هيا نبدأ بناء الشخصية المسلمة مع بدء تربية أولادنا

تهدف جهود العاملين المخلصين من أبناء هذه الأمة إلى إعادة بناء الشخصية المسلمة وإلى معالجة ما لحق بها من تشوهات وأمراض أدت إلى ما تعانى منه امتنا الحبيبة من تدهور وانحطاط، وتتجه الأنظار وتتركز على الأخذ بيد الجيل الناشئ نحو مستقبل أفضل، فهم عدة هذه الأمة وأملها المنشود في ظل المستجدات المتسارعة والمتلاحقة على الصعيد العربي.

وتتوالى المقترحات وتتفاوت الآراء حول سبل إصلاح المنظومة التعليمية والتربوية والأخلاقية داخل المجتمع وخاصة داخل المؤسسات التعليمية وداخل مؤسسة الأسرة، وتتركز الجهود نحو التركيز على جوانب دون الأخرى.

إنسان غير مكتمل

وقد كان هناك بعض التجارب من العاملين المخلصين تركزت على بعض هذه الجوانب، ولكنها أسفرت عن بناء إنسان مائل غير معتدل ما يلبث مع الزمن أن ينهار لأن احد أركانه ضعيفة وهشة،

فمنهم من جعل الأولوية الأولى في التنمية الإيمانية، فهو الأساس في بناء الشخصية المسلمة، وأغفل إلى حد كبير جوانب أخرى في غاية الأهمية مما أدى الى ظهور نماذج ليست على المستوى المنشود الذي نأمله لتحقيق التغيير.

فالتركيز على الجانب الايمانى فقط ينشئ شخصية متدينة صالحة، لكنها قد لا تملك مهارات فكرية او ملكات  الصحة النفسية والثقة بالنفس التي تؤهلها للقيادة وإحداث التغيير على المستوى المجتمعي، وليس ذلك بسبب قصور الدين عن تنمية هذه المهارات،  فقد اخرج هذا الدين أمة الإسلام من ظلمات صحراء الجزيرة إلى نور  أضاء الدنيا بالعلم والعدل والأخلاق، ولكن هو قصور العاملين عن فهم حقيقة هذا الدين وعن استخراج مكنوناته وكيفية تفعيلها لبناء شخصية مؤثرة.

كما أن التركيز على الجانب العلمي فقط، قد ينشئ شخصية متعلمة حاصلة على شهادات ولكنها مع إهمال الجوانب الأخرى تفتقد إلى الثقافة والايجابية التغييرية وإلى القدرة على النجاح.

فقد خلق الله ﷻ الإنسان من جسد وروح، وجعل له العقل الذي هو مناط التفكير والقلب يحمل الكثير من المشاعر والأحاسيس والتي تؤثر بشكل مباشر على سير الحياة والوصول للأهداف،

ولم الإنسان منفصلا عن المحيطين به، بل جعله جزء من كل فى اوساط اجتماعية مختلفة تتسع دائرتها تدريجيا مع تقدم العمر والتطور التدريجي في الملكات والمهارات الاجتماعية،  فتبدأ من دائرة الاسرة وتنتهي بدائرة المجتمع والأمة ككل.

وهنا تقرأ: تربية الأطفال.. بين الثواب والعقاب

تنمية شاملة

ولذلك فلابد أن تتجه جهود التربية إلى تنمية شتى الجوانب الإنسانية والتي تشكل شخصية الإنسان من اجل بناء متكامل قوى الأركان:

  • الجانب الروحي: ويقصد به العلاقة القلبية الموصولة بالخالق ﷻ.
  • الجانب الجسدي: ويقصد به تنمية القدرة على الحفاظ على القوة الجسدية وتنظيم الاحتياجات الجسدية بشكل مناسب، وإهمال هذا الجانب ينشئ شخصية ضعيفة البنية كسولة الحركة غارقة في متطلبات الجسد من نوم وطعام وشراب أو شهوة.
  • الجانب العقلي: ويقصد به تنمية القدرة على التفكير السليم والحصول على المعلومات والقدرة على حل المشكلات وإخراج منتجات، وإهمال هذا الجانب يؤدى إلى شخصية ضعيفة الذكاء ضعيفة القدرات والإمكانات لا تقوى على اتخاذ قراراتها أو حل مشكلاتها أو التخطيط لحياتها، فكيف يوكل إليها مهمة تغييرية كبرى.
  • الجانب العاطفي الوجداني: و يقصد به القدرة على التعامل مع الذات بما تحمله من مشاعر وأحاسيس، وإهمال هذا الجانب يؤدى إلى شخصية سيكوباتية فيها الكثير من المشكلات النفسية والتي تؤثر على ثقتها بنفسها وعلى علاقتها بالآخرين.
  • الجانب الاجتماعي: وهو تنمية القدرة على التعامل الايجابي مع الآخرين، وإهمال هذا الجانب يؤدى إلى شخصية غير مؤثرة او فاعلة في المحيط الاجتماعي.

كما تقرأ هنا: تربية صالحة.. وليس تعليم الصفع والطرد!

إشباع وتغذية

وفى كل جانب من هذه الجوانب يكون التركيز على ثلاث مهام رئيسية:

أولا: إشباع الاحتياجات الرئيسية: فلكل جانب  من الجوانب الانسانية احتياجات اساسية لابد من اشباعها حتى تحافظ على صحتها، كما يحتاج الجسد إلى غذاء متوازن كى يحافظ على صحته.

فالجانب الإيماني يحتاج إلى التعرف على الله ﷻ وعلى الغيب وأسراره.

والجانب العقلي يحتاج إلى المعرفة والعلم والمعلومات.

والجانب العاطفي يحتاج إلى الحب والاحترام والثقة والاهتمام وغيرها من الاحتياجات النفسية العاطفية اللازمة للصحة النفسية.

والجانب الاجتماعي يحتاج إلى بيئة صحية وجو اجتماعي صحي لينمو بصورة طبيعية وسوية.

ثانيا: تغذية جميع الجوانب الإنسانية بما يتيح لها النمو والارتقاء وليس مجرد المحافظة على الصحة فقط والنمو المتوازن، وليس الارتقاء في جانب بعيدا عن الجوانب الأخرى فيصبح البناء مائلا.. فارتقاء الجانب العقلي على سبيل المثال يحتاج إلى اكتشاف المهارات الفطرية وتنميتها وإلى تعلم التفكير والقدرة على حل المشكلات واستخدام المعلومات في الابتكار والإبداع.

وارتقاء الجانب الاجتماعي يحتاج الى تعلم مهارات اجتماعية تؤهله إلى القيادة الفعالة.

ثالثا: في طريق الإشباع والارتقاء قد تصيب الطفل بعض الأمراض التي قد تكون ناتجة عن نقص التغذية، وقد تكون ناتجة عن أسباب بيئية خارجية، فلابد من معالجتها وإسعافها قبل أن يستفحل أمرها، فعلاج مشاعر اليأس والإحباط تحتاج من الآباء التدخل السريع قبل أن تستفحل كعلاج التهاب اللوزتين قبل أن تسبب حمى روماتيزمية.

فعندما تكون جوانب التربية وأهدافها العامة واضحة، تمكنا من وضع أهداف مرحلية وخطة تنموية متكاملة سيكون الحديث عنها بشيء من التفصيل إن شاء الله ﷻ.

بقلم: د. دعاء راجح

ويُمكنك الرجوع إلى: كيف نُعلم أبنائنا الفرق بين الجرأة والوقاحة؟ نقاط هامة في أسلوب التربية في هذا الركن

أضف تعليق

error: