وصف متبعي القول الحسن هذا بقوله: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾، وقد جاء في الأثر عن أحدهم قوله: “إن الرجل ليحدثني بالحديث، فأنصت له كأن لم أسمعه قط، وقد سمعته قبل أن يولد”.

ومن المهارات التي ينبغي غرسها في الأولاد مهارة التفكير الناقد؛ فإن الإنسان مأمور شرعا أن لا يهمل عقله؛ فهو وسيلة التفكير، ولعظيم شأنه قال المولى ﷻ: ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾، ﴿أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ﴾، والشخص الذي يعمل عقله – مستنيرا بكتاب الله وسنة رسوله – يكون أقدر الناس على الوصول إلى الصواب، فالولد الذي يفكر في الشيء قبل فعله لن يتقبل كل شيء يسمعه من مجتمعه؛ لأنه يتأمله قبل كل شيء ليرى صوابه من خطئه، وهكذا حين يسمع أي فكرة فإنه لن يتشربها دون تمحيص، بل سيقرأ ويناقش، ويحلل ويستنتج، وقد يحاور فيها غيره، أو يستشير في صحتها عارفا بها؛ فما أحوجنا في هذا الزمن –الذي بات فيه انتشار المعلومة أسرع من لمح البصر– إلى عقل ناقد، وذهن مفكر، وقلب متأمل.

فهلا نغرس في أبنائنا اختبار صحة أي رأي نسمعه، أهو صحيح أم سقيم؛ لنحظى بأسرة سعيدة بناءة، تعطي العلم قدره، والعقل قيمته، وتولي التثبت في أي خبر تسمعه اهتمامها؛ فما أكثر ما نرى في مجتمعاتنا من تناقل للأخبار غير صحيح، ونشر لها دون تثبت أو تمحيص، مع أن الله ﷻ يحذرنا بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾.

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «التأني من الله، والعجلة من الشيطان».

فاتقوا الله – أيها المؤمنون – واحرصوا على أن يمتلك أبناؤكم المهارات النافعة من قراءة وتعلم، وتدبر وتأمل؛ فإنها عدتهم في الحياة وقائدتهم إلى النجاة.

هذا، وصلوا وسلموا على رسول الله الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.

⬛️ وهنا أيضًا: ضوابط بناء الأسرة.. خطبة جمعة مكتوبة وجاهزة

أضف تعليق

error: