حج الحامل.. بين الطب والشرع

حج الحامل.. بين الطب والشرع

سائِلة تقول: لي صديقة حجزت للحج هذا العام قبل أن تكتشف أنها حامل.. ذهبت للطبيب لاستشارته فأخبرها بأنها يمكنها الذهاب لو شاءت. المشكلة أن الطبيب ليس بمسلم ولا يدري ماذا يترتب على القيام برحلة الحج، ولا يعلم كم المشقة في الحج، فبماذا تنصحونها؟ هل تذهب للحج؟ وهل مررتم بأخوات في تلك الفترة حججن بسلام؟ علما بأنها ستكون قد أنهت الشهر الثاني عندما تذهب للحج. أرجو النصيحة.

الإجـابة

الأخت الفاضلة، نشكر لك اهتمامك بأمر صديقتك وحبك لها والانشغال بشئونها؛ فهو روح المسلمين حقا، جعل الله هذا في ميزان حسناتك بإذن الله.

بداية أختنا الكريمة، نقول لك ولصديقتك ولكل الأخوات نقلا من الفتوى:

وجوب الحج على المستطيع بين الفور والتراخي:

إن الحج فريضة على المستطيع بإجماع الفقهاء لقول الحق ﷻ: {وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} وقد قال جمهور العلماء بوجوب الحج على الفور إذا توافَرَت أسباب الاستطاعة، وأسباب الاستطاعة تختلف ما بين أسباب مادية وأخرى صحية وثالثة اجتماعية… إلخ.

وفي حالة صديقتك الحامل فلا بد أن نذكر لك القاعدة الشرعية التي تقول إن دفع الضرر مقدم على جلب المنفعة. فالأصل هو دفع الضرر؛ والأمر هنا يحتاج إلى استشارة طبيب مسلم محل ثقة، على أن يكون مدركا تماما لما في الحج من مناسك ومشقات، وتحديد مدى خطورة تلك الرحلة على الأم وجنينها. وإن أفضى رأيه إلى احتمال وجود خطورة ما على صديقتك أو طفلها المنتظر فإننا ندفع بالضرر المحتمل.

وأنت أختنا لم تذكري لنا ما إذا كان هذا الحمل هو الحمل الأول لصديقتك أم أنه حمل متكرر، فالأمر يختلف باختلاف الحالة. وهذه معلومة ضرورية للطبيب لكي يستطيع التنبؤ باستقرار الحمل لديها بشكل عام.. غير أننا لا يمكننا أن نعتمد اعتمادا كليا على طبيعة استقرار الحمل لديها، فلكل حمل ظروفه الخاصة به ولا يمكن التنبؤ باستقراره أو ثباته إلا بالمتابعة مع طبيب النساء والتوليد خلال الشهور الثلاثة الأولى على الأقل.

وإن أخذت صديقتك قرارها بالسفر، فعليها أن تأخذ بكل أسباب التيسير في مناسك الحج، فكل ما هو سنة وليس بفرض لا مانع من تجاوزه حتى تلزم الراحة قدر الإمكان، وعليها أن تحاول ألا تتعرض لأماكن الزحام الشديد مثل مكان رمي الجمرات، وتحاول إن تيسر أن ترمي ليلاً أو توكل عنها زوجها مثلاً، وهذا جائز في الظروف العادية فما بالك بالحمل؟

ويمكنك أختنا مطالعة الفتوى التالية لمزيد من التوضيح:

إنابة المرأة غيرها في مناسك الحج

وعموما، فكل إنسان يشعر بنفسه عندما يجهد لدرجة من شأنها أن تلحق به الضرر. وفي هذه الأوقات ننصحها بالراحة والجلوس فور أن يوافيها هذا الشعور.

وأخيرا، نود أن نلفت نظرك إلى مدى صعوبة أداء مناسك الحج مع الالتزام بتعاليم الأطباء، حتى لو أرادت هي ذلك؛ وهو ما يجعل الرحلة بأسرها شاقة جدا على صديقتك.

الرَّأي الطبي

وإليك عزيزتي رأي الدكتور هشام العناني:

سيدتي الفاضلة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أعزك الله وأكرمك برؤية بيته المعمور في أطهر بقعة من بقاع الأرض.

إن الحج رحلة لا يستطيع أحد أن يوفيها حقها في الجمال أو النقاء، لكنها في نفس الوقت رحلة شاقة جدا على الصغير والكبير فما بالك بالحامل؟

ونحن في الطب نعتبر أن الحمل قد استقر إذا ما مرت الشهور الثلاثة الأولى بسلام بدون متاعب. وهذه ليست حالة صديقتك، فهي ستكون حاملا في الشهر الثاني فقط، ولا أدرى كيف ستستطيع رمي الجمار؟ (لا بد أن توكل غيرها في ذلك). ولا أدري كيف ستطوف بالكعبة المشرفة وسط الزحام الشديد؟ (إلا إذا استأجرت عربة خاصة للسيدات وهي باهظة التكاليف). ولا أدري كيف ستمنع نفسها من الإصابة بالأنفلونزا وغيرها من الأمراض المعدية التي تنتشر في موسم الحج؟

بالإضافة إلى أنك لم تذكري لنا ما إذا كانت صديقتك تعاني من أمراض معينة مثل الأنيميا أو الحساسية أو تعرضت لإجهاض سابق… إلخ؟

يجب أخذ كل هذه الأمور في الاعتبار قبل أن ننصحها بالسفر من عدمه. وعموما فلا بد من عمل فحوصات كاملة واتخاذ كافة الاحتياطيات قبل اتخاذ قرار السفر إلى الحج.

ولا تنسينا في الدعاء.

أهم الفحوصات والاحتياطات

ويكمل الدكتور محمد نور الدين موضحا أهم الفحوصات والاحتياطات الواجب عملها عند اتخاذ قرار السفر:

إلى الأخوات الأعزاء، السلام عليكن ورحمة الله وبركاته.. في الحقيقة إن ما نخشاه على الحمل أثناء الحج هو الإجهاض خاصة إذا كان في شهوره الأولى كما هو الحال معنا الآن. لكن إذا تمت المناسك في هدوء فإن شاء الله تعالى سنتجنب ذلك ولو أن ذلك سيستهلك وقتا زائدا.

وعلى صديقتك أن تراعي الآتي إن أخذت قرار السفر بالفعل:

  • أن تلتزم بالطواف في أطراف الساحة حتى يمكنها الخروج بسهولة عند الضرورة.
  • ألا تستعجل أبدا أثناء السعي خاصة عند صعود وهبوط الصفا والمروة.
  • كما يجب عليها أن توكل من ينوب عنها لرمي الجمار.
  • وأشدد على أن تتجنب الزحام قدر الاستطاعة.
  • أن تضع على فمها وأنفها قناعا أو ما يسمى “الماسك” لتفادي العدوى، خاصة أنه في موسم الحج يأتي أناس كثيرون من أماكن مختلفة من العالم يحملون مختلف الفيروسات.
  • كما أن عليها الاهتمام بالسوائل.
  • وعليكم أيضًا إجراء بعض التحليلات قبل السفر للاطمئنان. وتلك التحليلات هي: نسبة ومستوى السكر في الدم ، Hb ، Toxoplasma antibody titre Igm. فإن كان هناك ما يستدعي العلاج، فتقوم بذلك. هذا مع افتراض أنها لا تعاني من أي أمراض الآن.
  • كما أن عليها التعرف فور وصولها بالسلامة على أقرب مستشفى أو مركز طبي تحسبا لأي طارئ حتى تكون مستعدة ولا يحدث ارتباك إن حدث شيء لا سمح الله تعالى.
  • وحبذا لو أنها دونت رقم الهاتف الخاص بالمستشفى أو المركز واحتفظت به في حوزتها. وينطبق نفس الشيء عندما تنتقل إلى عرفات أو منى وتتعرف على الهيئات الطبية الموجودة في تلك الأماكن.
  • وأنصحها بأن تأخذ قسطا كافيا من النوم لتقوى على تأدية المناسك في يسر إن شاء الله تعالى.
  • كما أرجو أن تسرع بمراجعة المراكز الطبية في المنطقة التي تتواجد بها حال شعورها بأي آلام أسفل البطن أو نزول دم ولو قليلا. ويلزمها إن شعرت بأي أعراض مثل الزكام أو الكحة ألا تهمل في علاجها.
  • كذلك عليها تجنب الإمساك وذلك لتفادي زيادة ضغط البطن نتيجة محاولة إنزال البراز.

ولي ملاحظة أخيرة هي أنها لم تذكر إن كانت قد حدث لها إجهاض سابق أم لا، فإن كان قد حدث فإن الالتزام بتأدية المناسك دون عجلة وفي تؤدة يكون واجباً جداً وملزما لها بصورة أقوى حتى إن اضطرت إلى استئجار عربة خاصة لحملها أثناء الطواف والسعي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error:
Scroll to Top