خطبة عن خطورة الإسراف وعاقبة المسرفين.. ﴿ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين﴾

خطبة عن خطورة الإسراف وعاقبة المسرفين.. ﴿ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين﴾

مقدمة الخطبة

الحمد لله رب العالمين، سبحانه نهى عن الإسراف وبين أنه لا يحب المسرفين، وحذر من اتباع الشيطان لأنه العدو المبين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريـك له، ﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاء رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ﴾، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، خير متصف بالاعتدال، وأحسن مطبق للتوسط في الأعمال،، وعلى آله وصحبه أولي الفضل والكمال، وعلى من سار على نهجهم واستن بسنتهم إلى يوم المآل.

أما بعد، فيا عباد الله: اتقوا الله ﷻ الذي بيده ملكوت السماوات والأرض ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللَّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا﴾.

الخطبة الأولى

واعلموا أيها المؤمنون –رحمكم الله– أنه ﷻ خلقكم أمة وسط واعتدال ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾، ثم جعل لكم الأرض مسخرة بما فيها من النعم الظاهرة والباطنة ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾.

وأمركم بإظهار أثر هذه النعم العظيمة، فأباح لكم أكلكم وشربكم، ووصاكم بإظهار الزينة والحسن تحديثا بنعمته عليكم.

يقول النبي مبينا ذلك بقوله: «إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده»، وقد وصى ربنا ﷻ نبيه بذلك فقال: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾، وعلى المقتدي بنبيه أن يعلم أن كل ذلك محصور بين جنبات الاعتدال، فلا إسراف ولا تبذير، ولا شح ولا تقتير، فمع كل تلك الأوامر جاء التكليف بالاتزان أكلا وشربا وزينة، وألزمهم عدم الإسراف لأنه لا يحب المسرفين.

يقول ربنا في كتابه المبين: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾.

أيها المؤمنون: لم ينه ربنا ﷻ عباده عن الإسراف نهي عبث –حاشاه–، ولم يأمرهم بالاعتدال في أمورهم تضييقا عليهم ﷻ، ويكفيهم أن يعلموا أن المبذر يكون إلى الشيطان أقرب، فالنهي الصريح عن التبذير والإسراف أصوب، يقول ربنا ﷻ: ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾، فالشيطان لا يقود أتباعه إلا إلى الندامة، ولا يرمي بهم إلا في الحسرة، والمتصف بالإسراف استجاب للشيطان في تبذيره، ظانا أن السعادة في نظرة الناس إليه أنه ذو قدرة ومال، متجاهلا أنه يدفع نفسه إلى خسارة المآل، يقول ربنا ذو الجلال: ﴿وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا﴾.

أيها المسلمون: كفى بالإسراف ذما أن الله ﷻ يقول: ﴿وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾، فالإسراف خلق مذموم يجلب صاحبه إلى المصير المشؤوم، وأي حال – عباد الله – يكون فيها من دخل في دائرة من لا يحبهم الله؟! لا عجب أنه سيعدم التوفيق، ويحرم حسن التدبير؛ لأن من اتصف بالإسراف سحبه ذلك إلى مذمات؛ واحدة بعد أخرى، فيحمله على التوسع في المرغوبات، ويجره نهمه إلى ما لا يقدر عليه من الملذات، وربما دفع نفسه إلى اقتراض المال لسد هوى شهيته، ليظهر التفاخر بما لا يملك في مأكله ومشربه، وفي سياراته وبيوته، وفي لباسه وزينته، مجانبا أمر النبي عندما قال: «كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا ما لم يخالطه إسراف أو مخيلة».

فاتقوا الله –عباد الله–، ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.

⬛️ وهنا خطبة: بث الأمل والتفاؤل في المجتمع – مكتوبة

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، ﷺ، وعلى آله وصحبه وأتباعه المقتفين آثاره وخطاه.

أما بعد، فاتـقوا الله –عباد الله–، واعلموا أنه ﷻ ذكر في كتابه أوصاف عباده مبينا ما يعرفون به من الشمائل، مضمنا تلك الصفات صفة الاعتدال والبعد عن السرف أو التقتير، يقول الله ﷻ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾، فهم لم يقحموا أنفسهم في إسراف حف بالمعاصي، ولم يدخلوا أيديهم في تقتير لينفقوا كمن يجر إليه من الأقدام والنواصي، بل عرفوا بالتوسط فكان أمرهم بين ذلك قواما، فقد توسطوا في طعامهم تطبيقا لقول النبي: «ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه».

ولم يسرفوا في الماء ولو على وضوئهم مقتدين بالنبي الكريم، فقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه حسن تدبيره في ذلك فقال: «كان النبي يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد، ويتوضأ بالمد»، ولا غرابة أنهم لم يتجاوزوا المسموح في حفلاتهم وتجمعاتهم، ممتثلين أمر ربهم ﴿وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا﴾، فهذه صفات العارفين المعترفين بنعمة ربهم، الطامعين في الزيادة بشكر المنعم عليهم ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾.

فاتقوا الله –عباد الله– ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ﴾.

هذا، وصلوا وسلموا على رسول الله الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.

وهذه يا أكارِم: خطبة جمعة عن خطر الرشوة وضررها على الفرد والمجتمع

أضف تعليق

error: