من أروع خطب يوم الجمعة –مكتوبة– بعنوان: المسلم بين الخوف والرجاء

من أروع خطب يوم الجمعة –مكتوبة– بعنوان: المسلم بين الخوف والرجاء

أتيت إلى هذه الصَّفحة يا عزيزي لأنك تنشُد أروع خطب يوم الجمعة؛ وهذا رائِع فعلا أن تسعى لأن تكون مُميَّزًا مُتميزًا. ولذلك أوصيك بخطبتنا اليوم، وهي بعنوان: المسلم بين الخوف والرجاء.

وهي خطبة: مكتوبة – بالعناصر – مُعزَّزة بالآيات والأحاديث وأبيات الشِّعر.

عناصر الخطبة

  • تعريف الخوف والرجاء وبيان أهميتهما في حياة المسلم.
  • المؤمن يعيش بين الخوف والرجاء طمعاً في رحمة ربه ﷻ، وخوفاً من عقابه.
  • المؤمن يحسن الظن بربه ﷻ، ولا يقنط من رحمته.
  • المؤمن يسارع في التوبة من الذنوب والمعاصي ليتمكن من مقام الرجاء.

الخطبة الأولى

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فإنّ المسلم في حياته وهو يمارس أعماله وأشغاله اليومية ينظر إلى ما بعد هذه الحياة الفانية، ينظر إلى حياته الباقية، إلى يوم القيامة وما يكون مصيره فيه، وهذا يجعله بين أمرين اثنين في كل أعماله وأقواله وحركات قلبه وسكناته، إما خوف من الله إذا زل في معصية، وإما رجاء إذا قدم عملاً صالحاً لنفسه.

وإنّ الله ﷻ قد بشّر المؤمنين الذين يتقون حرماته بأنّه كتب على نفسه الرحمة، قال الله ﷻ: ﴿وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، وبشّرنا النبيّ ﷺ فيما يرويه عن ربه ﷻ، قَالَ اللهُ ﷻ: «سَبَقَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي».

إخوة الإيمان: مؤمن قد تقع منه زلة أو معصية، أو تفريط في جانب المولى ﷻ، فعليه أن يخاف الله ﷻ ويبادر إلى التوبة من تلك المعاصي والآثام لينال موعود الله ﷻ بالرحمة، ويدخل في مقام الرجاء، قال الله ﷻ: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾، فهذه الآية العظيمة فيها البشرى لكل مؤمن ولكل عاص، أن مغفرة الله ﷻ للذنوب لا تتوقف عند حدّ، فلا ينبغي للمسلم أن يقنط من رحمة الله ﷻ، بل يبقى دائم الرجاء بعفو الله ﷻ، فقد ورد في تفسير هذه الآية الكريمة: “أن ناسًا قد أصابوا ذنوبًا عظامًا في الجاهلية من نحو القتل والزنا وكبائر؛ فأشفقوا ألا يتاب عليهم؛ فأنزل اللَّه هذه الآية يدعوهم إلى التوبة والإسلام، وأطمع لهم القبول منهم والتجاوز عما كان منهم”.

ويُروى عن علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قال لِأَهْلِ الْعِرَاقِ: “إِنَّكُمْ تَقُولُونَ إِنَّ أَرْجَى آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ﷻ: ﴿قُلْ يَا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، قَالُوا: إِنَّا نَقُولُ ذَلِكَ، قَالَ: “وَلَكِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ نَقُولُ: إِنَّ أَرْجَى آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ قَوْلُهُ ﷻ: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى، وَفِي الْحَدِيثِ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِذًا وَاللَّهِ لَا أَرْضَى وَوَاحِدٌ مِنْ أُمَّتِي فِي النَّارِ».

كيف لا أرجو الذي
لا يغفر الذنب سواهُ

جاء في القرآن منصوصاً
وكلٌ قد رواهُ

ومن لا يغفر الذنب
وإن جل سواهُ

فالرجاء هو انتظار ما هو محبوب ومرغوب ومطلوب في المستقبل، ولكن بشرط تحقيق أسباب الرجاء، فانتظار التوبة ورجاء المغفرة من الله مع الإقامة على المعاصي حمق وجهالة وغرور وتمنٍّ، وكل ذلك مذموم إلا الرجاء الذي يأخذ فيه المؤمن بأسباب التوبة ويشرع في الطاعات، فبعد أن تتخذ –أيها المؤمن– الأسباب الممكنة كلّها عندئذ علق قلبك بالله، وأنه ﷻ يعطيك سؤلك ويتقبل عملك.

واعلموا أن الرجاء هو من تعظيم الله وهو من أعظم المعرفة بالله، فمن عرف الله حقّ معرفته عرف أنَّ ربه هو الغني، الذي لا تنفعه طاعة، ولا تضره معصية، وأنه يعطي على العمل القليل الجزاء العظيم.

إن من أهم الأسباب الجالبة للرجاء معرفة لطف الله ﷻ وكرمه وعميم إنعامه ولطائف صنعه ومعرفة صدقه في وعده الجنة، فإذا حصل اليقين بوعده والمعرفة بلطفه انبعث من مجموعهما الرجاء إن شاء الله ﷻ.

إنَّ الرجاء يدفع المسلم إلى حسن الظن بربه، فمن أحسن ظنه بالله ﷻ في قبول عمله من طاعة وفّقه الله إليها، أو البعد عن معصية وفّقه الله إلى تركها، فذلك هو الرجاء، فأنت عندما تقدم طاعة لله ﷻ من صلاة أو صيام أو زكاة أو حج أو غيرها من الطاعات تحسن الظن بالله بأن يكون قد قبل عبادتك، أو أن تكون قد تبت من معصية قد ارتكبتها فتحسن الظن بالله بأن يكون قد قبل توبتك وتاب عليك، قال ﷺ: «يقول الله أنا عند حسن ظن عبدي بي»، وقَالَ ﷺ: قَالَ الله ﷻ: «أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي».

ويقول المزنيّ: دخلت على الشافعي رضي الله عنه في مرضه الذي مات فيه، فقلت: يا أبا عبد الله، كيف أصبحت؟ فرفع رأسه، وقال: أصبحت من الدنيا راحلاً، ولإخواني مفارقًا، ولسوء عملي ملاقيًا، وعلى الله واردًا، ما أدري روحي تصير إلى الجنة فأهنيها، أو إلى النار فأعزيها، ثم بكى، وأنشأ يقول:

ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي
جعلتُ رجائي دون عفوك سُلَّما

تعاظمني ذنبي فلما قرنتُه
بعفوك ربي كان عفوُك أعظما

فما زلتَ ذا عفو عن الذنب لم تزل
تجود وتعفو منّةً وتكرما

وقد ورد في فضل الرجاء والحث عليه الكثير من الأحاديث، منها ما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قدم على رسول الله ﷺ سبىٌ، فإذا امرأة من السبي تسعى إذ وجدت صبياً في السبي أخذته فألزقته ببطنها فأرجعته، فقال رسول الله ﷺ: «أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟» قلنا: لا والله، فقال: «الله أرحم بعبده المؤمن من هذه على ولدها».

إخوة الإيمان: المؤمن عليه أنْ يكون دائماً بين الخوف والرّجاء، فلا يغلب الخوف على الرجاء، ولا يغلب الرّجاء على الخوف، فلا ينبغي أن يمنعه رجاء رحمة الله ﷻ من الخوف من عذابه، فمن عرف الله غفوراً رحيماً عليه أن يعرفه شديد العقاب أيضاً، قال الله ﷻ: ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

فإذا كان خوف العبد من الله يمنعه من المعاصي؛ فالرجاء فيما عنده الله يدفع العبد إلى التوبة، وإلى حُسن الظن بالله ﷻ، فالإنسان المؤمن إذا تاب إلى الله، تاب الله عليه، وعن أنس رضي الله عنه قال: سمِعت رسول الله ﷺ يقول: «قال الله ﷻ: يا ابن آدمَ، إنك ما دعوتني ورجَوتني، غفَرت لك على ما كان منك ولا‌ أُبالي، يا ابن آدمَ، لو بلغت ذنوبك عَنان السماء، ثم استغفرتَني، غفَرت لك ولا‌ أبالي، يا ابن آدم، إنك لو أتيتَني بقُراب الأرض خطايا، ثم لقِيتني لا‌ تُشرك بي شيئًا، لأتيتك بقرابها مغفرة».

عَنِ ابْنِ أَبِي مَالِكٍ، قَالَ: دَخَلَ وَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ عَلَى مَرِيضٍ يَعُودُهُ فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ الْمَرِيضُ: لَقَدْ خِفْتُ اللهَ خَوْفًا حسبت أَنْ لَا يَقُومَ لِي بَعْدُ نِظَامٌ، وَرَجَوْتُ اللهَ رَجَاءً، فَرَجَائِي فَوْقَ ذَلِكَ، فَقَالَ وَاثِلَةُ: اللهُ أَكْبَرُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «أُقْسِمُ، الْخَوْفُ وَالرَّجَاءُ أَنْ لَا يَجْتَمِعَا فِي أَحَدٍ فِي الدُّنْيَا فَيُرَحْ رِيحَ النَّارَ، وَلَا يَفْتَرِقَا فِي أَحَدٍ فِي الدُّنْيَا فَيُرَيَّحْ رِيحَ الْجَنَّةِ».

فالمؤمن في حالة القوة والصحة عليه أن يخاف الله؛ فإنّ الخوف في هذه الحالة يدفعه إلى العمل، وفي حالة الضعف وعند المرض والموت عليه أن يغلب الرجاء مما يدفعه إلى التوبة، وليعلم أنه مقدم على رب غفور رحيم حليم كريم، وهنيئاً لمن مات وهو يرجو رحمة الله ويحسن ظنه بالله ﷻ، فقد قال ﷺ، قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ: «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ ﷻ»، نسأل الله ﷻ أن يجعلنا ممن يحسنون الظن به، إنه نعم السميع المجيب.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الخطبة الثانية

الحمد لله حقّ حمده، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعبده، وبعد، أيها المؤمنون أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله العظيم، لقوله عز من قائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.

إنّ المسلم يطير إلى حياته الباقية على جناحين جناح الخوف من الله ﷻ إذا ارتكب ذنباً، وجناح الرجاء إذا تاب وأناب وعمل عملاً صالحاً، فليبك كل مؤمن على خطيئته وليندم عليها وليسارع في التوبة من كل ذنب والإنابة إلى الله ﷻ، وليخلط خوفه برجائه امتثالاً لقول الله ﷻ: {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56].

والحمد لله رب العالمين.

المزيد من خطب يوم الجمعة

نعم، لدينا المزيد من المقترحات؛ والتي تحتوي على عناوين خُطَب رائِعة، نعتقد أنها ستنال إعجابك سيدي الإمام. ومنها:

وفقكم الله..

أضف تعليق

error: